تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الأربعاء 29 مايو    شعبة المخابز تكشف حقيقة تحريك سعر رغيف العيش    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    ارتفاع أسعار النفط الأربعاء 29 مايو 2024    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    أكاديميون بجامعة كاليفورنيا يضربون عن العمل دعمًا لاحتجاجات مؤيدة لفلسطين    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    من الأرض إلى السماء.. 4 دول تحشد جيوشها لحرب نووية وجنود غير بشرية تستعد للقتال    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    عاجل | حدث ليلا.. 4 دول تستعد لحرب نووية وخطر يهدد أمريكا وصدمة جنود الاحتلال    حبس ربة منزل أنهت حياة والدتها فى مصر القديمة    تواصل أعمال تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية بالبحر الأحمر والنتيجة قبل عيد الأضحى    «الرفاهية» تتسبب في حظر حسابات السوشيال بفرمان صيني (تفاصيل)    تحفة معمارية تزين القاهرة التاريخية.. تفاصيل افتتاح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الصحة: روسيا أرسلت وفدا للاطلاع على التجربة المصرية في القضاء على فيروس سي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    منها تيك توك وميتا وإكس، أمريكا تطالب شركات التكنولوجيا بالإبلاغ عن المحتوى المعادي للسامية    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    10 أطعمة تحمي العين وتقوي البصر.. تناولها فورا    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    إغلاق حساب سفاح التجمع على تيك توك.. ما القصة؟    شوفلك حاجة تانية، هل حرض شيكابالا مصطفى شوبير للرحيل عن الأهلي؟    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    شيكابالا يكشف عن نصيحته ل مصطفى شوبير بشأن الرحيل عن الأهلي    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    هل يمكن أن تدخل مصر في صراع مسلح مع إسرائيل بسبب حادث الحدود؟ مصطفى الفقي يجيب    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    المخرج محمد فاضل الحاصل على جائزة النيل: مصر ولادة وكان ولا يزال لدينا مؤلفون عظماء    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    تراجع سعر الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    «زي المحلات».. 5 نصائح لعمل برجر جوسي    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء السادس و الثلاثون
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 08 - 2010

من المأثورات الشائعة أن السياسة فعل عقل لا دخل للعاطفة فيه أو هكذا ينبغى أن يكون لكن ما هو صحيح ليس دائما ممكن لأنه فى بعض الأحيان يجىء عمل سياسى هى سياسة بالدرجة الأولى وهى إدارة مصالح وأمن شعب أو أمة من الأمم، وبالتالى ففى مصالح شعب وفى مصالح أمة العاطفة طبيعى ليست موجودة.بالفعل يقوم على هذه المصالح أناس لهم مشاعر لكن هنا ينبغى أن ينحوا مشاعرهم بالكامل، وما قلته قد يكون صحيحا ولكن ليس غالبا فى كل الظروف لأنه تجىء ظروف لبعض الناس المشتغلين بالعمل العام، يجدوا أنفسم فى مواقف تختلط فيها ضرورات السياسة بنوازع العاطفة حتى وإن لم يقصدوا.
وفى وقت تحريك حائط الصواريخ وقبول وقف إطلاق النار وهذا الموقف الملتبس فى ضروراته وفى أحواله وفى أحكامه بدا أن هناك خلافا فى العالم العربى بالتحديد بين السياسة المصرية وبين المقاومة الفلسطينية، وكان هناك اختلاف دواعٍ لأن المقاومة الفلسطينية حقيقة كانت موجودة فى ظرف له ملامح خاصة، لأن المقاومة الفلسطينية ظهرت فى وقت صدمة عربية، وفصائل المقاومة بدأت سنة 1965 بفتح لكنها لم تأخذ الزخم الذى أخذته ولا القوة التى أخذتها إلا بعد حرب 67، وفيها اشتدت الحاجة بالضرورات المصرية البحتة لظهور مقاومة فلسطينية تعبر عن نفسها داخل الأرض المحتلة سواء فى مواجهة قوى الاحتلال أو فى مواجهة العالم الخارجى.
