فى مواجهة التمثيل المتدنى للمرأة فى المجالس النيابة، لجأت الدولة إلى سن قانون «كوتة المرأة»، والذى يطبق للمرة الأولى فى انتخابات مجلس الشعب 2010، ترتفع مقاعد المرأة داخل البرلمان إلى 64 مقعدا، علاوة على ما قد تحصل عليه من الانتخابات العامة فى منافساتها ضد الرجال.ومنذ الإعلان عن القانون فى الصحيفة الرسمية وسريان العمل به، دب نشاط «نسائى» فى الأوساط الانتخابية إن جاز التعبير وهو النشاط الذى يتنامى كلما اقتربنا من موعد الانتخابات. وتشهد محافظات مصر تباينا فى التعامل مع القانون الجديد، الذى يضمن للمرأة تكافؤا فى المنافسة بعدما ظلت لعقود طويلة غير قادرة على منافسة الرجال فى هذا المجال الشاق، والذى يتطلب حرية فى التحركات وعقد اللقاءات والتربيطات، وهو ما قد يصطدم مع طبيعة المرأة الشرقية، فى ظل قيود وعادات اجتماعية تقلل من فرصها. ولم يقتصر «النشاط السياسي» فى هذا الصدد على محافظات بعينها، أو يختلف عنه فى الريف عن الحضر، حتى إنه فى ظل النظرة التقليدية للمرأة فى الصعيد يأتى هذا القانون ليضعها على المحك بعيدا عن النزعة القبلية، بينما تتضاعف الفرصة فى محافظات أخرى لتشتعل بين الراغبات فى إثبات إنجازاتهن، وبين القلق من تزوير النتائج والثقة فى أصوات الناخبين تخوض سيدات مصر معركتهن. لأنها لا تزال فى بعض محافظات الصعيد مجرد كائن منزلى لا مكان له فى ذلك المجتمع الذكورى، الذى توارث منذ زمن بعيد فكرة تهميش المرأة وتحجيمها بعدد من العادات والتقاليد والأعراف، التى تحرم عليها المشاركة السياسية والمجتمعية، نستطلع فى هذا التحقيق آراء متنوعة تمثل جميع الأطياف والاتجاهات السياسية والاجتماعية عن رأيهم فى كوتة المرأة فى مجلس الشعب أو بمعنى آخر التمثيل النيابى للسيدات فى البرلمان فى خطوة هى الأولى ربما التى يكرسها النظام السياسى فى مصر لصالح تمثيل المرأة فى المجالس النيابية. فتقول الدكتورة منى الشحات، أمينة المرأة بالحزب الوطنى بقنا وإحدى المرشحات لكوتة المرأة: «لا يجب النظر لكوتة المرأة نظرة مجردة على حساب الرجل، فالذكاء فى الكوتة أنها جاءت منفصلة وبعيدة عن منافسة الرجال فحاليا يوجد فى محافظة قنا 46 سيدة فى جميع المجالس المحلية، ويقمن بأعمالهن على أفضل وجه». وتوقعت الشحات، أن تزيد نسبة إقبال الرجال فى الصعيد على صناديق الاقتراع لإعطاء أصواتهم للمرأة فى إطار المنافسة بين السيدات، «مما سيساعد على الحد من صراع القبائل على مقاعد الرجال فى الدوائر الانتخابية، فإذا كان اختيار المرشحين الرجال على أساس قبلى وعائلى فإن اختيار السيدات سيكون للأصلح والأفضل» حسب قولها. أحلام القاضى، أمينة المرأة بحزب التجمع بقنا وإحدى المرشحات على مقعد الكوتة تقول «فكرة الكوتة ليست قائمة على مبدأ المنافسة بين الرجل والمرأة ولو ترشحت المرأة أمام الرجل لرسبت وستصحو ذكورية المجتمع، ويصبح الموضوع أكون أو لا أكون، وستكون هناك معارضة شديدة للسيدة وستخسر الكثير من سمعتها بسبب حرب التشويه التى ستطلق عليها». القاضى خاضت تجربة الترشح من قبل فى انتخابات 2005، لتتنازل عن الترشيح بعد أسبوع واحد فقط من تقديم الأوراق بعد أن أُطلقت ضدها حرب شعواء، فنصحها أفراد عائلتها بالابتعاد عن الانتخابات، أما الآن فالمنافسة لا تتعارض