المتأمل لصورة برامج رمضان التليفزيونية يجد أنها تستحق الشفقة، فقد دخل معظم مقدميها فى حالة من الهلع من أجل سباق محموم لكشف عورات وانتزاع اعترافات مملة ومكررة وفتح مجال خصب للخصومات وتصفية الحسابات وانتهاك أعراض ونفوس ومشاريع وأفكار.. جردت البرامج ضيوفها من حكمة العقل ومن روح المشاعر والأحاسيس، ألبستهم ثوب المغامرين وألحقتهم فى حلبة ينفسون فيها عن أمراضهم النفسية. واقع الأمر أن مقدمى هذه البرامج ومعديها كشفوا هم أيضا وبشكل واضح عن داء العصر الذى أصاب معظم من يلهث للشاشة الصغيرة عسى أن يجد بها منبرا لإثبات ذاته وتحقيق نصيب من الشهرة التى أصبح مناخ الحياة فى مصر يهبها لكل من هب ودب. والسؤال الآن: ما الذى استطاعت هذه البرامج الزاعقة والنافقة والمنافقة و«الزيسية» البزنسة بمصطلح أهل الإعلام التى ملأت شاشات تليفزيون رمضان أن تضيفه للمشاهد، ولصورة الإعلام التليفزيونى المصرى التى أصبحت بحق مثار شفقة وتهكم؟! وبشىء من التأنى وتقريب العدسة لفحوى هذه البرامج التى يتبارى على تقديم معظمها كتاب وصحفيون وفنانون بالإضافة إلى المذيعين سنجد أنها عبارة عن صوت واحد لا يميزه شىء سوى النبح والردح والاستفزاز بأسلوب جديد ألا وهو الصراحة، ولكنها صراحة فجة، بل تعد عارا إعلاميا لأنها مكررة مسموعة ومقروءة من قبل. الشىء الآخر المحزن هو ضيوف هذه البرامج الذين بدوا وكأنهم فى سوق نخاسة من يدفع أكثر يحصل على عقولهم.. دموعهم بسعر، هجومهم بسعر، جرأتهم بسعر، دفاعهم بسعر، توبتهم بسعر، وإذا ازدادت أرقام الدولارات تطوعوا بذهاب عقولهم ودخول البلاتوه بدونها.. الكل صريح.. الكل واقعى.. الكل على حق.. الكل جاهز بردود.. الكل ينبش فى الأعراض.. الكل يسخر من الآخرين.. وكلما تجاوزت اعترافات وتصريحات الضيوف حدود اللياقة والأدب تحت بند الصراحة، علت ملامح الابتسامة والرضا على وجه مقدم الحلقة الإعلامى الناضج، متصورا أنه قدم برنامجا أكثر سخونة ستتحدث عنه الملايين فى اليوم التالى وتكتب عنه الصحف ومواقع الإنترنت. يا سادة إن ما حدث على شاشة رمضان البرامجية فاق أى حد من حدود الطاعة لرسالة الإعلام الناضج والواعى والسامى، ويبدو أن أصحاب القنوات والمحطات التليفزيونية الخاصة التى تدخل فى سباق محموم لجذب المشاهد وبالتالى نسبة أكبر من الإعلان قد خططت لهذه الهجمة العشوائية والهمجية لبرامج الاستخفاف والاستظراف ومحاولة خلق معارك وقضايا تؤكد مسيرة انجرافنا للخلف وهبوط رموزنا الفنية والثقافية والسياسية إلى مستنقع فكرى بمواصفات تليفزيونية خاصة تجعلنا مثارا للسخرية. وإذا كانت القنوات الخاصة - التى كنا نأمل فيها خيرا بوضع صورة الإعلام التليفزيونى المصرى المعاصر على عتبة أخرى أكثر تحررا وتطورا للحاق بموكب البلاتوه التليفزيونى العالمى، وخاب أملنا فيها سعت وراء تشويش المناخ العام لفكر المتلقى وتمويع أحلامه والتلاعب بقدرته على الاستيعاب ووضعه فى متاهة بلا أى ملامح أو حدود، وإذا كانت القنوات الخاصة خلقت عالمها هذا فلماذا ينساق وراءها تليفزيون الدولة الحكومى؟، لماذا سمح مسئولوه لأن يجرجر آخرون عقولهم ويتلاعبوا حتى بخيالهم وكأنهم لا يبصرون؟ لماذا فتح تليفزيون الدولة المجال للمشاركة فى إنتاج وتقديم هذه النوعيات من برامج تصفية الحسابات أو إخواء العقل والهيافة والسذاجة، والتى صاحبها ضجة كبيرة وكأنها تنبئ بثورة برامجية على شاشات التليفزيون المصرى؟. الحقيقة أن هذه النوعية ومن يقف وراء رسوخها فى الإعلام التليفزيونى المصرى الخاص والحكومى، تحتاج لوقفة.. تحتاج لمن يحجر عليها قبل أن تحجر هى على المنطق والعقل والعلم والمعرفة والمشاعر والأموال.. تحتاج لمن يطفئ مشعلها قبل أن يشتعل فى وجوهنا فيفقدنا القدرة على البصيرة. فشرف المهنة ضرب ضرب. حيثيات الحجر: الجريئة والمشاغبون، فبريكانو، مصرى أصيل، 100 مسا، بين جيلين، التجربة، حوار صريح، بين قوسين، حلها، دوام الحال، حوار صريح جدا، حيلهم بينهم، حمرا، السؤال الأصعب، أسمع كلامك، بدون رقابة، بلسان معارضيك.