«الباشا لم يحضر لعمله اليوم لأنه فى قفص الاتهام بالمحكمة»، عبارة لن يسمعها المواطنون الذين توجهوا إلى مكاتب عدد من كبار المسئولين خلال الشهر الحالى ولم يجدوهم على مكاتبهم، رغم كون العبارة تعبر عن الحقيقة. فاللواء محمود ياسين نائب محافظ القاهرة ومعه عدد من رؤساء الأحياء تغيبوا عن عملهم الرسمى ليس لقضاء إجازة مصيف، وإنما للمثول أمام محكمة جنح مستأنف منشأة ناصر التى تنظر فى الحكم الصادر بحبسهم 5 سنوات بتهمة قتل 120 مواطنا عن طريق الإهمال فى حادث سقوط صخرة الدويقة، ويتكرر الأمر ذاته مع العديد من أعضاء مجلسى الشعب والشورى المقدمين لمحكمة الجنايات. وفى مديرية أمن الدقهلية، يتغيب اللواء حسن شلغم، نائب مدير الأمن، عن عمله، وتوجه لمحكمة جنايات الإسماعيلية فى قضية تزوير، وبدلا من أن يقابله الضابط بالتحية، وجدهم يطلبون من العساكر اقتياده ووضعه داخل قفص الاتهام مع اللصوص وتجار المخدرات، وبعد انتهاء جلسة المحاكمة يعود لعمله، ليؤدى له الضابط فى مديرية الأمن التحية لكونه رئيسهم، ويصدر لهم توجيهاته بالإجراءات الواجبة لحفظ الأمن وبسط سيادة القانون. والسؤال الذى تطرحه القضيتان هو حول جواز أن يستمر المسئول فى منصبه خلال جلسات محاكمته بتهم ارتكبها خلال تأدية عمله، وعن ذلك يقول القاضى أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض إن استمرار اللواءين محمود ياسين نائب محافظ القاهرة وحسن شلغم نائب مدير أمن القاهرة فى عملهما رغم تقديمهما للمحاكمة الجنائية «لا يترتب عليه وقفهما عن العمل»، موضحا أن «الجهة الإدارية من حقها إيقاف المسئولين أثناء محاكمتهم، ولا يحق للمحكمة قانونا إصدار قرار بذلك لحين انتهاء المحاكمة، ولكن فى سلطة القضاء حبس المسئول لحين انتهاء المحاكمة، ولا يكون من حق المحكمة وقفه عن العمل إلا فى حالة التأثير على سير المحاكمة». ويضيف مكى: «الواقع العملى شهد العديد من محاكمات المسئولين حبسوا لارتكابهم جريمة أو أكثر ثم يعودون لعملهم، وفى حالة نائب مدير أمن الدقهلية المتهم بالتزوير فإن قرار إيقافه عن العمل يرجع لوزير الداخلية». ويقول المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض السابق، إن قرار إيقاف الموظف أو المسئول عن العمل أثناء محاكمته «يرجع للجهة الإدارية التابع لها الموظف، ولكن القاضى له أن يطلب منها إيقافه فى حالة ما إذا كانت ظروف عمله تجعله يؤثر على سير المحاكمة وإخفاء معالم ما ارتكبه من أخطاء». ويفرق صبحى عبدالحميد ،المحامى بالنقض، بين حالتين، «أولاهما إذا كانت الجريمة التى ارتكبها المسئول تتعلق بوظيفته، والحالة الثانية هى أن تكون الجريمة غير متعلقة بأعمال الوظيفة».ويقول: «إذا كانت الجريمة تتعلق بأعمال وظيفته وتوافرت الدلائل الكافية على ارتكابها، تعين على النيابة العامة حبسه احتياطيا إعمالا للحالة الثانية من المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية للحيلولة دون التأثير على المجنى على أو الشهود أو العبث فى الدلائل والقرائن المادية أو إجراء اتفاق مع باقى المتهمين لتغيير الحقيقة، وان عزفت النيابة عن قرار الحبس الاحتياطى تعين على الجهة الإدارية التى يتبعها المسئول إيقافه عن العمل أو نقله مؤقتا لحين انتهاء المحاكمة». ويضيف عبدالحميد: فى حالة ما إذا امتنعت الجهة الإدارية عن إيقافه عن العمل تعين على قاضى الموضوع إعمالا للمادة 159 إجراءات القبض على المسئول أو حبسه احتياطيا لتحقق مفهوم الحالة الثالثة من المادة 143 التى تنص على أنه يجوز لقاضى التحقيق أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا المتهم فى جناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن عام وذلك إذا توافرت 3 دواعى، وهى إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس، خشية هروب المتهم أو الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود أو العبث بالأدلة والقرائن المادية أو إجراء اتفاقات مع باقى المتهمين لتغيير الحقيقة. وإن عزفت النيابة العامة أو الجهة الإدارية أو قاضى الموضوع اتباع ذلك فإن محاكمة المسئول لا تعدو أن تكون محاكمة شكلية يقصد بها تهدئة الرأى العام دون القصاص وتحقيق العدالة».