وزير التموين: أنا مقتنع أن كيس السكر اللي ب12 جنيه لازم يبقى ب18    اتحاد الكرة: التوأم يعي أهمية محمد صلاح للمنتخب.. والعلاقة بينهم جيدة    عمرو أدهم: الزمالك خسر قضية بوطيب وهذا هو طريق الحل    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    ب"تريليون جنيه".."موازنة النواب": القطاع الخاص شريك بنسبة 50% في الاستثمارات العامة للدولة    هزة أرضية تضرب إقليم تطوان شمال المغرب    الشرطة الإسرائيلية تعتقل عشرات المتظاهرين في تل أبيب    برلماني: الرئيس السيسي وجه رسائل وتحذيرات مهمة بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    فى اجتماع بجمعية أبناء أسوان.. 17 جمعية مشهرة للقبائل العربية تعلن إنضمامها لاتحاد القبائل العربية والعائلات.. "صور"    وسام أبو علي: أمي بكت 90 دقيقة في نهائي أبطال أفريقيا    في النهائي مباشرة.. ريال مدريد يتأهل ل كأس إنتركونتيننتال 2024    جمهور بوروسيا دورتموند يشعل مدرجات نهائي دوري الأبطال (فيديو وصور)    الفوز بالسداسية وأول لاعب في تاريخ بلده.. نهائي دوري أبطال أوروبا يشهد 6 أحداث تاريخية    بعد تغيبها منذ 3 أيام.. العثور على جثة طفلة داخل ترعة بقنا    عيار 21 الآن بعد التراجع الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 (تحديث)    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    خبير اقتصادي: المناخ ليس مناسباً للتحول النقدي مع وجود فئات فقيرة وبطالة مرتفعة    تبدأ من 150جنيهًا.. تعرف علي أسعار الأضاحي بسوق ملوي في المنيا | فيديو    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    هل سيتم رفع سعر الخبز المدعم كل سنة؟ وزير التموين يرد (فيديو)    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    الأهلي السعودي يواجه بطل دوري أبطال إفريقيا في اعتزال خالد مسعد    رونالدو عقب خسارة كأس الملك: خسرنا مرتين بركلات الترجيح وسنعود أقوى    أسامة حمدان: وزارة الداخلية في غزة كانت تدير معبر رفح قبل الحرب وستظل تديره بعد وقف إطلاق النار.    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    «أمن الجيزة» يحبط ترويج كمية كبيرة من مخدر «الكبتاجون» في 6 أكتوبر (خاص)    برقم الجلوس.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني 2024 (رابط مباشر)    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    السيطرة على حريق بشقة سكنية في 15 مايو دون إصابات    فلسطين.. الاحتلال الإسرائيلي ينفذ مداهمات في البيرة وجنين    باكستان.. مخاوف من زيادة حرائق الغابات    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    البابا تواضروس يترأس قداس عيد دخول السيد المسيح مصر.. صور    أحمد حلمي يرصد دعم العشرات لفلسطين في شوارع روتردام.. صور    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    أصل الحكاية | رحلة العائلة المقدسة ومحطات الأنبياء في مصر    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    باختصار.. الصحة العالمية تحذر من الوضع الصحي بغزة وتصفه ب "الكارثي".."كلنا أطفال غزة" هتافات في باريس احتجاجا على العدوان الإسرائيلي.. ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في القطاع ل148 بعد استشهاد علا الدحدوح    أخبار × 24 ساعة.. أكثر من 6000 ساحة لصلاة عيد الأضحى بالإضافة للمساجد    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    احتفالات مستمرة.. البابا تواضروس والمتحدة يحتفلون بذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    وزير الصحة: تقديم خدمات مبادرة إنهاء قوائم الانتظار ل2.2 مليون مريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    هيئة الرعاية الصحية والمنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون المشتركة    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سحر الخرافة.. إلى متى؟
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 07 - 2010

لم يعد الأساس العلمى لكل منجزات النشاط البشرى موضع خلاف من أحد، ولا نستثنى من ذلك الأحداث الرياضية الكبرى، المتمثلة فى الدورات الأوليمبية ومونديال كأس العالم لكرة القدم، وغيرها. إن التحليلات المدققة، التى تصاحب هذه الأحداث، توضح دور التخطيط والإعداد العلميين فى تكسير الأرقام القياسية للأبطال فى الرياضات المختلفة، وتجاوزها من دورة إلى أخرى.
