القمح سلعة مسيسة مثلها مثل السلاح. لو أعلنت عن رصيدى الحقيقى على سبيل التحديد كأننى أعلن لإسرائيل والدول الأخرى والموردين فى العالم عن حقيقة الوضع داخل البلاد. ويجب أن نأخذ فى اعتبارنا نوعية الممارسات التجارية فى العالم من قبيل الممارسات الاحتكارية، وسياسة فرض الإرادات، أو قرارات الحظر الاقتصادى. هكذا اختار نائب رئيس هيئة السلع التموينية أن يخفى الرقم الحقيقى لرصيدنا من القمح المدعم معتبره من قبيل الأمن القومى الذى يتعين علينا اخفاءه. ولكنه يكتفى بالإعلان عن أن المخزون الفعلى يتجاوز احتياجات 4 أشهر. ويقول يجب أن نعرف أننا نتعامل مع شركات متعددة الجنسيات قوية جدا وهى تدير تجارة القمح فيما بعد المناشىء. فهى تشترى من مناشىء مختلفة. فمثلا شركة كارجيل الأمريكية كانت تصدرلنا القمح الروسى وكان لها ثلاثة مراكب فى الحظر. وشركة لويس دريفوس هى الأخرى تصدرلنا قمحا روسيا وكانت لها شحنات من التى تم حظرها. كل ما استطيع أن أقوله «اطمئنوا» لدينا رصيد يضمن الاستهلاك الخاص بالخبز المدعم والذى يبلغ 750 ألف طن فى الشهر لإنتاج 3 أرغفة من الخبز المدعم لكل المصريين الذين يعيشون على أرض مصر من رئيس الجمهورية إلى أفقر فقير على حد قوله. ويؤكد النعمانى، أن الخبز المدعم يشمل جميع المصريين دون تخصيص، فهو متاح للمليونيرمثله مثل الرجل الفقير. يعنى لو مليونير وقف فى كشك العيش، وطلب يشترى العيش «أبوشلن» حد حيطلب بطاقته الشخصية؟ يتساءل النعمانى ويرد على سؤاله بأن القمح المدعم مستحق لكل من يعيش على أرض مصر. وبجانب الرغيف الشعبى هذا هناك شريحة حرة من القمح الذى يوجه لإنتاج الجاتوة والفينو والمخبوزات أى السلع غير الأساسية. بمعنى أننا عندما نعلن أن لدينا رصيدا يكفى لمدة 4 أشهر للقمح المدعم يعنى أننا نوفر خبزا يكفى لكل الناس. وليس لمحدودى الدخل فقط. أى نوفر 750 ألف طن شهريا بمعنى أن وجود مخزون 4 أشهر من الخبز المدعم يتعدى 3 ملايين طن وهو ما يكفى تغطية احتياجات كل المصريين. وذلك اعتمادا على أن معدل الاستهلاك السنوى للمصريين من الدقيق المدعم يصل إلى 180 كيلو جرام دقيقا مدعما للفرد، بينما المعدل الطبيعى فى العالم 80 كيلو فى السنة. ، بينما القطاع الخاص يستورد من 2 إلى 3 ملايين طن، وهو الذى يوجه إلى إنتاج المخبوزات، والعيش الفينو، والجاتوة، والمكرونة. إلى جانب أننا نحصل على كميات من القمح المحلى تتراوح مابين 2 إلى 3 ملايين طن، وهذا يدخل فى شريحة الدعم. ولكن هناك 5 ملايين من القمح المحلى يتم استهلاكها من جانب المزارعين للاستخدام المنزلى. أى أن إجمالى مايتم استهلاكه نحو 16 مليون طن من القمح فى العام. وهناك من يأكل «التوست» ولكن 3 أرغفة فى اليوم للفرد قد تكفى لبعض الشرائح الاجتماعية التى تعتمد فى غذائها على اللحوم والخضر والفاكهة، أما الشرائح الأخرى التى يعتبر العيش هو غذاؤها الرئيسى لاتسد هذه الأرغفة رمقها على الإطلاق؟ سألته. لا يستطيع أحد أن ينكر أن الشرائح المتواضعة اجتماعيا تعتمد بالطبع فى غذائها على الخبز أكثر من غيرها، ولكن الحقيقة أن الاحتياج النشوى للجسم فى اليوم لا يزيد عن ذلك. خاصة وأننا لدينا مستهلكون فى الصعيد يستخدمون الخبز بديلا لأدوات المائدة لتناول الفول والملوخية. بل ويضع البعض الكشرى فى الرغيف وهذه عادة المستهلك المصرى التى تزيد من معدل استخدام هذه الشرائح للخبز. ولكن كلما ارتفع المستوى الاجتماعى كلما اختلف النمط الغذائى، وزادت الثقافة الغذائية التى تعتمد على تنويع الغذاء من لحوم ومكونات