الفريق أسامة عسكر يتفقد إحدى الوحدات الفنية التابعة لإدارة المدرعات    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    جامعة النيل تنظم لقاء مفتوح لطلاب الثانوية العامة وأسرهم    محافظ الفيوم يوجه بسرعة إعداد توصيف شامل مدقق لقرية تونس    رسميا هبوط في سعر الدولار الأمريكي في منتصف تعاملات اليوم    البعثة الرسمية للحج السياحي: لا أمراض معدية بين حجاج بيت الله الحرام    «المؤتمر»: كلمة الرئيس بمؤتمر الإغاثة بغزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    الكرملين: روسيا على أهبة الاستعداد القتالي في ظل الاستفزازات الغربية    الكرملين: هجمات منشآت الطاقة في أوكرانيا تستهدف عرقلة الإمدادات العسكرية    الأسماك النافقة تغطي سطح بحيرة في المكسيك بسبب الجفاف وموجة الحر    مدافع الزمالك يزين تشكيل فلسطين أمام أستراليا    رغبة مشتركة.. محمود علاء خارج الزمالك    فوضى تصريحات أنشيلوتي وبيان ريال مدريد.. هل يذهب الملكي ل مونديال الأندية دون مدربه؟    يورو 2024| رومانيا يسعى للذهاب بعيدًا في الظهور الرابع.. إنفوجراف    ندوة تثقيفية لمنتخب مصر للكرة الطائرة حول مخاطر المنشطات    محافظ بني سويف يحيل واقعة إصابة 25 طفلا بحساسية وطفح جلدي بمستشفى الواسطى للنيابة    مكالمة كهربا تنهي خلاف شقيقه ورضا البحراوي بالمعادي    كواليس استعدادات حفل عمرو دياب الأكبر في بيروت هذا الصيف    رئيس هيئة الدواء: حجم النواقص في السوق المصري يصل ل7%    نجم الزمالك السابق يفتح النار على حسام حسن.. «إنت جاي تعلمنا الأدب»    ما شروط القبول في المدارس الرياضية 2024-2025؟    وزيرة التضامن تؤكد على دور الفن التشكيلى فى دعم التنمية المستدامة    إصابة 12 في حادث إنقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي بالفيوم    "القلعة" تنهي المرحلة الأخيرة لشراء الدين بنسبة تغطية 808%    «قلبه في معدته».. رجال هذه الأبراج يعشقون الأكل    حكم كثرة التثاؤب أثناء الصلاة وقراءة القرآن.. أمين الفتوى يوضح    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    رئيس جامعة بني سويف يرأس عددا من الاجتماعات    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    للمرة الأولى بالحج..السعودية تدشّن مركز التحكم والمراقبة لمتابعة حركة مركبات بمكة المكرمة    «الضرائب»: نتواصل مع مجتمع الأعمال الخارجي لتحفيز بيئة الاستثمار محليًا    صحة بني سويف: إحالة واقعة إصابة 29 طفلا ب "طفح جلدي" للنيابة    مع ارتفاع درجة الحرارة.. طبيب يقدم نصائح مهمة لحجاج بيت الله    قبل العيد.. 6 فوائد ذهبية لتناول لحم الضأن ونصائح مهمة للتخزين والطهي    «الصحة» إدراج 45 مستشفى ضمن البرنامج القومي لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات    القباج تؤكد دور الفن التشكيلي في دعم التنمية المستدامة وتمكين المرأة    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    ما هو يوم الحج الأكبر ولماذا سمي بهذا الاسم؟.. الإفتاء تُجيب    من 15 إلى 20 يونيو إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    الداخلية تواصل جهود مكافحة جرائم الاتجار فى المواد المخدرة والأسلحة ب3 محافظات    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    سيد معوض: حسام حسن يجب أن يركز على الأداء في كأس العالم والتأهل ليس إنجازًا    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يُعتبر الظلم من مبطلات الصيام؟
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 08 - 2010

منذ سنوات كنت أركب المترو يوميا من السيدة زينب، أمام المحطة كان هناك بائعون افترشوا الأرض ليعرضوا بضاعتهم المتنوعة. بينهم كان رجل هادئ ومهذب جاوز الستين يرتدى دائما جلبابا وجاكيت قديما ويفرش بضاعته أمامه على الأرض:
أقفال ومفكات ومفارش من البلاستيك وأكواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة. ذات صباح، فى رمضان، رأيت حملة من شرطة المرافق تنقضُّ على البائعين، معظم الباعة حملوا بضاعتهم وركضوا بأقصى سرعة فنجوا لكن البائع العجوز لم يتمكن من الهرب، صادر المخبرون بضاعته ولما راح يصيح ويستغيث انهال عليه الضابط بشتائم قبيحة مقذعة، ولما استمر فى الصياح ضربه المخبرون ضربا مبرحا وقبضوا عليه واصطحبوه معهم. العجيب أن المخبرين الذين ضربوه كانت وجوههم شاحبة من أثر الصيام.
