مع بداية شهر رمضان يقل الإقبال على محال بعينها، البعض ينسحب حفاظا على المظاهر الإيمانية لأجواء الشهر الكريم، وآخرون ينسحبون انصياعا لتغير المزاج العام للطعام أثناء رمضان. قبل ساعات من الإفطار تتجه العيون إلى أطعمة ومشروبات تتوزع على جانبى الطريق، بدءا من التمر هندى والعرقسوس حتى أكياس المخلل، فى تلك اللحظات لن يبحث كثيرون عن محال الكشرى المغلقة، التى يطلى بعضها واجهته الزجاجية باللون الأبيض إعلانا عن توقف نشاطه، لماذا لا يصمد هذا النشاط بالذات فى رمضان؟ يجيب محمد جابر مدير أحد مطاعم الكشرى فى حى الدقى بأن الأمر ببساطة يتلخص فى أن «فتح المطعم فى رمضان أمر غير مربح بالقدر الكافى»، بعد تجارب سابقة تأكد مالكو المحل أن العمل فى رمضان يكاد يغطى أجور العاملين لكنه لا يكفى لسداد مصاريف استهلاك الكهرباء والغاز، لذا يعيش العاملون فى تلك الفترة فى إجازة مقابل حصولهم على جزء من الراتب، أحمد وهبى الطباخ الرئيسى فى المطعم الذى يعمل فى نفس المكان منذ العام 97 كان قبل بدء شهر رمضان بأيام قليلة يستعد لإجازته السنوية، التى يقضيها فى بلدته بمحافظة المنوفية، وذكر أنها عادة سنوية اعتادها للراحة والاستجمام، أما موعد العودة فسيكون قبل انتهاء رمضان بأيام قليلة، يعلق محمد جابر مدير المطعم قائلا: «فى هذه الفترة أجرى عمليات الصيانة والتجديدات، التى أؤجلها سنويا حتى رمضان، فى العادة لا يلاحظ المارة ما يتم داخل محال الكشرى، لأن المحل مغلق». فكرة استمرار العمل فى رمضان غير مطروحة تماما، يؤكد مدير المحل: «هذا الأمر مستبعد تماما خاصة فى حالة مطاعم الكشرى الكبيرة أو التى تقع فى مناطق راقية أو حتى مناطق ذات دخل متوسط، فإلى جانب أن مزاج الطعام فى رمضان يختلف حين يبحث الجميع عن وجبة دسمة على الإفطار، فهناك سبب أهم وهو اعتماد محل مثل محلنا على فئة الموظفين والمارة، وهؤلاء ينهون عملهم مبكرا فى رمضان ويتجهون إلى منازلهم لتناول طعام الإفطار، كما أن خدمة توصيل الطلبات لن تجد من يستخدمها، لكن هذا الوضع يختلف أحيانا مع مطاعم أخرى فى مناطق أكثر ازدحاما». بعيدا عما يذكره محمد جابر فإن بعض مطاعم الكشرى تفتح أبوابها وتعمل بكامل طاقتها ليلا ونهارا فى رمضان دون حرج، خاصة فى المناطق الشعبية المزدحمة والتجارية مثل العتبة ورمسيس ومنطقة وسط البلد، على أبواب هذه المطاعم ينتظر العاملون الضيف الشارد الذى خرج عن القطيع وقرر تناول وجبة كشرى، سواء كانت الوجبة لمغامر أتى يأكل فى نهار رمضان أو لمن لم يكتف بوجبة الإفطار وجاء ليلا بحثا عن المزيد. ما يحدث لأغلب مطاعم الكشرى من توقف يضرب أنشطة أخرى مثل السينما والمسرح ويؤثر فى مطاعم أخرى مثل مطاعم السمك والفطائر، لكن ذلك كله يأتى فى إطار تبدل مزاج الصائم وتغير عاداته الغذائية فى رمضان، حيث تذكر دراسة نشرت نتائجها العام الماضى عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن المصريين ينفقون ما يوازى 15% من إنفاقهم السنوى على الغذاء فى شهر رمضان، وهو ما يتجسد فى أن يرتفع استهلاكهم من الحلوى بنسبة 66.5% وأن يتزايد استهلاكهم من اللحوم والطيور بنحو 63% والمكسرات بنسبة 25%. كل هذه التطورات فى رمضان تجعل وجبة الكشرى غريبة على المزاج الرمضانى. وحتى بالنسبة لذوى الدخل البسيط ومن يبحثون عن الوجبات الرخيصة فيجدون ضالتهم فى موائد الرحمن، وهو ما يضرب نشاط محال الكشرى فى مقتل، لكن رغم هذه الأجواء تتجه نسبة ضئيلة من محال الكشرى إلى معاندة هذا المزاج المختلف، يقول أحمد عبدالعزيز مدير فرع سلسلة من محال الكشرى الشهيرة بمنطقة وسط البلد إن هذا الفرع اختار العمل فى رمضان، ربما قد لا يوازى نشاط محال أخرى فى منطقة العتبة الأكثر كثافة، لكنه اعتاد على إجراء سنوى يشرحه قائلا: «فى الأيام الأولى من شهر رمضان أغلق المحل وأقلل نشاطى لكننى أعود فى النصف الثانى من رمضان ونستمر حتى فترة العيد، ويأخذ العاملون مكافأة فى فترة التوقف القصيرة، أما عن سبب الاستمرار فى رمضان فهو الخوف من أن ينتقل العمال إلى عمل آخر خاصة القاهريين منهم، أما الزبائن الذين أنتظرهم فإما عابر سبيل أو سائحون أجانب فى منطقة وسط البلد». حسب حديثه فإن سبب الاستمرارية ليس البحث عن المكسب بقدر ما هو الحفاظ على إيقاع العمل وارتباط العاملين بالمكان، ويؤكد فى حديثه أن العمل فى شهر رمضان يفرض تعاملا حذرا مع مخزون الأرز والمكرونة وغيرهما من مكونات الكشرى، حيث تتجه المطاعم القليلة، التى تصر على فتح أبوابها فى رمضان إلى تقليل الخسائر قدر الإمكان حتى الوصول إلى أيام العيد، التى تتحول إلى فرحة من نوع خاص لمحال الكشرى حيث يعود نشاطها بقوة فى تلك الفترة.