وهنا أصبحت المقاومة ضرورية جدا وأظن أن هنا لم تكن فقط قوة المقاومة الفلسطينية كما نبعت وهى ظاهرة طبيعية جدا ونبيلة، لكن أيضا ظهورها فى هذه الظروف خلق بعضا من أسباب الالتباس التى تفاقمت فيما بعد لأنها جاءت وبدأت تقاوم ثم اعترفت بها مصر وأعطتها كل الوسائل التى وجدتها لازمة لها. واعتراف مصر ومساعدتها لها أتت لها بمزايا كثيرة جدا سواء فى التعاطف الشعبى أو المساعدات المالية أو العسكرية، وكانت هناك قوى كثيرة فى العالم العربى لا تستطيع المساعدة بسلاح أو قتال وليس لها جبهات،
وكان تعويضها الطبيعى جدا عن ذلك بالمال، ونتيجة هذا أن الثورة الفلسطينية التى ظهرت أو التى اعترفت بها مصر سنة 67 وعندما أقول اعتراف مصر بها سنة 67 لا أعطى فضلا لمصر، وأقصد هنا أن قيمة اعتراف مصر فى ذلك الوقت لأنها كانت الطرف العربى المقاوم الأكبر، وهى التى كانت تتصدى، ولضرورات أمنها هى ومصلحتها هى للصراع العربى الفلسطينى.
ومصر كانت الطرف القائد والفاعل فى الميدان وليس لأى دعوة لا تاريخية أو حجب لأى شىء برؤاه وبمصالحه وبقوته كلها، وهو الطرف الرئيسى فى هذا الصراع واعترافه بالمقاومة هنا كان له قيمة، التصدى للصراع وقيمة المسئولية، وقيمة الدور عندما يمارس وليس الدور عندما يدعى به، لأى سبب من الأسباب. واعتراف مصر بهذا أحدث نقلة نوعية للمقاومة الفلسطينية،
وعلى سبيل المثال الذى كان موجودا فى سوريا أو التى نشأت فى الكويت والموجودة فى سوريا والتى تقوم بعمليات محدودة، دخلت وأصبحت قوة لديها وسائل للمقاومة سواء من السلاح أو من الأموال أو من الأفراد ثم استطاعت أن تجسد شيئا مهم جدا فى الصراع العربى أو التاريخ العربى وفى المقاومة العربية وفى كل الحركة العربية العامة للبحث عن مستقبل.
وأظن أنه حدثت التباسات فى شأن المقاومة الفلسطينية، أدت لمشاكل ظهرت فى تلك اللحظة التى أتحدث عنها، وأول هذه المشاكل أن ظهور المقاومة وقوتها فى ذلك الوقت أحدثا تصورا ووهما أن المقاومة بديل، ولم تكن كذلك لأنها قوة قادمة لكى ترتص وتقف بجوار قوة قومية موجودة فى الساحة، وهذه القوة الموجودة فى الساحة وقد تلقت صدمة سنة 67، بشكل ما وقع فى روع بعض أطراف المقاومة وبأوهام داخلية أنها بديل وهى لم تكن بديلا لأن القضية الفلسطينية ببساطة قضية قومية عربية شاملة وإذا أصبحت قضية شعب فلسطين وحده فقد انحصرت واختلت موازين القوة فيها تماما.
وبشكل أو بآخر فى أثناء بحث الناس فى أعماقهم عن قوة معنوية قد يخطئون فى الحسابات أحيانا، وأنا أتصور فى ذلك الوقت بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، وأتحدث هنا، حتى فتح خطر ببالها أنها قد تكون بديلا وتصورت بالوسائل الموجودة عندها وبالتأييد الجماهيرى الموجود عندها وجزء كبير جدا منه كان موجودا هنا فى مصر فى واقع الأمر، وكان يقدم لها أشياء كثيرة، وأهمها الإذاعات التى كانت موجودة لخدمة القضايا الفلسطينية وبعضها موجود تحت تصرف، فتح بالتحديد
.
ولكن على أى حال بدا أن هناك أوهاما أن المقاومة أكبر من أى شىء آخر، والشىء الآخر أنه بدت بعض الخلافات العربية خصوصا بعض الدول العربية المحيطة بالساحة الفلسطينية تؤثر على المقاومة وعلى فكرها.