فكرت فى أن هؤلاء الذين ظلموا البائع العجوز لا يتطرق إليهم الشك أبدا فى أن صيامهم صحيح من الناحية الشرعية.
وجدتنى أتساءل: كيف نصوم رمضان ونؤذى الناس..؟!. ألا يعتبر ظلم الناس من مبطلات الصيام..؟!.. عدت إلى كتب الفقه فوجدت مبطلات الصيام سبعة أشياء:
أولا الأكل والشرب، ثانيا ما كان مثل الأكل والشرب، ثالثا الجماع، رابعا الاستمناء، خامسا القىء عمدا، سادسا نزول الدم من الحجامة، سابعا نزول دم الحيض أو النفاس من المرأة.. مبطلات الصيام إذن كلها تخص الجسد. مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»..
بناء على هذا الحديث العظيم قال بعض الفقهاء إن هناك مبطلات معنوية للصيام مثل الكذب والظلم والنميمة، لكن جمهور الفقهاء حصروا مبطلات الصيام فى الأشياء الحسية أما السلوك المنحرف فهو فى رأيهم يضيع ثواب الصيام لكنه لا يبطله.. بالتالى فإن الصائم إذا تقيأ عمدا أفطر فى الحال أما إذا كذب ونافق وظلم الناس وأكل حقوقهم فإن ذلك لا يبطل صيامه.
بهذا المفهوم الغريب للصيام نجد أنفسنا وجها لوجه أمام القراءة المغلوطة للدين. لقد تحولت العبادات فى أحيان كثيرة إلى هدف فى حد ذاتها بدلا من أن تكون وسيلة للترقى وتطهير النفس.
صار للتدين خطوات ثابتة محددة كأننا بصدد إعلان شركة تجارية أو إصدار جواز سفر. تحول الإسلام عند كثيرين إلى مجموعة من الإجراءات على المسلم أن يستوفيها بحذافيرها بغير أن يؤثر ذلك بالضرورة على سلوكه فى الحياة. هذا الانفصال بين العقيدة والسلوك صاحب عصور الانحطاط فى العالم الإسلامى، بل هو فى الحقيقة السبب الأول فى الانحطاط.
اذا أردت أن تتأكد بنفسك يا عزيزى القارئ ما عليك الا أن تتوجه إلى أقرب قسم للشرطة ستجد المواطنين يُضربون ويُهانون والذين يفعلون بهم ذلك كلهم صائمون لايتطرق إليهم أدنى شك فى صحة صيامهم..
فى مصر عشرات الألوف من المعتقلين الإسلاميين الذين قضوا وراء القضبان سنوات طويلة بلا محاكمة بل إن كثيرين منهم حصلوا على أحكام عديدة بالإفراج ظلت حبرا على ورق ولم تنفذ أبدا. المسئولون عن تدمير حياة هؤلاء البؤساء وأسرهم، مسلمون نادرا ما تغيب عن وجوههم علامة الصلاة ولا يحسون أبدا بأن ما يفعلونه ينتقص من دينهم. الأعجب من ذلك ما يحدث فى المقار الأمنية والمعسكرات التى يتم فيها تعذيب المقبوض عليهم ببشاعة لانتزاع الاعترافات المطلوبة منهم..
فى هذه السلخانات البشرية التى تنتمى إلى ظلام العصور الوسطى، توجد دائما زاوية يؤدى فيها الجلادون الصلاة فى مواقيتها.. هل يوجد من هو أحرص على شعائر الدين من قادة الحزب الوطنى الذين نهبوا الشعب المصرى وزوروا إرادته وأفقروه وأذلوه...؟!
هذا الفهم الخاطئ للدين هو الذى حوَّل شهر رمضان من مناسبة إلهية لتقويم سلوك الإنسان إلى حفلة زار كبيرة ندخلها جميعا فنصخب ونصيح ونصلى ونصوم ولا ينعكس ذلك غالبا على تعاملنا مع الناس... عندما أرى آلاف المسلمين يزحفون كل ليلة لأداء صلاة التراويح أحس بمزيج من البهجة والحزن. أبتهج لأن المسلمين متمسكون بدينهم فلا شىء يثنيهم عن أداء فرائضه، وأحس بالحزن لأن هذه الألوف المؤلفة من الناس قد فاتتهم رسالة الإسلام الحقيقية: «إن غاية الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». كثير من المسلمين لا يرون فى الإسلام إلا الحجاب والنقاب والصلاة والعمرة والحج.
