فى بداية الأزمة كان الحديث الرئيسى يدور حول تأثير الأزمة على القطاع المالى والقطاعات الاقتصادية المختلفة، إلا أنه مع اتساع نطاق هذا التأثير، أصبحت الخطورة الكبيرة الآن متمثلة فى تأثر القطاع العائلى، فقد أصبحت مستويات معيشة العديد من المواطنين فى مختلف دول العالم مهددة، كما ذكر أحدث تقارير البنك الدولى الذى جاء بعنوان «مؤشرات التنمية العالمية». وتوقع البنك الدولى أن تترك الأزمة 50 مليون شخص فى فقر مدقع، «وإذا اتسعت تأثيرات الأزمة خلال الفترة المقبلة بشكل أكبر، سوف يترك العديد من الأطفال مدارسهم، وترتفع نسبة البطالة بين النساء، إضافة إلى العديد من الآثار الاجتماعية السلبية الأخرى»، وفقا للتقرير. ويرى التقرير أن تحليل عدد من المؤشرات الاجتماعية فى مختلف دول العالم فى سنوات سابقة، يساعد على اقتفاء الأثر الاجتماعى للأزمة، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية لهذه المؤشرات. وبالنسبة لوضع مصر، جاءت أحوالها الاجتماعية، تبعا لمؤشرات 2007، فى وضع أفضل من دول أخرى، حيث إن 98% من أطفالها استكملوا تعليمهم الابتدائى فى 2007. وفى حين أن معدل الزيادة السكانية بها وصل إلى 1.8% فى السنوات من 1990-2007، توقع البنك الدولى أن تنخفض هذه النسبة إلى 1.7% فى الفترة من 2007 2015. وتأتى تخوفات البنك الدولى من تفاقم الآثار الاجتماعية السلبية للأزمة، مع التوقع بازدياد حدة الركود خلال الفترة المقبلة، وقد خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو الاقتصادى لكل بلدان العالم الكبرى، حيث إنه «من المحتمل أن تستغرق أسواق المال فى عودتها إلى الاستقرار وقتا أطول مما كان يعتقد الصندوق فى بادئ الأمر»، وفقا لتقديرات الصندوق. وفى أحدث تقرير له عن الآفاق الاقتصادية العالمية، الذى صدر الجزء الثانى منه مساء أمس الأول، توقع صندوق النقد الدولى أن ينكمش الاقتصاد العالمى بنسبة 1.3% هذا العام، مسجلا أعلى كساد منذ الحرب العالمية الثانية. وتوقع أن يعاود النمو الارتفاع فى عام 2010 بمعدل 1.9%، «وهو معدل بطئ مقارنة بحالات التعافى السابقة»، على حد تعبيره. ويستند الصندوق فى توقعاته إلى فرضية أساسية مفادها أن جمود الأسواق المالية سيطول أكثر مما كان متوقعا، «رغم الجهود الكبيرة التى يبذلها صانعو السياسات». وكان الصندوق قد توقع فى يناير الماضى أن يرتفع الناتج المحلى الإجمالى بنحو 0.5% هذا العام، ثم عدل توقعاته بالنقصان فى مارس الماضى، عندما توقع تراجع الناتج المحلى بنسبة تتراوح ما بين 0.5 و1%. وحث التقرير مختلف دول العالم على تبنى سياسات مالية ونقدية داعمة للنمو، إلى جانب ضرورة التعاون الدولى تجنبا لتفاقم التوترات عبر الحدود. وعليه توقع الصندوق تخفيض أسعار الفائدة فى الدول المتقدمة إلى مستوى الصفر أو الإبقاء عليها فى حدود قريبة منه فى الاقتصادات المتقدمة الكبرى. إضافة إلى تبنى مختلف الدول لخطط تحفيز اقتصاد كبرى، وتقديم حوافز مالية، «والتى بدورها ستقود إلى تفاقم العجز فى موازنات الدول»، بحسب صندوق النقد. وبالنسبة لمصر، توقع التقرير أن يرتفع عجز الميزان التجارى بها إلى 4.4% فى 2009، وأن يصل إلى 5.3% فى 2010، مقابل 2.8% فى 2008. وتوقع الصندوق أيضا ألا يتجاوز معدل نمو الناتج المحلى 3.6% فى 2009، مقارنة بتوقعات حكومية بين 4 إلى 5%، تتراجع إلى 3% فى 2010. ويخشى صندوق النقد من أن تكون السياسات الاقتصادية غير كافية للحد من التأثيرات السلبية الحالية، بسبب عدم المساندة الشعبية للسياسات الحكومية المتخذة. ومن ناحية أخرى، فى تقرير آخر بعنوان «مستجدات الاستقرار المالى العالمى»، ذكر صندوق النقد أن الاقتصادات الناشئة ستحتاج إلى 1.8 تريليون دولار لتمويل نموها، وإنها ستصاب بأضرار عميقة نتيجة لتراجع حجم التمويل العابر للحدود، متوقعا اختفاء التمويل الذى يقدمه القطاع الخاص منفردا للدول النامية. «وعليه هناك ضرورة ملحة أن يكون للمؤسسات المالية دور فى تقديم مساعدات مالية للدول الأكثر فقرا». كانت اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين فى واشنطن قد بدأت أمس لمدة يومين. حيث يلتقى وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من مختلف دول العالم مع المؤسستين لتقييم رد الفعل العالمى تجاه الأزمة المالية العالمى، والجهود المبذولة للتغلب على أعمق ركود يشهده الاقتصاد العالمى منذ ثلاثينيات القرن الماضى.