فى أحد شوارع المهندسين الهادئة، يقف عم سيد زفتى، صاحب عربة فول، مع زبائنه ليقطعوا الهدوء بضجيج أطباق الفول و«القِدرة»، فمع إشراقة يوم جديد، يذهب زفتى إلى مكانه المعتاد فى شارع عبدالحليم حسين، ليبدأ فرش عربته على الرصيف الذى يجىء إليه كل يوم منذ 50 سنة تقريبا، عندما كان يذهب مع جده. ويتذكر زفتى عندما بدأ بعربة كارو التى تطورت لعربة نصف نقل يقودها يوميا لمكان عمله قادما من بولاق الدكرور، حيث يسكن. وب«قدرة» واحدة يبدأ زفتى عمله كل صباح، «القدرة بتكون مليانة بالفول على آخرها وكله بالبركة، ساعات تكفى لحد الظهر وساعات تخلص قبل كده». ولا يعلم صاحب العربة مقدار كيلوات الفول التى تستوعبها «القدرة»، ولكنه يعلم جيدا أن «الفول كل يوم فى الطالع وسعره زاد آخر مرة جنيه بالكامل»، ويتابع «كيلو الفول الناشف بقى ب 3.5 أو 4 جنيه»، متسائلا «طيب الزبون ذنبه أيه»؟ وكانت أسعار الفول قد سجلت تراجعا خلال الفترة الماضية، ورصد التقرير الأخير للغرفة التجارية بالقاهرة انخفاض أسعار الفول المستورد من 4 إلى 3.5 جنيه، فيما استقرت أسعار الفول البلدى عند 5 جنيهات للكيلو. ويستهلك زفتى من 8 إلى 9 كيلو فول فى الأسبوع، «كله حسب الظروف المهم أنى باشترى الفول قطاعى وكل ما يغلى أنا اللى بتضرر»، على حد قول زفتى، الذى يرفض أن يتحمل زبائنه غلاء الأسعار، «طبق الفول سعره موحد 2 جنيه سواء كان بزيت حلو، أو حار، أو بالبيض أو بالطحينة، وفى النهاية ربنا هو اللى بيرزق». ويزيد استهلاك مصر فى رمضان للفول بنسبة 30%، حيث تصل كميات استهلاكه خلال هذا الشهر 300 ألف طن، بحسب تصريحات صحفية سابقة لنعيم ناشد معوض، عضو شعبة الغلال فى الغرفة التجارية. وتشير الدراسات الحديثة فى مجال تحليل الأغذية أن الأغذية الشعبية وفى مقدمتها الفول المدمس تحتوى على مكونات طبيعية تساعد على ظهور مشاعر السعادة والهدوء والراحة. ولا تكاد تخلو عربة زفتى من الزبائن من كل فئات المجتمع وأطيافه، وهو لا يبخل فى تقديم العون لهم ومساعدتهم على تناول طبق فول بالهناء والشفاء، فقام بعمل «نصبه» من الخشب على عربته فضلا عن عدد من الألواح الخشبية بالقرب منه، «النصبة ماكلفتنيش كتير لأنى بدأت أعملها من زمان، والمهم راحة الزبون». وبجانب الفول يبيع زفتى طعمية وجبنا وبيضا، «الطعمية بجيبها من مطعم فى العجوزة بسعر قليل، بالإضافة إلى العيش اللى بيجيلى كل يوم». يوميا يشترى زفتى كمية كبيرة من العيش بسعر 25 قرشا للرغيف، «أنا ما ببخلش على زباينى والسندوتش ب 75 قرشا»، يقولها زفتى وهو يبيع لأحد الأجانب سندوتشا من الفول، بعد حوار قصير بالإنجليزية . ولا يعرف زفتي، حجم المكسب الذى يحققه فى نهاية اليوم «فى مصاريف كتير بتخرج من المكسب زى فلوس الطعمية والعيش، وكمان أن بصرف على عائلتى المكونة من 3 أسر وكلهم شركاء معى فى عربة الفول». ومع أن الفول هو ملك السحور فى رمضان عند المصريين، فإن ميزة الوجود والعمل فى منطقة راقية تتحول فى شهر رمضان إلى مصدر معاناة لزفتى، «فى رمضان مفيش عربة فول، كل اللى بعمله إنى بلف فى منطقة المهندسين بقدرة الفول والناس تشترى الكمية اللى عايزاها». بنصف جنيه أو جنيه يبيع زفتى كيس الفول فى رمضان «المكسب بيقل كتير فى رمضان، لأن المنطقة مش شعبية واللى وبياخد مرة مش بياخد التانية»، ويضيف: «الكماليات اللى ببيعها فى الأيام العادية زى البيض والجبنة والطعمية مش موجودة فى رمضان». يفتقد زفتى، خلال شهر رمضان زبائنه الذين يكونون عادة من العمال والموظفين العاملين فى المنطقة طوال الأيام السنة، أما فى رمضان فالوضع يختلف لأن سكان المنطقة هم زبائنه، لذلك يقل المكسب. على الرغم من ذلك يرفض زفتى الانتقال إلى منطقة ثانية خلال شهر رمضان، لأنه وعلى حد قوله «دى وراثة عن جدى، زباينى معروفين من سنين». وقبل قدوم شهر رمضان بيوم وقف زفتى وزبائنه ينشدون لحن وداع فول العربية على أنغام «مغرفة الفول»، وهم يستعدون لاستقباله كضيف خفيف على مائدة السحور يوميا.