وفى ذلك الوقت وهذا طبيعى وأنا لا أظلم المقاومة كانت هناك تيارات إسلامية جائحة وهناك تيارات بعثية جائحة وتيارات قومية موجودة ولكن تفرقت بينها السبل، وهناك أناس على الجبهة كحركة المقاومين العرب وهى من أحسن الحركات فى فلسطين وأكثرها صلابة والتى تصورت أن الحل اختصار الطرق والتخلى عن الماركسية وتبنى الاقتراب للاتحاد السوفيتى لدرجة كاملة ويندمج معه لدرجة كاملة لأنها معركة بقاء،
ولا يجوز فيها حياد بين عدو وصديق وهذا كان كلام له أصداء لدينا.وهذه الانقسامات كلها بدت تدخل فى الساحة الفلسطينية بدا هناك تضارب وفى نفس الوقت، أيضا هناك نماذج موجودة فى المقاومة طرحت نفسها وأقرب النماذج الثورة الجزائرية أو الثورة الفيتنامية وبدت بعض فصائل المقاومة الفلسطينية تتصور أشكالا للصراع مستوحاة سواء من فيتنام أو من الجزائر ناسية اختلاف الظروف، وبدأ يتحدث الناس عن الحرب الشعبية والحرب المستمرة إلى آخره.
ولكن فى الحالة الفلسطينية، والكلام عن الحرب الشعبية، وفلسطين معظمها محتل والتكافؤ الإنسانى، ولكن السلاح غير متكافئ والجبهات المحيطة بإسرائيل كلها موجودة فى مناطق لا تصلح معها الحرب الشعبية، فمثلا دمشق على بعد ثلاثين كيلو من الجبهة، والأردن فى وضع فى منتهى الصعوبة، والضفة الغربية سقطت والضفة الشرقية تقاوم لكن هناك حاجز نهر وهناك نظام له رؤى أخرى مختلفة موجودة فى عمان أو فى الأردن، وحساباته مختلفة.
وفى صحراء سيناء، حينما نتحدث عن حرب شعبية فهو وهم ومن يتحدث بذلك فكأنه يعفى نفسه من الحرب كلها، وفى واقع الأمر لم يكن هذا الكلام مقتصرا على الجبهة المصرية وحدها ولكن كل الجبهات والكلام فى ذلك الوقت فى اعتقادى وفى السياسة المصرية أن الكلام عن حرب شعبية هو إعفاء للنفس من مسئولية المواجه لأن المواجهة مع إسرائيل فى هذه الظروف وفى هذه الأوقات بموازين القوى كما هى لا يمكن إلا أن تدخل فيها الجيوش كعنصر رئيسى، وأى كلام أنه يتحدث عن مقاومة شعبية ففى سيناء على سبيل المثال نظمت السياسة المصرية نوعا من المقاومة الشعبية، وأنشأت منظمة سيناء لكن منظمة سيناء كانت فى واقع الأمر قوات متطوعين وعدد سكان سيناء فى ذلك الوقت لم يزد على 120 ألفا وكانت هناك رغبة شديدة جدا فى عدم تعريضهم للاقتلاع من مواقعهم.
والغريب أننا لا ننظر إلا لما وراء التصرفات، يعنى نحن المفروض أن الأصدقاء فى نفس المواقع، والناس الذين يواجهون نفس القضايا والتحديات أن يذهبوا للحقائق وراء الظواهر وأن أهم ما أنجز ليس قبول وقف إطلاق النار ولا مبادرة روجرز لكنه كان تحريك حائط الصواريخ وهذا جعل ما سمى فى ذلك الوقت بمبادرة روجرز، وهى مبادرة سلام وخطوة نحو الحرب وخطوة أساسية وشديدة الأهمية وثبت فيما بعد أنها الشكل الوحيد أو الضرورى.
