تعتبر الشواطئ النسائية اليوم نوعًا من الاستثمار المضمون. فمع تصاعد المد الدينى أصبحت الفكرة ترضى أذواق الكثيرات من الباحثات عن متعة مشروعة. يوم على شط حريمى خالص «على الواحدة كله يرقص...»، هكذا ارتفع صوت المطرب حكيم على شاطئ النساء معلنا عن بداية الموسم الصيفى. حالة من الانطلاق والتحرر تكسو المكان الذى تحول لحلبة رقص كبيرة وبدا البلاج كمسرح لعروض ملابس البحر وأحدث خطوط الموضة العالمية. منذ دقائق شهد الشاطئ انتفاضة حقيقية لإخلائه من أى ذكر يزيد عمره على العاشرة. المسئولون عن الأمن تولوا كالعادة إخراج عمال النظافة والصيانة وفتشوا فى كل ركن من أركان الشاطئ قبل بدء توافد النساء. حالة من الاستنفار الأمنى تسود المكان حيث منع التصوير واقتراب أى رجل برا أو بحرا أوجوا. وعندما يسعى أحد الشباب لخرق هذه النواميس واختراق المياه الإقليمية لشاطئ النساء تبادر مسئولات الأمن عبر صفارات إنذار بأمره بالابتعاد عن الحدود. وإن لم يرتدع تخرج سريعا زوارق سريعة ملحقة بالمنتجع كى تطرده على الفور قبل أن يدنو من الشاطئ وينتهك خصوصيته، كأننا فى إحدى جزر هاواى المخصصة لبنات حواء. فجريد النخل الذى يرتفع كساتر عالٍ يحجب العيون المتلصصة على هذه المستعمرة النسائية.. المظلات صنعت من ساق النخيل، وطاقم الخدمات سواء الغطاسون أو الأمن أو البائعات فى المطاعم والمحال كلهن من الجنس اللطيف، وهن ينتهزن الفرصة بدورهن للتحرر من ملابسهن وارتداء الملابس الساخنة. تتجول أسماء بين الشماسى لتعرف الرواد بأنشطة فريق الأنيميشن (الترفيه)، فهى فتاة قاهرية بسيطة تعمل كنادلة بأحد المطاعم، وتقول: «فرصة رائعة للاحتكاك برواد مارينا الذين يمثلون صفوة المجتمع الراقى». قد يدهشك منظر النساء اللاتى يدخلن من الباب فى غاية الاحتشام، ثم يبدأن الهوينى فى التجرد من ملابسهن ليرتدين المايوه المكون من قطعتين. تشاركن فى الرقص واللهو وكأنهن قررن الثورة على القيود الخارجية أو على حد تعبير منى التى ترتدى العباءة فى العالم الخارجى وتستمتع هنا بارتداء البكينى: «أعطنى حريتى أطلق يدى.. صرخة أطلقتها ثومة وأستشعرها اليوم. أريد أن أجرى وألعب وأستمتع بالمصيف مثل زوجى وأولادى. أعشق الماء وبعد أن ارتديت الحجاب كنت أفتقد كثيرا لبس المايوه والسباحة. عندما كانت أسرتى تذهب للاستحمام كنت أمكث حبيسة الشاطئ، أتابعهم فى حسرة لأننى لا أستطيع أن أشاركهم هذه المتعة». كلام منى يعبر عن الكثيرات من بنات جنسها، فمع تصاعد المد الدينى وارتداء الكثيرات للحجاب (قرابة 80 فى المائة من الشارع المصرى، وفقا لدراسة أجراها مركز الدراسات الاجتماعية والقضائية)، أصبح وجود شواطئ خاصة للنساء مطلبا ملحا، خصوصا أن هذا التوجه الدينى وجد صداه لدى طبقات المجتمع الثرية. وهو الأمر الذى استثمرته بعض الشركات بعد أن أثبتت التجربة أنه مشروع مضمون الربح. فبعض قرى الساحل الشمالى قامت بتخصيص حمامات سباحة خاصة بالنساء من أجل ضمان تسويق وحداتها، بينما قامت قرى أخرى بتحديد مواعيد لسباحة السيدات. وفى مارينا حيث ترتفع القدرة الشرائية، يوجد اليوم شاطئان للنساء: «اليشمك» وتم تأسيسه عام 2004 و«لافام» (أى المرأة باللغة الفرنسية) الذى ظهر بعده بعام واحد. وتعكف حاليا إحدى الشركات الإماراتية على افتتاح شواطئ جديدة للنساء، إذ يستهدف مشروع «إمارات هايتس» السياحى، بالساحل الشمالى، إدارة المنتجع المقام بالمشروع بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفقا لما ذكره ريتشارد أبوجودة الرئيس التنفيذى لمجموعة «فى فايف» المسئولة عن إدارة المشروع. ورغم الغليان الذى تشهده الساحة الحقوقية التى ترى فى هذه النوعية من المشروعات ردة ظاهرة، على حد تعبير إحدى الناشطات