أحيانا، تستسيغ أذنك سماع اسم ما دون سبب، دون أن تعرف عن صاحبه شيئا، ربما قيل أمامك مرة أو أكثر وأنت صغير.. قرأته بصحيفة دون أن تتوقف عند الحدث الذى يخصه، تصفحت كتابا قديما فوجدت اسمه فى إهداء الكاتب مثلا. ربما أن سماعك لهذا الاسم وأنت كبير، يعيد إلى ذاكرتك هذا اليوم الذى تصفحت فيه الكتاب يوما وأنت صغير. فى بعض الأوقات، تجد أن المسألة تجاوزت استساغة الاسم، إلى فضول لمعرفة الكثير عن صاحبه، بل إنك أحيانا تستعذب نطقه، وتشعر بأن هذا سوف يضفى عليك حيثية من أى نوع، ولكن كيف وأنت لا تعرف عنه الكثير؟. تتحمس للأمر، تدخل إلى غرفتك، تجلس أمام الكمبيوتر، جوجل، تجرى أصابعك على لوحة المفاتيح بالحروف التى استلطفتها، يطالعك اسمه فى صفحات الباحث العملاق، ويكيبديا الموسوعة الحرة، فتطمئن إلى أن استنتاجك كان فى محله، وأن صاحبنا شخص مهم، وتعرف أن ثقافتك مازالت ينقصها الكثير.. تلتهم السطور: جوزيه ساراماجو (16 نوفمبر 1922 18 يونيو 2010) روائى حائز على جائزة نوبل للأدب، وكاتب مسرحى، وصحفى برتغالى. مؤلفاته التى يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تتمركز حول العنصر الإنسانى. تكمل قراءة سطور سيرته، وتعرف قصته الفريدة ليتأكد إحساسك بأنه ظاهرة: بدأ حياته صانعا للأقفال ثم صحفيا ومترجما قبل أن يكرس وقته كليا للأدب.. أصدر روايته الأولى «أرض الخطيئة» عام 1947، وتوقف عن الكتابة ما يقرب من العشرين عاما ليصدر عام 1966 ديوانه الشعرى الأول «قصائد محتملة». بطبيعة الحال، يقل اهتمامك، فهى عادة ما تكون حالات مفاجئة وتذهب لحالها، ولكنها مفيدة، لأنك تعرفت على كاتب آخر كبير، قرأت له قليلا، قرأت عنه قليلا، ويمر الأمر. منذ أيام قليلة جاء خبر وفاة ساراماجو ليجدد، بطبيعة الحال أيضا، اهتمامك بالرجل، الكثير من أصدقائك غيروا صورتهم الشخصية على «فيس بوك» بصورة الكاتب البرتغالى الكبير، وبعضهم كتب فى خانة حالته الشخصية كلمات تعبر عن اهتمام وحزن: طارق إمام: «ساراماجو فضل يكتب عن الموت فى حياته.. يا ترى حيكتب إيه عن الحياة وهو ميت؟». هبة إسماعيل: «هكذا كانت الوحدة.. وداعا سارماجو». اسلام عبد الوهاب: «صاحب العمى الآن يبصر». ساراماجو أيضا هو الأديب العالمى الأحب لقلب كاتبنا الكبير بهاء طاهر، يعتبره من أعظم ظواهر القرن العشرين، كان يقرأ كتابه الأخير «الشبيه»، ولم يكن أكمله حين سمع بخبر وفاته، يقول: «هو كاتب بديع ونادر، صاحب أسلوب أدبى لا يستطيع أحد أن يقلده، فهو يمزج الفانتازيا بالواقع فى طريقة مبدعة، لدرجة أن الواقع فى أدبه يتحول إلى أسطورة، فى حين تتحول الأسطورة إلى واقع». صحيح أن لساراماجو مواقف سياسية محترمة، ووجه له بهاء طاهر رسالة تحية نشرت فى أخبار الأدب، عندما ذهب ضمن وفد إلى فلسطين للتضامن مع محمود درويش، ولكن ليس هذا هو السبب الأهم الذى يجعله الأقرب لقلب طاهر، «أدبه العظيم هو السبب الرئيسى، ثم يأتى موقفه السياسى بعد ذلك، فكثير من الكتاب يملكون موقفا سياسيا محترما، ولكنهم يقدمون أدبا ردىء المستوى». د.حامد أبوأحمد، أستاذ الأدب الإسبانى أيضا كتب مقدمة الطبعة العربية لروايته «كل الأسماء»، يرى أن «ساراماجو قدم تقنيات جديدة فى الأدب، أحدثت طفرة الرواية الغربية، مثل تقنية الشبيه». ويبدو أن عادة الاعتراف بالعظماء بعد فوات الأوان ليست من صفات العالم الثالث فقط، فبعد أن خضعت الحكومة البرتغالية لغضب الكنيسة الكاثوليكية عليه، بسبب روايته «الإنجيل بحسب يسوع المسيح»، واستبعدت اسمه من قائمة جوائز الدولة، واضطر لمغادرة البلاد، والعيش فى إسبانيا، بعد كل هذا اعترفت حكومة بلده بقيمته الكبيرة، خصوصا بعد حصوله على نوبل للأدب 1998، ووصف رئيس الوزراء البرتغالى جوزيه سوكراتس موته ب«خسارة كبيرة للثقافة البرتغالية». مات ساراماجو، وترك لنا عددا من الأعمال المهمة منها: «وجيز الرسم والخط»، «ليفنتادو دوتشار»، «سنة موت ريكاردوس»، «الطوف الحجرى»، قصة حصار لشبونة»، «العمى»، «الإنجيل بحسب يسوع المسيح»، مات وأضاف إلى «كل الأسماء».. اسمه الذى استسغته