هؤلاء يثورون بشدة احتجاجا على مشهد تظهر فيه ممثلة عارية ويقودون حملات عنيفة لمنع مسابقات ملكة الجمال لكنهم أمام الاستبداد والقمع لا ينطقون بكلمة واحدة، بل إنهم مذعنون مستسلمون لظلم الحاكم لا يفكرون أبدا فى الثورة عليه..
هؤلاء المسلمون، فى فهمهم القاصر للدين، ضحايا لنوعين من المشايخ. مشايخ الحكومة ومشايخ الوهابية. أما مشايخ الحكومة فهم موظفون عندها يتقاضون رواتبهم وحوافزهم منها، وبالتالى يستخلصون من الدين كل ما يؤيد رغبات الحاكم مهما تكن فاسدة أو ظالمة أما مشايخ الوهابية فهم يؤكدون أن الخروج على الحاكم المسلم حرام حتى ولو كان فاسدا بل إن طاعته واجبة حتى ولو سرق مال المسلمين وجلد ظهورهم ظلما.
الوهابيون يشغلون العقل المسلم بكل ماهو ثانوى فى الدين. فى مصر عشرات القنوات التليفزيونية الوهابية، الممولة بأموال النفط، يظهر فيها يوميا مشايخ يتقاضون سنويا ملايين الجنيهات مقابل إلقاء المواعظ على المصريين الذين يعيش نصفهم فى الفقر المدقع. يظهر الشيخ من هؤلاء على الشاشة وبجواره إعلانات عن غسالات وثلاجات وكريمات لإزالة البقع الجلدية ومستحضرات لإزالة الشعر نهائيا من جسد المرأة..
وهم يعظون المسلمين فى كل شىء الا فيما يحتاجون اليه حقا. لن تجد شيخا واحدا منهم يتكلم عن التعذيب ولا تزوير الانتخابات ولا البطالة. لن تجد شيخا واحدا يحذر المصريين من أن يتم توريثهم من الحاكم إلى ابنه كأنهم مجموعة من البهائم. بعض هؤلاء المشايخ لم يتحرجوا من إعلان تعاونهم الكامل مع أجهزة الأمن، وبعضهم أفتى بأن التظاهر والاضراب حرام على المسلمين.
أى أنهم لم يكتفوا بالسكوت عن الحق بل أعانوا الحاكم على الظلم عندما منعوا الناس من المطالبة بحقوقهم المضيعة. هذا التدين الشكلى، السبب الأصيل فى تخلفنا، وصفه منذ مائة عام المصلح العظيم الإمام محمد عبده (18491905) فى أعماله الكاملة (الصادرة عن دار الشروق)
فكتب يقول:
«المسلمون ضيعوا دينهم، واشتغلوا بالألفاظ وخدمتها. وتركوا كل ما فيه من المحاسن والفضائل. ولم يبق عنهم شىء، هذه الصلاة التى يصلونها لا ينظر الله إليها ولا يقبل منها ركعة واحدة: حركات وألفاظ لا يعقلون لها معنى، لا يخطر ببال أحد منهم أنه يخاطب الله تعالى ويناجيه بكلامه ويسبح بحمده ويعترف بربوبيته ويطلب منه الهداية والمعونة دون غيره.
من العجيب أن فقهاء المذاهب الأربعة (وربما غيرهم أيضا) قالوا ان الصلاة بلا حضور ولاخشوع، يحصل بها أداء الفرض.. ما هذا الكلام.. انه باطل».
هذه الكلمات على الرغم من قسوتها تؤكد من جديد الحقيقة الغائبة:
إن جوهر الإسلام الدعوة إلى الحق والعدل والحرية، وكل ماعدا ذلك أقل أهمية. إن الشعور الدينى الجياش فى مصر حقيقى وصادق لكنه نادرا ما يتخذ مساره الصحيح.. القضية الرئيسية فى بلادنا واضحة كالشمس: حالة مروعة من الفساد والقمع والظلم استمرت ثلاثين عاما حتى دفعت بمصريين كثيرين إلى الانتحار أو الجريمة أو الهروب من الوطن بأى ثمن.
بعد أن ظل الرئيس فى الحكم ثلاثين عاما بغير انتخابات حقيقية واحدة، فإن المسرح يعد الآن لكى يرث ابنه الحكم من بعده. كأن مصر الكبيرة العظيمة قد تحولت إلى مزرعة دواجن يكتبها الأب باسم أولاده. أليس فى هذا قمة الظلم.؟!. عندما نقتنع أن الظلم من مبطلات الصيام وندرك أن انتزاع حقوقنا المغتصبة أهم من ألف ركعة نؤديها فى صلاة التراويح.. عندئذ فقط نكون قد توصلنا إلى الفهم الصحيح للإسلام.. الإسلام الحقيقى هو الديمقراطية.
الديمقراطية هى الحل.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.