أخرى، وبالتالى يقل الاعتماد على المحتوى النشوى مثل الخبز. والحقيقة أنه لو تم الالتزام بوزن الرغيف طبقا للمقرر التموينى فإنه يكفى الفرد ثلاثة أرغفة فى اليوم. «كفى ابن آدم لقيمات يقمن من صلبه». ويمكن عن طريق البرامج الإعلامية أن ننشر ثقافة أن الإكثار من المواد النشوية قد يؤدى إلى التخمة. وربما هذا يدفع إلى الإقلال من تناول العيش. ويجب أن نأخذ فى الاعتبار أن هناك البعض الذى لايأخذ نصيبه المستحق فى هذه النوعية فيتركه لغيره. فهناك شخص يأكل رغيفا واحدا ويترك نصيبه من الرغيف المدعم لمن يأكل 6 أرغفة. وهناك من يأكل العيش «التوست»، وهذه شريحة كبيرة ومنها الموظفون. كما أن هناك ناسا لاتأكل إلا أرزا أو مكرونة، ولاتأكل الخبز المدعم مع أن الواحد منهم له ثلاثة ارغفة مستحقة ولايأخذها. كما أن هناك شريحة من الشباب الذى أصبح يميل إلى أن يأكل البطاطس، والفينو فى الوجبات الجاهزة هؤلاء لايأكلون الخبز المدعم. وعادة فى المحافظات الشمالية يأكل الناس أرزا ولا يستهلكون خبزا كثيرا، بعكس الوجه القبلى والقاهرة يزيد استهلاك الخبز فيها. كما أن هناك أوقاتا يقل فيها استهلاك المواطنين للخبز. فمثلا فى رمضان استهلاك العيش يقل عن الأيام العادية لأن الأفران لاتعمل لتوفير ثلاث وجبات فى اليوم. فهى تعمل قبل موعد الإفطار فقط. وعموما وجود مخزون يزيد عن 4 أشهر من القمح يكفى شعبا آمنا. رغيفك فى الفرن ولكن إذا كانت الدولة ملتزمة بعدم رفع سعر رغيف العيش مهما ارتفع سعر القمح عالميا، فإن القطاع الخاص قد رفع أسعار الدقيق فى معظم المحافظات بنسبة وصلت إلى نحو 20%؟ هذه ليست مشكلة الدولة، لأنها توفر الرغيف المدعم لجميع المواطنين. فكل مواطن رغيفه فى الفرن، مثله مثل بطاقة الانتخاب. فعندما لا يذهب المواطن إلى مقار الانتخابات هل هذا ذنب الدولة، وهل يكون من حق هذا المواطن بعد ذلك الطعن فى نتيجة الانتخابات؟. فهذا المواطن صوته محتسب فى الصندوق، وهو الذى أهدر فرصته. نفس الشىء فى حالة الرغيف. فالدولة توفر لكل مواطن عيشا مدعما فإذا لم يذهب لشرائه ليس ذنب الدولة. والقول بأن هناك طوابير تمنع الكثيرين من أخذ نصيبهم من الرغيف المدعم فالطوابير مفتعلة من جانب أصحاب الأفران لكى يستطيع أن يهرب الدقيق المدعم إلى خارج المخبز. فكل مخبز يأخذ حصته من الدقيق طبقا للحى، ولعدد سكانه، ولاحتياجاتهم الاستهلاكية، وعدد الأفران الأخرى فى هذا الحى. ويجب على المواطن ألا يأخذ سوى احتياجاته فقط من المخبز دون أن يستخدم جانبا منها فى تربية المواشى. ويجب أن نعرف أن الدولة لاتستطيع أن تفعل كل شىء وحدها. فهناك دور للفلاح الذى أصبح يفضل زراعة الكنتالوب على القمح. وصاحب المخبز الذى يريد أن يتربح على حساب الناس. وقد وصلنا فى هيئة السلع التموينية إلى توفير 5 أشهر مخزونا من القمح أخذا فى الاعتبار تعاقدات روسيا، وكنا على وشك أن نحقق 6 أشهر مخزونا فى العام الحالى إذا تم تدبير التمويل اللازم. ولو استمرت الأسواق العالمية تتجه نحو التذبذب بحيث نتوقع حدوث أزمات فى سوق القمح فسوف ندبر 6 أشهر مخزونا حتى نكون مطمئنين. وكانت لدينا خطة بهذا الشأن قبل الأزمة. الحقيقة أن روسيا للأسف فاجأت العالم كله بقرار الحظر، وكان عليها أن تمهد للعالم فكان من الممكن قبل الحظر أن تضع رسوما على التصدير قبل الإعلان عن المنع فهذا يعطى إشارات لقرار وقف التصدير. وعلى الجانب الروسى أن ينفذ التعاقدات السابقة مع مصر قبل 15 أغسطس ويعيد جدولة الكميات. يمكنكم متابعة باقى الحوار فى النسخة الورقية أو فى ال pdf