الإهمال والتجاهل.. يبدو أنهما قدر الراحل الكبير محمد عفيفى مطر، الذى غادرنا فى صمتٍ قبل أيام، هادئا، ولا مباليا كما كان يبدو دائما، رغم الإمعان فى إنكاره. فحتى رحيله لم يعلم الشاعر شيئا عن مصير ملكوته الضائع، ونقصد بذلك ديوانه المغاير فى خصوصيته «ملكوت عبد الله» الذى سلمه قبل سنوات لمسئولى مجلة دبى الثقافية بناء على طلبهم لينشر ضمن سلسلة كتاب دبى، مكتوبا بخط يده، الذى يعرف المقربون من «عم عفيفى» كم كان جميلا. لكن الديوان لقى مصيرا غامضا، إذ لا يعرف أحد داخل المجلة أو خارجها أين ذهب الكتاب!! ولديوان الملكوت كما قسمه صاحبه أجزاء ثلاثة هى: طرديات وطلليات ورعويات عبدالله»، وقد صدر منها الجزء الأخير «الرعويات» فى ديوان «المنمنمات» قبل أكثر من عام عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، قبل أن يضمه الشاعر إلى الجزءين الآخرين، ويعيد تبييضه بخط اليد، على ورق رسم مقوى، استعدادا لطباعته. أما «عبدالله» فهو اسم «عم عفيفى»، الذى لم يدر حتى سن السابعة أن له اسما سواه، سيلازمه طوال رحلة ال 75 عاما، وسيطبع هكذا، بخطوط مختلفة، على اسم عشرات الكتب: «محمد عفيفى مطر». «عبد الله هو اسمى فى الصغر حتى سن السابعة، ومازال البعض ينادوننى فى قريتى بهذا الاسم، لكننى اكتشفت بعد التحاقى بالمدرسة أن اسمى «محمد» وفى هذا الاسم تجارب روحية ونفسية وفيه علاقاتى بالدنيا فى فترة عبد الله»، فضلا عن دلالة الاسم نفسه «عبد الله». فأنا لست عبدا لأحد سواه». بداية الرحلة رحلة «عبدالله إلى دبى بدأت قبل أقل من عام، عندما طلب مراسل مجلة دبى الثقافية بالقاهرة الكاتب الصحفى سعيد شعيب من عفيفى مطر ديوانا جديدا، لنشره ضمن سلسلة كتاب دبى الذى يوزع مع المجلة، ووافق الشاعر بشرط أن يطبع الديوان بخط اليد، حيث عكف الشاعر الراحل على كتابته بخط يده المنمق لأكثر من شهر وبالفعل سلمه لشعيب، الذى سلمه بدوره إلى مدير تحرير المجلة فى ذلك الوقت «ناصر عراق»، ومنذ ذلك الحين لم ينشر الديوان، وانقطعت أخباره. بمواكبة ذلك ترددت أنباء عن استقالة ناصر عراق من المجلة، فجرت بينه وبين مطر مكالمةٌ، كان نصها طبقا للناقد شوكت المصرى، زوج ابنة الشاعر الراحل: «لو هتسيب المجلة هات الديوان وانت جاى فى إيدك»، لكن هذا لم يحدث. «الشروق» هاتفت ناصر عراق، فأكد أنه تسلم الديوان، لكنه سلمه لإدارة المجلة قبيل استقالته ضمن ثلاثين كتابا أخرى، كانت جاهزة للنشر، وقال عراق إنه سيتابع أمر الديوان مع إدارة المجلة، وأن علينا أن «نتعشم خيرا». تجدر الإشارة إلى أن دبى لم تكن المحطة الأولى فى رحلة الديوان، إذ كان الكتاب ضمن قائمة الكتب التى ستطبعها دار «الدار» للنشر، استباقا للدورة قبل الماضية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى 2009، لكن تعرقل ذلك لأسباب فنية. أيضا بالتوازى مع أزمة عبد الله فى دبى، وأثناء التجهيز لعدد مجلة «فصول» النقدية، الذى كان مخصصا للاحتفال بذكرى ميلاد عفيفى مطر، علم د.عبد الناصر حسن رئيس الادارة المركزية لدار الكتب المصرية بأمر الديوان من شوكت المصرى، فأبدى استعداده لطباعة الديوان مخطوطا بقسم المخطوطات بدار الكتب، ورحب عفيفى لكن لم يظهر الديوان. لكن قصائد عبدالله لم تضع. هذا ما أكده الناقد شوكت المصرى، زوج ابنة الشاعر الراحل: «القصائد موجودة فى كشكول عم عفيفى، وتم جمعها كاملة على الكمبيوتر، ومن المقرر أن يصدر ضمن الأعمال الكاملة «لكن ما نخشى أن يكون قد ضاع بالفعل، كما يقول المصرى هو لوحات القصائد المكتوبة بخطه، لما لها من قيمة أدبية وفنية ومادية». يذكر أن ملكوت «عبدالله» هو الديوان السادس عشر للشاعر الراحل، الذى افتتح تجربته قبل نصف قرنٍ بديوانه «من مجمرة البدايات»، قبل أن يتبعه بأربع عشرة مجموعةٍ شعرية كان آخرها «المنمنمات»، كما أنه أول ثلاثة دواوين أخيرة قيد الصدور، هى بالإضافة إليه «يقين الرمل»، و«فخاريات تذروها الريح»، وهى الدواوين التى اعتبرها الناقد شوكت المصرى تمثل مرحلة جديدة فى مشروعه الشعرى. وما بين الدواوين الأولى والأخيرة دواوين أخرى من بينها: من دفتر الصمت دمشق 1968 ملامح من الوجه الأنبيذ وقليسى الجوع والقمر دمشق 1972 رسوم على قشرة الليل القاهرة 1972، كتاب الأرض والدم بغداد 1972 شهادة البكاء فى زمن الضحك 1973 النهر يلبس الأقنعة 1975 يتحدث الطمى «قصائد من الخرافة الشعبية» 1977 أنت واحدها وهى أعضاؤك أنتثرت 1986 = رباعية الفرح لندن 1990 فاصلة إيقاعات النمل القاهرة 1993 واحتفاليات المومياء المتوحشة 1993. فضلا عن عدد من الدراسات أهمها: شروخ فى مرآة الأسلاف بغداد 1982 محمود سامى البارودى دراسة ومختارات القاهرة قصائد ودراسات من الآداب الإسبانية والروسية والصينية والأمريكية (ترجمة) الأعمال الكاملة للشاعرة السويدية «أديث سودر جران» ترجمة بالاشتراك القاهرة 1994 وديوان من مختارات الشاعر اليونانى «اوديسيوس إيليتس».