ووجدت فصائل المقاومة أن هذا لا يناسبها لأسباب كثيرة، وتجمعت عناصر الأوهام والانقسامات فى العالم العربى وعدم القدرة على تشخيص أنواع الحروب المطلوبة لهذا الوقت فى هذه اللحظة لهذا الميدان بالتحديد، وتجمعت حتى الخلافات الدولية، وتجمعت أشياء كثيرة فخلقت أوهاما، وأظن أن تصور أناس كثيرين فى الثورة الفلسطينية أنها أصبحت ليس فقط البديل ولكن البديل الأقوى،
وهم بالفعل لديهم شىء هائل وعندهم تضحية، والوجود والقتال موجودان لكن غيرهم يقاتل بطريقة أقوى وأكبر على الجبهة المصرية على سبيل المثال، وكان الوطن العربى كله يحاول الاستعداد، وهم موجودون فى ظروف منتهى الصعوبة لأنهم خارج الأرض يحاربون من خارج أرضهم ودول استضافتهم، فهم فيها ضيوف ولبنان فيما بعد وغيرها. وهذا يفرض نوعا من الحذر لكن توافر الموارد الهائلة التى أخذتها المقاومة
وهو يستحق وضرورى، فى ذلك الوقت أغرى المقاومة وهذا ما قاله ياسر عرفات لرئيس الوزراء السوفييتى كوسيجين وقال له إن المقاومة الفلسطينية تقول إنها أقوى طرف فى العالم العربى كله، وأن لها حزبا فى كل بلد عربى ويأتمر بأمرنا تقريبا بأكثر من ما يأتمر بأمر حكومته والجماهير أوسع، ونسوا أيضا أن هذه الجماهير والوصول لهم كان عن طريق جهات أخرى وقد واجهتهم بهذا.
ولكن الموجودين فى عمان بدت تساورهم أشياء أخرى، ففى ذلك الوقت قضت الظروف أن أكون مسئولا أو مكلفا، فكنت الرجل المسئول عن اتصال قيادة مصر بقيادة فتح، وفى ذلك الوقت كنت وزير الإعلام الذى لديه محطات الإذاعة الموضوعة لخدمة المقاومة الفلسطينية وأولها إذاعة فلسطين. والشىء الآخر أننى كنت موجودا وأنا المتصدى لعملية وقف إطلاق النار ولتغطية حركة حائط الصواريخ، وقد شعروا أن هناك شيئا يحدث على غير ما يرغبون وبدأوا يهاجمون بشدة.
وقد بدأوا فى أول الأمر على استحياء ينتقدون، وبدأت نغمة الانتقاد ترتفع وبعد ذلك بدأ التجاوز ثم الهجوم وعرّض من هاجمنى وقال: «الهيكلية الإلكترونية»، وزاد الهجوم بصراحة باستعمال وسائل مصرية فى هجوم على السياسة المصرية،
وقلنا لهم بكل وضوح إن لهم الحق تماما فى رفض مبادرة روجرز لكنها لا تعنيكم، وتعنى الدول المتضررة من عدوان 67، وهذا الموضوع لن ينجح لأنه لا يوجد ما يسمى بالحل السلمى ولا مفر من استخدام القوة ولا مفر من المعركة، وتحريك حائط الصواريخ فى حد ذاته شاهد على أشياء كثيرة ويعنى أشياء كثيرة. وبدأت تزداد نغمة الهجوم وعدم مراعاة لظروف الأردن فأنا أعرف طبيعة النظام فى الأردن والناس تعرف أشياء لكن هذا النظام له ضروراته وعلينا أن نحسب ماذا نريد، لأن المضى فى معارك دون أن يحسب أحد ما هو الهدف فى هذه اللحظة وكيف يمكن تحقيقه بأى الوسائل وأى تكلفة يمكن أن تقع الناس فى خطأ شديد جدا. وبدت المقاومة فى عمان ليس فقط دولة داخل دولة ولكنها دولة فى عمان
، وهى من هناك تريد أن تملى على السياسة المصرية ما تراه، وهناك مسألة نحن حريصون عليها أكثر من كل الأطراف لأننا نعلم أن هذه المعركة معركتنا وأنهم شركاء فى هذه المعركة وشركاء أصليون، لكن هناك خطأ فى هذا ولن نردهم عن الخطأ، أو نحاول بقدر ما يمكن أن نبصرهم بما يجرى لكن لسنا مستعدين أن ندخل فى صدام معهم، واستخدام وسائل مصرية لعرقلة سياسة مصرية.
وعندما أنظر لبعض الوثائق أجد أن حرب البيانات زادت فى عمان وإذاعة فلسطين من القاهرة، وأجد إذاعة تصورت أنها معقولة وتقول إن مصر هى التى تقود وهى التى تقاتل وهى الواقفة فى الميدان وهى التى تتحمل العبء الأكبر وإذا رأت أن هناك ضرورات لوقف إطلاق النار فى هذه اللحظة ولمدة محددة ولأسباب تراها ينبغى مناقشتها وليس الهجوم عليها، ومناقشتها بالوسائل الودية وليس بالهجوم.