كذلك يسهم تقييم التخطيط والإعداد فى توقع فرص الفرق المشاركة فى المونديال. لكن الحماس والانفعال المصاحب لمونديال الساحرة المستديرة، كما توصف كرة القدم، واللايقين الذى يصاحب نتائجها، ويتأثر بصورة أو بأخرى بالحظ وظروف التحكيم، يتركان مساحة لواحدة من أقدم «غوايات» العقل البشرى: اللجوء إلى الخرافة.
لقد انتهى المونديال منذ فترة، لكن الخرافة التى صاحبته ما زالت تتردد على الألسنة. لقد مارس المجتمع الألمانى، وهو من أكثر المجتمعات علمية وعقلانية، «خرافة بول» الأخطبوط الذى يختار علم الدولة التى تفوز، وصحت توقعاته كلها! هل يعنى ذلك أن العلم ليس لديه ما يقوله فى حالات «اللايقين»؟ بالطبع لا. لقد علمنا دراسة الاحتمالات، وشارك العلماء والفلاسفة الألمان فى ذلك باقتدار.
لماذا يترك الألمان، وكل البشر اقتناعهم بالعلم والاحتمالات جانبا فى بعض الأحيان، ويركنون إلى الخرافة؟ لماذا لم تختف الخرافة فى عصر العلم، وتوجد فى أكثر المجتمعات علمية؟ هنالك من يرى أنها متضمنة فى بنيتنا العقلية، ويقترح أن لها ميزة تطورية قديمة تتعلق بالخيال، وهو من أهم وأكثر خصائص العقل البشرى خصوبة وثراء. لقد كان للخرافة والأسطورة، بل والسحر، دور لا ينكر فى بذور العلم والمعرفة.
هكذا تقول لنا دراسات علم الإنسان أو الإناسة (الأنثروبولوجيا). لكن الفكر العلمى، الذى يرى فيلسوف مثل كليفرد أنه لا يمثل أحد أدوات التقدم، لكنه التقدم نفسه، وضع الخرافة فى خانة «التسلية الفولكلورية» فى المجتمعات، التى أخذت بأسباب العلم، وما زالت تحكم عقلية المجتمعات، التى لم تأخذ بها.
قد يتساءل البعض: ما دمنا قد توصلنا إلى المنهج العلمى، وأخذ فى حياة الشعوب المتقدمة هذا الموقع المعتبر، لماذا لا تختفى الخرافة تماما؟ ألم ينته دورها؟ واسمحوا لى أن أجيب بسؤال آخر: لماذا لم تختف الزائدة الدودية فى الإنسان، أو المصران الأعور كما تسمى، رغم أنها ضرورية للحيوانات آكلة العشب فقط؟ إن التطور، الذى أعود إليه كثيرا فى تفسير العديد من المسائل، يعلمنا بقاء الأعضاء الأثرية مثل هذه الزائدة، رغم تلاشى أهميتها.
قد يكون هذا التشبيه تقريبيا، غير كامل الدقة، فالخرافة حاضرة فى كل الثقافات، بدرجات مختلفة من الظهور والاحتقان فى بعض الأحيان، وهى فى ذلك تشابه الزائدة الدودية، التى يحدث احتقانها الضرر، ويزداد ضررها بانفجارها، الذى يعادل تفشى الخرافة واللاعقلانية فى المجتمعات البشرية! إن الخرافة لا يمكن أن تختفى فى مجتمع من المجتمعات بقرار أو بقانون، وستظل طويلا كعضو أثرى فى الذاكرة البشرية، يذكرنا بأحقاب قديمة فى تاريخ الحضارات، وتبقى آثاره فى بعض الممارسات المسلية الخاصة بالتفاؤل والتشاؤم وقراءة باب الحظ فى الصحف وحكاية الإخطبوط بول، وما إلى ذلك.
