شهد شهر رمضان 2010 عرض 6 مسلسلات حملت طابعا تاريخيا وهى «شيخ العرب همام» و«سقوط الخلافة» و«كليوباترا» و«ملكة فى المنفى» و«الجماعة» و«السائرون نياما»، ورغم اختلاف الفترات الزمنية التى تتطرق اليها، فإن جميعها أثارت حفيظة المؤرخين وعلماء الآثار الذين وجدوا بعضها خارجا عن السياق التاريخى سواء فى الملابس أو الديكور أو التناول العام لشخصيات العمل الدرامى. غضب المؤرخين طرح سؤالا مهما.. تمثل فى معرفة ما هى مساحة الحرية المتاحة للمؤلف للتدخل فى مجريات العمل وأحداثه وشخوصه؟.. وبالتالى فإنها تفرض عليه التعرض لأحداث دون أخرى تماشيا مع وجهة نظره التى يؤمن بها؟. وهذا ما وضع الأعمال التاريخية فى مفرق كبير بين رؤية وسقف خيال المؤلف وبين المجرى الطبيعى الذى يسير عليه التاريخ. «إنها مسألة فى غاية الحساسية وهناك خلاف وجدل كبير حولها».. بهذه الكلمات بادرنا الكاتب محمد صفاء عامر الذى أكد أن المؤلف عندما يشرع فى كتابة أى سيناريو يمس التاريخ لابد أن يلتزم كليا بالوقائع التاريخية ولا يصح أن يكتب عكس ما حدث فى الواقع، لأن المؤلف مطالب بأن يفصل وجهة نظره عما يكتبه. وأضاف «مثلا إذا تعرض لواقعة تاريخية معينة، فتلك الواقعة لابد أن تكون قد حدثت فعلا ولكن نص الحوار الذى يدور أثناء تلك الواقعة فى يد المؤلف وحده وهذا الحوار يعبر عنه تماما». وضرب عامر مثلا بمسلسل «الجماعة» للكاتب وحيد حامد قائلا «فى هذا العمل حرص المؤلف على ذكر المراجع التى عاد إليها ليدلل لنا على صدق ما يقول، ولم يكتف بذلك فحسب بل إنه أوجد فى المسلسل شخصية المستشار كساب عزت العلايلى الذى يمتاز بالثقافة الواسعة وجعله يروى ما وجده فى المراجع، وهذه الكتب التى عاد إليها الكاتب تعبر عن وجهة نظره. أما المخرجة إنعام محمد على فاستبعدت تماما حيادية وموضوعية أى كاتب، قائلة «المؤلف الجيد هو من يمتلك وجهة نظر فى استعراضه للأحداث، لأن وجهة النظر هذه هى الأساس الذى يتم بناء كل الأحداث عليه». وأضافت: «طالما أن العمل يخضع لوجهة نظر كاتبه فإنه من الممكن أن يضيف شخصيات وهمية لتدعيم العمل التاريخى.. فمثلا فى مسلسل أم كلثوم كانت الحوارات التى تدور بينها وبين بعض الأشخاص من خيال الكاتب محفوظ عبدالرحمن ولكنها فى ذات الوقت لا تعارض الأحداث التاريخية بل تتفق معها». من جهته، قال المخرج إسماعيل عبدالحافظ: إن «المؤلف عندما يكتب عملا تاريخيا فإنه يكون لغرض فنى درامى وليس مجرد كتاب أصم، وبناء على ذلك فإن الكاتب من حقه أن تكون له مساحة من حرية الإبداع، كما أن من حقه أن يبتدع أشخاصا وهميين لإذكاء العمل وتدعيم وجهة نظره». واتفق معهم الكاتب مجدى صابر، حيث أكد أن الأعمال التاريخية درامية وليست أفلاما تسجيلية وبالتالى فإن المؤلف له كل الحق فى أن يطرح وجهة نظره. وفى المقابل، يقول الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة إن «كل المسلسلات والأفلام تخالف الحقائق التاريخية، والمشكلة الأساسية تكمن فى هامش الحرية المتاح للمؤلف، وسأضرب مثالا فمسلسل «ملكة فى المنفى» لا أجد له وصفا سوى أنه «تهريج» ويجب أن نطلق عليه «الملكة نادية الجندى» وليس «الملكة نازلى». وأضاف: فى هذا العمل أرادت كاتبة السيناريو استغلال نجاح مسلسل «الملك فاروق» لصالحها وبالتالى كان مجرد استنساخ للآخر، ونادية الجندى تعيد ما قدمته من قبل فى فيلم «امرأة هزت عرش مصر» الذى لا أجده سوى تغيير صارخ فى التاريخ وبسببه أصدر سعد الدين وهبة قرارا بضرورة احترام التاريخ. وأضاف: نفس الأمر ينطبق على مسلسل «كليوباترا» الذى يظهر تلك الملكة التى تقع فى غرام لص وتجرى وراء الناس فى الشارع.. أما عن «شيخ العرب همام» فلا أصفه بأنه تاريخى بقدر ما اعتبره رؤية صعيدية مستوحاة من التاريخ، وعلى الجهة الأخرى أجد أن «سقوط الخلافة» أفضل تلك الأعمال على الإطلاق. وأوضح عفيفى أن «الأزمة الحقيقية التى تواجه تلك الأعمال تتمثل فى أن كاتبى السيناريوهات لا يستعينون بالمؤرخين، وذلك هو الفخ الذى وقع فيه الكاتب وحيد حامد فكان لابد ألا يكتفى بالمراجع فقط وأن يستعين إلى جانبها بالمؤرخين، ولذلك ظهر مسلسل الجماعة للنور ولا أجده سوى أنه موجه لشريحة المثقفين فقط وليس لكل الناس». أما الناقد أحمد يوسف فقال إن «المؤلف له حرية بدون حدود عند كتابة عمله لأن العمل الفنى ليس كتاب تاريخ، ولكن الأهم من الحرية هو مساحتها، فالمؤرخون أنفسهم يختلفون خاصة لو كان الأمر يتعلق بفترة تاريخية سحيقة، فمثلا شخصية كليوباترا سبق تقديمها فى أكثر من فيلم وكل منها يقدم وجهة نظر مختلفة تماما عما قبله. وأضاف «نحن للأسف نقع فى خطأ كبير عند تناول الشخصيات لأن أغلب التركيز يكون على الشخصية فقط وباقى الأبطال مجرد كومبارس، ففى «ملكة فى المنفى» ظهر بيرم التونسى «كومبارس» ونصابا، والسبب فى ذلك أن صناع العمل أرادوا «بروز » الملكة نازلى أو نادية الجندى، ولذلك فلابد عند تناول أى شخصية تاريخية أن يتم تناولها فى سياق لأنها لم تصنع نفسها وفى ذات الوقت لم تصنع التاريخ، وفى هذه النقطة تحديدا أحيى الكاتب يسرى الجندى الذى خلق تفاعلا بين السلطان عبدالحميد الثانى وبين كل الشخصيات فى «سقوط الخلافة».