يجب أن نشكر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على إعلانه أن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودى يشكل أساسا للسلام، ذلك بأن إعلانه هذا يكشف منطلقاته الأيديولوجية ويحفز مناقشة قضايا مهمة. فرئيس الحكومة، شأنه شأن معظم الإسرائيليين، يعتقد أن المعارضة العربية للاعتراف بهذا المطلب تشكل رفضا لوجود دولة إسرائيل، وتعكس معارضة مبدئية للاعتراف بسيادتها. إن هذا التصور السائد على نطاق واسع «فى إسرائيل» نابع من عدم التمييز بين الاعتراف بدولة إسرائيل والاعتراف بها كدولة يهودية. يوجد فى المجتمعات العربية عناصر تعارض فعلا الاعتراف بدولة إسرائيل، لكن لا يرفض العرب كلهم الاعتراف بها. لقد اشتملت اتفاقات السلام التى تم توقيعها مع مصر والأردن شرطا صريحا نص على الاعتراف بدولة إسرائيل، وعشية توقيع اتفاق أوسلو، تبادل «رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق» إسحق رابين و«الرئيس الفلسطينى السابق» ياسر عرفات رسائل بشأن هذه النقطة. غير أن هذه الاتفاقات لا تتطرق إلى الاعتراف بإسرائيل «كدولة يهودية». إن الاعتراف السياسى والقانونى بدولة إسرائيل هو شرط ضرورى يجب أن تتضمن اتفاقات السلام معه الجانب العربى، أما الهوية الوطنية والثقافية للمجتمع الإسرائيلى فهى مسألة داخلية. ومن المشروع، طبعا، أن يعبر الإجماع الإسرائيلى عن هويته اليهودية، لكن مطالبة الجانب الفلسطينى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لا شأن لها بتوقيع اتفاق سلام معه. هناك ثلاث دلالات أساسية للمطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية فى سياق النزاع الإسرائيلى الفلسطينى عامة، ولطرحه فى مرحلة المفاوضات بشأن اتفاق الوضع النهائى خاص، الأولى، هى إنكار شرعية مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بحقوقهم التاريخية فى وطنهم، أو على الأقل فى الجزء الأكبر منه. إن القبول بمطلب نتنياهو سيكون بمثابة قبول «الرئيس الفلسطينى» محمود عباس بمحو ذكرى النكبة وإلغاء السردية الفلسطينية بشأن حرب سنة 1948. الدلالة الثانية تتعلق بأن هذه المطالبة تقوض موقف الفلسطينيين فيما يتعلق بسيادتهم على جزء من القدس، خصوصا على الحرم الشريف، أى جبل الهيكل. فهل يخطر فى بال أحد أن نتنياهو، بعد مطالبته بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، سيقبل الحلول الوسط بشأن السيطرة على المنطقة التى تضم قدس أقداس اليهود؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يلغى إمكان التوصل إلى اتفاق بشأن قضية اللاجئين الشائكة. الدلالة الثالثة تتعلق بالرسالة القاسية التى تنطوى عليها مطالبة نتنياهو فيما يتعلق بالمواطنين الفلسطينيين فى إسرائيل، والتى تعبر عن تنكر لعلاقتهم بوطنهم التاريخى. فعلى مدى العقد الماضى، تزايدت تعبيرات تنكر الأغلبية اليهودية للهوية التاريخية والقومية للأقلية العربية بصفتها جزءا من الشعب الفلسطينى. وتشكل أحداث أكتوبر 2000 نقطة تحول فى نظرة المواطنين الفلسطينيين إلى الدولة، ورؤيتهم لنظرة الأكثرية اليهودية إليهم. إن المفاوضات السياسية هشة منذ البداية ومن شأن الإصرار على المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية أن يؤدى إلى إحباط تقدم فيها، وأن يعزز الاعتقاد أن رفض الفلسطينيين القبول بطلب نتنياهو إنما يزيل الأقعنة عن وجوههم ويكشف نياتهم الحقيقية. ويبدو هذا الأمر كأنه صدق مقلق للرواية التى اشيعت فى أعقاب فشل قمة كامب ديفيد قبل 10 أعوام، والتى لم يكن لها أى أساس من الصحة.