بجمعية للدفاع عن المرأة رفضت ذكر اسمها: «هذا الفصل بين الجنسين يمثل عودة لعصر الحريم ونتيجة لمؤثرات خارجية قادمة من البلدان النفطية». وتحذر السيدة نفسها من أن هذا المنحى «سيضعف مكانة المرأة ويقضى على إنجازات كثيرة تحققت فى العقود السابقة. وعلى الرغم من الجدل الذى أثير حول تكاثر هذه الشواطئ، فمما لاشك فيه أنها ترضى أذواق الكثيرات، بل وتستقطب بعض السيدات غير المحجبات. بعيدًا عن عيون الفضوليين هبة (33 سنة) تعمل كسكرتيرة فى شركة دولية وترفض ارتداء الحجاب إلا أنها من المترددات الدائمات على شواطئ مارينا النسائية: «أذهب إلى (اليشمك) و(لافام) خمس مرات فى الأسبوع. أقضى هناك اليوم منذ الثانية عشرة ظهرا وحتى الثامنة مساء». هبة لا تجد غضاضة فى الاستحمام بالمايوه فى شرم الشيخ لأنها تعتقد أن غالبية رواد شواطئها من الأجانب وهم عادة «لا يشغلون أنفسهم بالنظر إلى تفاصيل الجسد. أما فى الشواطئ المختلطة للساحل الشمالى، أضيق ذرعا بنظرات الرجال، لذا أفضل أن أستحم فى مثل هذه الشواطئ حتى أكون على راحتى». تهرول هبة كى تقوم برسم «التاتو» أو الوشم على ذراعيها فى مركز التجميل الملحق بالشاطئ. صديقتها مارتا تشاركها الرأى ومركز التجميل، فهى الأخرى تخضع للتدليك بعد أن تركت ابنتها الوحيدة ماريا فى رعاية إحدى المسئولات عن رعاية الأطفال على الشاطئ، وتقول: «أعتقد أن هذه الشواطئ أصبحت مطلبا اجتماعيا وليس دينيا فقط، فأنا مسيحية ومع ذلك أفضل أن أرتاد هذه الشواطئ كى أهرب من عيون المتلصصين والفضوليين». قد يؤرق البعض وجود نساء غير مسلمات، فعبير التى ترتدى النقاب تعتقد أن النساء المسلمات لا يجب أن يظهرن أجسادهن أمام الأجنبيات، لذا فهى تفضل أن تستحم بالمايوه الشرعى حتى لو أمام مثيلاتها من السيدات، حفاظا على عورتها. «أخشى أن تلمح أى سيدة علامة ما فى جسدى فتستخدم ذلك بشكل خاطئ! وأفضل أن أغطى كل جسمى حتى أمام الملتزمات وأن أستمتع بوقتى وفقا لمبادئى». ولاحترام هذه المبادئ فهى لا تقاسم النساء رقصهن إلا عندما تكون الأغنية تعتمد على الآلات الشرعية مثل الدف، بل وتستمتع بالأغانى الدينية التى تديرها الدى.جيه فى بداية اليوم. خلق هذا الجو الحريمى بدوره فرص عمل جديدة لبعض البنات اللاتى يبحثن عن الالتزام الدينى، فإسراء التى كانت تعمل من قبل بشاطئ مختلط قرر زوجها أن يضع حدا لحياتها العملية حتى لا تتعرض للمعاكسات خصوصا أن زى المطعم الذى كانت تعمل به كان عبارة عن تنورة قصيرة وقميص دون أكمام. ولم ينقذ حلمها سوى العمل فى هذه النوعية من الشواطئ التى لا يوجد بها أى ذكور. يرتاد الشاطئين مابين 200 و300 سيدة يوميا، لكن من المنتظر أن يتضاعف هذا الرقم ليصل فى ذروة موسم الصيف خلال شهرى يوليو وأغسطس إلى أقصى طاقته أى سبعمائة سيدة يوميا. وهو ما دفع القائمين على المكان لإدخال نظام الاشتراك السنوى الذى يصل إلى 760 جنيها فى الموسم الممتد من منتصف يوليو وحتى منتصف سبتمبر، مقابل 100 جنيه لزيارة اليوم الواحد، هذا بالإضافة لعروض أخرى للأطفال فوق السادسة والذى يصل ثمن اشتراكهم فيها نحو 250 جنيها، وهو ما يساوى ثمن اشتراك الخادمة التى تريد اصطحاب سيدتها إلى الشاطئ. الحوارات تدور غالبا حول مسابقات الرقص أو أماكن شراء الملابس، فطبيعة المكان لا تسمح بأكثر من ذلك، تقول هبة: «التعارف أو اختيار عروس مثلا من على الشاطئ صعب جدا، لأن البنات والنساء يبدين مختلفات تماما بملابس البحر الساخنة». ثم تروى ضاحكة: « لقد تعرفت على واحدة من البنات على الشاطئ واتفقنا أن نتقابل فى مطعم اليوم التالى. وعندما ذهبت فى الموعد المحدد، ظننت أنها لم تأت، لكن المفارقة أنها كانت تنتظرنى ولم أتعرف عليها لأنها بدت مختلفة تماما وهى محجبة».