وأجد جريدة فتح، لسان حال الحركة، تكتب أنها تنشر النص الأصلى للحلى السلمى والنص الأصلى لمشروع روجرز، على الرغم من أنه لم يكن هو المطروح والموجود فى ذلك الوقت، وعندما طرح فى ديسمبر 1969 لم ترد مصر عليه، وقررنا ألا نتحدث فيه ورفضته إسرائيل وكان واضحا أننا نرفضه.
ولأسباب سياسية تركنا الموقف يتداعى من المحلى إلى الإقليمى إلى الدولى وقد تحقق ما أرادته السياسة المصرية، وأشياء كثيرة جدا دخلت من ظهور مشروع روجرز وحتى مبادرة روجرز من ديسمبر 69 وحتى أغسطس 70، تغيرت الموازين بشكل فادح على جبهات القتال ولم يعد مشروع روجرز موجودا. وكتب فى جريدة فتح أيضا، وثائق الحل الاستسلامى، وتخرج بيانات عربية تقول إنه لا يجوز أن يلغى وجود الشعب الفلسطينى وأن الشعب المصرى سيواصل كفاحه المسلح حتى التحرير الشامل ولن يلتزم بوقف إطلاق النار.
ونحن نقبل وقف إطلاق النار نريد المقاومة الفلسطينية أن تعمل بكل ما لديها من وسائل داخل فلسطين وضد أهداف إسرائيلية تقلق الإسرائيليين ولا تترك لهم مجالا لراحة. ودخول حائط الصواريخ فى واقع الأمر ألغى حتى مبادرة روجرز، وأعلنت جولدا مائير فى ذلك الوقت تقبل هذه المطالبة أى أن المبادرة نفسها لم تعد موجودة. وبالتالى فالكلام فى هذا الوقت عن مشروع أو مبادرة روجرز والكلام حول حلول استسلامية كان خارج الحساب، وأعتقد أنه شديد الضرر لهم بالدرجة الأولى، ونجد حتى فى إذاعة القاهرة هم يذيعون وفى التحريض والأوهام اشتدت المسائل.
كلمنى الرئيس عبدالناصر وقال لى إن برنامجا ضمن الإذاعة المصرية وضمن الموجات العاملة يهاجم بشدة وحدثنى الفريق فوزى أيضا، وطلبت وقتها الأستاذ هائل عبدالحميد وكان معروفا باسمه الحركى أبوالهول وكان مندوب المنظمة المقيم للتنسيق مع مصر وكان أكثر تنسيقه معى، فأعطيته عينه من البرامج وقلت له إنه لا تستطيع دولة قبول ذلك، فأنتم بالفعل تعرضون علاقتكم بالأردن للخطر وأنا أعرف ما الموجود بالأردن وأنتم هنا المسائل تزيد على حدها هناك، ولدينا هنا الكلام ليس معقولا والصورة واضحة أمامنا، فقال لى إنكم عندكم حق وأنه سيرسل لفاروق قدومى أن يأتى لأن القيادة الفلسطينية فى ذلك الوقت قسمت الاختصاصات بين أعضائها وأصبح ياسر عرفات المسئول والمتحدث باسم الثورة وأخذ عنده السلاح والإعلام والمال، وبعده أبوجهاد مسئول عن العمليات وبعده أبوإياد مسئول عن الرصد وهو صلاح خلف، وأبوالسعيد وهو خالد الحسن والمسئول عن الاتصالات الدولية، وأبواللطف وهو فاروق قدومى الذى أصبح مسئولا عن الإعلام.