لأنها ستكون بين سيدة وأخرى ولن يكون للقبلية تأثير فى انتخابات الكوتة. وأضافت القاضى: «فى حالة نجاح السيدة فى الانتخابات ستعمل أكثر من الرجل لما تمتلكه سيدات الصعيد من قوة وجدعنة، وسيشهد الصعيد نهضة حقيقية على أيدى السيدات بغض النظر عن اتجاهاتهن». عادل الغزالى، المدير التنفيذى لجمعية تنمية جنوب مصر لدعم المشاركة السياسية للمرأة، أكد أن الكوتة مهمة فى الفترة الحالية «لأننا فى فترة انتقالية، فالمرأة لا يمكن أن تجابه الرجل سواء فى المصاريف أو فى الانتخابات عموما لأن الانتخابات تتميز بالذكورية فى مجتمع يفضل ترشيح الذكور عن السيدات»، مدللا على ذلك بأنه فى انتخابات 2005 لم يدخل المجلس سوى 4 سيدات على مستوى الجمهورية، بينهم سيدة واحدة فى الصعيد كله، مما يعنى نسبة المشاركة لم تتعد ال 1% رغم أن المرأة نصف المجتمع خاصة فى وجود الكثير من الموضوعات الخاصة بها. وأضاف الغزالى، أن رجال الصعيد عموما وفى الريف خاصة يرفضون أن تكون المرأة نائبا عنهم شكلا وموضوعا، حيث يشككون فى قدرتها المحدودة وخبراتها، التى لا تنافس الرجل لذلك لا يقبل المجتمع الصعيدى أن تكون المرأة نائبة عنهم، لعدم وجود الثقة الكافية بين الرجل والمرأة، حيث يرون أنها تحكم بعواطفها وأى منافسة مع الرجل سيشوه صورتها. وأشار الغزالى إلى أن تجربة الكوتة تضع المرأة فى محك التجربة والتنافس بين السيدات، وهذا ما سيعطى فرصة تكافؤ الفرص الذى نفتقده فى الانتخابات بين الرجال فى الصعيد بسبب القبلية، مؤكدا أن الانتخابات المقبلة «ستكون بين السيدات بعضهن البعض ولن يقبل عليها الرجل الصعيد لأن الانتخابات محسومة مسبقا لصالح مرشحى الحزب الوطنى، بعد عمليات التزوير، التى ستحدث فى الانتخابات خاصة فى ظل عدم وجود ضمانات لنزاهة الانتخابات، فعموما ستكون الانتخابات ككل عبارة عن مسرحية هزلية لصالح مرشحى الحزب الوطنى وليس الأحزاب الأخرى» على حد قوله. وهذا الرأى يؤكده تعليق خالد حسين أحد المواطنين، والذى يرى أن خبرة المرأة فى المجتمع الشرقى عموما، وفى الصعيد خصوصا فى الحياة تعتبر قليلة وغير مجدية، وذلك يرجع إلى تقليص دور المرأة لصالح الحياة الأسرية وتربية الأبناء كما أن السيدات اللاتى يعملن فى الحقل السياسى عددهن قليل ولا يورثون خبراتهم للشباب أضف إلى ذلك أنه لم يتم إعداد المرأة بشكل جيد للمشاركة فى العمل السياسى والأهلى، «وأرى أن المرأة ينقصها قبل التمثيل النيابى أن نعد منها كادرا مدربا على المشاركة السياسية بفاعلية حقيقية بدلا من أن يكون التمثيل صوريا لتجميل الصورة المختزنة عنها». أما دكتور أحمد خيرى المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب بقنا، فيرى أن كوتة المرأة «واقع سياسى مفروض على المجتمع المصرى عموما، لذلك فسيقبل المجتمع القناوى بفكرة الكوتة وتمثيل المرأة طالما أنها لم تتداخل مع الرجال فنسبة المشاركة فى العملية الانتخابية فى الصعيد لم تتجاوز 10% أو 20% فهذا معناه أن الأغلبية لم تشارك فى الانتخابات أصلا». وأضاف: «الرجل الصعيدى سيتعامل مع المرأة عندما تكون نائبة بطريقة براجماتية، وسيقول إنه لابد أن يكون لنا ممثلة فى البرلمان فكلما كان له نائبة فى دائرة أقرب إليه سيكون هو الأفضل وسيذهب إليها كبديل احتياطى للرجل».