لكن الضرر والاحتقان يظهران مع تخطى الخرافة لحدود «التسلية الفولكلورية»، لتصل بصاحبها إلى معاداة العلم ومنهجه ومنجزاته، والاقتناع بالعلم الزائف وممارساته (فى مجال الصحة بالذات)، وإلغاء العقل فى أمور كالتنجيم والشعوذة والدجل وقراءة الكف وتفسير «همايونى» للأحلام.
هل يمكن لمجتمع عقلانى أن يقبل علاجات غير مقننة ويترك الطب، وأن يلجأ إلى التنجيم كبديل للدراسات المستقبلية، والتفسيرات الجاهلة للأحلام كبديل لعلوم الطب النفسى والأعصاب والصحة النفسية؟ ألا يؤدى ذلك إلى احتقان الخرافة وتضخمها، وينتهى الأمر إلى انفجارها؟!
إننى أرجو ألا ينزعج القارئ من كل ما سبق. فمع تأكيدنا على استمرار الوجود الأثرى للخرافة فى عصر العلم، جدير بنا أن نتساءل: لماذا صارت أثرية؟ والإجابة المباشرة البسيطة: إن العلم ومنهجه هما اللذان جعلاها كذلك، قولا واحدا.
لقد أخضع العلم ظاهرة الخرافة للدراسة، وصارت لها نظرياتها النفسية والوظيفة والبنيوية والسياسية. وتعرف على دورها فى الأنثروبولوجيا الثقافية.
وواجه ما كانت تمد به الإنسان من «جماليات الوهم» فى تفسيره وفهمه للعالم وظواهره وأحداثه «بجماليات الحقيقة». لم تعد الأرض قائمة على قرن ثور، تحدث الزلازل عندما تهتز فوقه، بعد أن فهمنا دور الصفائح التكتونية فى حدوثها.
وبعد أن أثبت ماجلان كروية الأرض، وظل البعض حتى وقت قريب ينكرون ذلك، صورناها وهى تسبح فى الفضاء، وسميناها بالقرية الكونية. وبعد أن اعتقد البعض طويلا فى مركزية هذه الأرض، وأن كل شىء يدور حولها، حطم كوبرنيكوس وجاليليو هذا الوهم الجميل، وعرفنا الحقيقة الأجمل.
فوجودها على مسافة محددة من الشمس، ودورانها حولها، مهدا لظهور الحياة وتفوقها، وصولا إلى سيد الكائنات.
هكذا يعلمنا العلم ومنهجه كيفية التعامل مع الخرافة. علينا أن نخرجها تماما من دائرة فهم العالم والتعامل الموضوعى مع حقائقه، لأن هذه الدائرة لا يصح التعامل فيها إلا بالعلم، والعلم فقط. وبعد ذلك، لتبقى الخرافة لأمد قصير أو طويل «كتسلية فولكلورية»، كما ذكرنا.
أما الأفراد والمجتمعات، التى تفضل الركون إلى الخرافة بكل تجلياتها الظاهرة والخفية، فلن تنفعها كل أخطبوطات وحيوانات العالم فى توقع تقدمها وإفلاتها من هاوية التخلف.
نعم، لا بأس من أن «نتسلى» بالخرافة، ولكن حذار أن «نتسلح بها»، فهى سلاح الهزيمة المؤكدة.
أخيرا، حرصت على أن أنهى المقال بالتفسير العلمى المقترح لحكاية بول. فالعلماء يقولون إن الأخطبوط ينظر إلى اليمين، وينجذب إلى الألوان الزاهية والخطوط العرضية، وهذا ما حكم اختياراته.
وعندما أخبرنى أحد الأصدقاء أنه تفرغ تماما لمشاهدة المباريات، وهو أمر لا غبار عليه، فالرياضة متعة للبشر جميعا، ذكرته أن صديقنا المشترك أحمد مستجير، رحمه الله، تساءل ذات مرة: متى ينتقل اهتمامنا من الأقدام إلى الرءوس؟ فاجأنى بقوله إن أجمل أهداف كرة القدم تأتى بالرءوس! حينئذ لم أردد القول المنسوب إلى سعد زغلول «مفيش فايدة»، لكننى سألته: هل توافق على أن نتائج الأربعة الكبار فى المونديال كانت محصلة علم وتخطيط؟ فوافقنى بشدة، وهذا هو المهم. كل مونديال وأنتم وعلمكم وأخطبوطكم بخير!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.