فقال لى هائل عبدالحميد إن أبواللطف سيتحدث معى وسيحل الموضوع، لأن هذا الموضوع يصعب قبوله لأنه لم يصبح يتعلق بما يرفضونه أو يهاجمون ما يشاءون لأنه لا يمكن لأى طرف أن يستعمل وسائل طرف آخر للهجوم على سياسته، وهنا مسألة دقيقة جدا وحساسة، فجاء لى أبواللطف وقلت له بكل أمانة إنه بما تفعلونه تضعوننا فى مشكلة كبيرة جدا، وإن الدولة هنا لها سياسة وهذه السياسة ينبغى أن تدركوا فى هذا الصراع إن لم تكن قبلكم فهى معكم فيه، لأنه فى الرؤيا المصرية فى ذلك الوقت أن إسرائيل فى ذلك الوقت ليست موضوع فلسطين وأن إسرائيل خطر يهدد الأمن القومى والعربى وأنها فى هذا الموقع بالذات شديد الأهمية بالنسبة لنا وهذا ملتقى العالم العربى شرقه وغربه وملتقى البحرين الأبيض والأحمر وهذا صلة الوصل بيننا وبين المشرق كله وقد تكون صلة الوصل هى صلت الفصل،
ونحن فى هذا الصراع ليس مصر الثورة ومصر طول التاريخ اعتبرت أن هذا معبر مهم جدا، وأن فلسطين هى جسر وعتبة الباب المصرى، وأن هذا الكلام من أول رمسيس الثانى والعصور الإسلامية ومحمد على، إسرائيل باستمرار اعتبرت قضية بالنسبة لمصر فى منتهى الأهمية، وحتى النظام المصرى أول من بدأ والنظام الثورى جرب وفهم وهذه معركتنا والشعب المصرى فهم هذا كله.
فرد أبواللطف أنه يتفهم ووعد بإنهاء هذا الموضوع وأن هذه اللهجة ستتغير ولا يعقل أن تعطونا إذاعات ونحن نستخدمها فى الهجوم عليكم. وتصورت أن هذا بالفعل سيحدث. وبعد ذلك وجدت أمين هويدى مدير المخابرات أرسل لى برقية ملتقطة من قيادة فتح، والمرسل منه بشفرة مرسل من قيادة فتح للإخوة فى الإذاعة تطلب أن يقولوا كل شىء بلا تحفظ، نوحن ضد الحل السياسى ومحاولات الانحراف وكل التبريرات،
وجريدة فتح تحمل الخط اليومى ووقف القتال مع العدو الصهيونى يعنى بدء القتال للمقاومة منفردة. ولما أرسلها لى أمين هويدى كان أبواللطف موجودا وهو عضو ونظر إليها وقلت له إن كل شىء فى هذه البرقية استفزازى وقولوا كل شىء بتحفظ ولكن عندك، وبعد ذلك ماذا يعنى أنكم ضد الحل السياسى، فالعمل العسكرى فى حد ذاته عمل سياسى، والقوى هى استخدام سلاح لتحقيق هدف سياسى، والتصور أن السلاح خارج السياسة أعتقد أن هذا الكلام به على الأقل خطأ وخطأ فادح.
وقلت له إنى لا أقدم تبريرات وجريدة فتح تحمل الخط اليومى والخط اليومى وأبوعمار يقول إن البندقية هى الحل الوحيد، وأنا لم أمنعك من هذا، وأنا أستعد لحرب بأكبر مما تتصور وأستعد لها بكل وسائل العصر، والنقطة المركزية هنا حينما ذكروا أن وقف القتال مع العدو الصهيونى يعنى بدء القتال للمقاومة الفلسطينية منفردة. وهنا لدينا مشكلة وأنا أحد المعاونين بالتكليف لا يمكن قبول فكرة رهن كل شىء إلى أن يتحقق كل شىء، وإذا كان المنطق العربى الذى يقول فيه فراس الحمدانى ونحن أناس لا توسط بينهم.. لدى القبر أو دون العالمين لدى الصدر
، كلام لا يصح فهنا مصائر أمم ومعركة وحتى المعركة تقتضى التقسيم على مرحلتين، فقلت لأبواللطف إن هذا الكلام لا أستطيع قبوله وأنا بإذنك سوف أغلق إذاعة فلسطين والمحطات والإذاعات كلها، ولم يصدق هذا، وأنا لم أعرف وقد رأيت أبواللطف وأرسل لى أمين هويدى البرقية وأنا أرى أن الحفاظ على سلامة المعركة وليست السيادة المصرية والسياسة المصرية لكن هنا أيضا ضرورات المعركة حتمت علىّ أن أغلق الإذاعات وأنا قدمت له فتح والدنيا كلها متربصة
