ظلت الكتاتيب على مدى تاريخها، حضّانات لتفريخ أساطين التلاوة، وواكب اندثارها تراجع فى مستويات حملة القرآن الكريم ممن حباهم الله بحناجر من ذهب، إلا أن ذلك الطفل كان سعيد الحظ للحاقه بالمرحلة الأخيرة من عمر الكتاتيب، حين حمله والده وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره، ووضعه بين يدى معلمه الأول الشيخ عامر عثمان الأقرع رحمه الله. شيخ الكتاب فى قرية طحوريا فى مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية، حيث ولد الشيخ محمد محمد السيد حسانين جبريل، لم يكن جبريل حينها تجاوز الخامسة من عمره، إلا أن والده القارئ الشهير فى بلدتهم قرر أن يسير الطفل على درب كل أفراد أسرته ويلتحق بالكتاب لحفظ القرآن. «الفضل الأول بعد الله سبحانه وتعالى للكتاب ولشيخى الذى كنت آخذ من فمه مباشرة الأداء والأحكام السليمة» هكذا يقول جبريل، الذى يعد وبحق «آخر عنقود عائلة القراء الكبار فى مصر». بدايات «إمام التراويح» كانت فى سن مبكرة جدا فحين أتم الصغير عامه التاسع، أتم معه حفظ القرآن الكريم، وبدأت مشاركاته فى مسابقات حفظ القرآن، اعتاد الفوز بمراكزها الأولى، حتى أنه فاز بالمركز الأول على مستوى الجمهورية عام 1973 وهو فى العاشرة من عمره، وفى عام 1974 حصل على جائزة حفظ القرآن كاملا وتجويده. ويقول جبريل عن ذلك: «فى سن التاسعة اشتركت فى مسابقات كثيرة فى حفظ القرآن وكنت أفوز دائما بالمركز الأول على مستوى الجمهورية وظل هذا التفوق حتى تخرجت فى كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الشريف عام 1988 وبعد ذلك ذاع صيتى بين القراء وأصبحت ألبى جميع الدعوات فى المؤتمرات الكبرى والمناسبات المختلفة فى أنحاء مصر، ولن أنسى أول يوم أقرأ فيه القرآن أمام جمع من الناس يزيد على خمسة آلاف نفس بمناسبة افتتاح أحد المساجد الكبرى بمدينة بنها، فرأيت جمهورا لم أره قبل ذلك اليوم فوضعت يدى على عينى حتى لا أراهم وأنا اقرأ حتى لا تتملكنى الرهبة ووفقت بفضل الله». ويتجاوز محمد جبريل المسابقات المحلية إلى آفاق أرحب، حين مثل مصر فى المسابقة العالمية للقرآن الكريم فى ماليزيا عام 1981، ويتلو ما تيسر فى استاد العاصمة ليصدح ويملأ صوته الأرجاء ويحقق المركز الأول، حتى أن المحكمين فى المسابقة، يطلبون منه أن يكمل التلاوة لشدة ما ناله من استحسانهم واستحسان مئات الآلاف من الموجودين فى الاستاد وحوله، ويكرر التجربة فى السعودية عام 1986. ويسافر جبريل إلى الأردن ليكون القارئ الخاص للملك حسين، وقبل أن يحيى احتفالات فى القاهرة، تسبقه آلاف النسخ من أشرطة الكاسيت التى سجلها فى الأردن، ويعود إلى مصر، ويلبى كل الدعوات التى توجه إليه للتلاوة والإمامة فى المساجد حتى يستقر به المقام فى مسجد عمرو بن العاص، والذى ظل يزدحم بالمصلين خلف جبريل فى ليلة القدر عاما بعد عام حتى تجاوز العدد مساء الأحد الماضى ليلة القدر نصف مليون، ليصبح محمد جبريل معلما من معالم رمضان بصوته المتفرد ودعائه الذى يمس القلب.