، فقال لى انتظر حتى يأتى ياسر عرفات قلت له لما يأتى ياسر عرفات يبقى نتحدث، والشىء المهم أن حسن صبرى الخولى قل وقابل ياسر عرفات ومعه رسالة وترجيته وقلت لحسن صبرى الخولى قول لياسر عرفات إنه يضعنى شخصيا فى موقف صعب لأنه سيضطرنى أن آخذ موقفا صعبا وأنا عندى حالة تمزق عاطفى بين ضرورات وبين أوضاع لا أستطيع قبولها، وكنت رأيت تقرير الخولى عند لقائه مع عرفات وكنت قد رأيت هذا التقرير قبل رؤية أبواللطف بربع ساعة، هذا التقرير، وقال له إنه سيحاول الحضور لكن صعبا أن يخرج الآن وأنه يفهم موقفنا وأنه تحت ضغوط من جبهات عديدة والدول والعراق وسوريا
، وسأحاول قدر ما أستطيع، ومعى تقرير أمين هويدى، وقلت إن هذا الكلام بالنسبة لى استحالة مادية وأننى سأغلق هذه المحطة وكتبت بيانا وقلت له إننى لا أريد أن أسىء لك أو للمقاومة وحاولت بقدر ما أستطيع أن أكون مهذبا فى هذا البيان وكتبته بخطى وقرأته له وقلت له إننى سأعطى هذا للإذاعة وقلت له إننى أريد أن أتأكد منك أنه ليس فى هذا البيان إساءة لكم وأنتم وضعتمونى فى موقف فى منتهى الصعوبة.
واطلع على البيان «اتخذت السلطات المختصة بالجمهورية قرارا يقضى بوقف إرسال الإذاعات التى توجهها الإذاعات الفلسطينية وقد تقرر ذلك بعد الموقف التى اتخذته المنظمات الفلسطينية إيذاء قبول مصر لما يسمى بالمبادرة الأمريكية وأن الجمهورية العربية المتحدة شرحت وجهة نظرها لهذا الأمر بكل الوسائل وعلى جميع المستويات والرأى العام ومن هذه الوسائل إيضاحات وضمانات مباشرة قدمت للمنظمات المصرية المسئولة،
وموقف العربية المتحدة واضح وتمسكها به يشهد عليها تاريخها وتضحيتها ونحن نقدر العلاقات وأن هناك علاقات ملتبسة بين المنظمات وكنا نضع هذه الموجات تحت تصرف الثورة لكن ليس تحت تصرف اتجاهات معينة لها مقاصدها ولها أهدافها لأن فى هدف المقاومة وفى قتال إسرائيل نحن نضع كل الوسائل أما فى تصورات سواء فى خلافات بينها تؤدى لمواقف تعاكس سياستنا وتقال على وسائلنا فهذا وضع لا يمكن قبوله.
وبعد أن قرأ أبواللطف البيان فى مكتبى لم يكن يصدق وسألنى هل سينفذ فقلت له طبعا وطلبت من مدير الإذاعات وحدثت ضجة كبيرة جدا، وكما قلت قبل ذلك بالفعل أن العاطفة لا مجال لها خصوصا فى مصالح وأمن شعب ولكن ما هو صحيح قد لا يكون صالحا فى كل الظروف، وفى هذه الظروف كنت موجودا فى هذا وعادة يقبل التناقض بين العقل والعاطفة ويواجه هذا التناقض بين الأمن والمصالح للشعوب وبين الدواعى التى قد يراها إقليم ويفهم نبل مقاصدها لكن يضطر آسفا أن يتخذ إجراءات لابد أن يتخذها، وهنا يتخذ هذه الإجراءات ومشاعره الشخصية سوف تدفع ضرائب هذا التصرف، وأنا فى هذه الليلة التى أغلقت فيها هذه الإذاعات جلست فى مكتبى، ومهما كانت ضرورات الأمن فكان هناك جزء مني يشعر بحزن شديد جدا
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون
حوارات هيكل الجزء التاسع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثلاثون
حوارات هيكل الجزء الواحد والثلاثون
حوارات هيكل الجزء الثانى والتلاثون
حوارات هيكل الجزء الثالث والثلاثون
حوارات هيكل الجزء الرابع و الثلاثون
حوارات هيكل الجزء الخامس و الثلاثون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.