«التايمز 2024»: جامعة طنطا ال4 محليًا.. وبالمرتبة 66 عالميًا في «الطاقة النظيفة بأسعار معقولة»    حماة الوطن: احتفالنا بإحياء مسار العائلة المقدسة استكمال لجهود الدولة    موعد التقديم للالتحاق بمدرسة مياه الشرب بمسطرد في القليوبية 2024    مصرف قطر المركزي يثبت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية للمرة السابعة توالياً    عمال مصر: مؤتمر الأردن سيشكل قوة ضغط قانونية وسياسية على إسرائيل    إبراهيم عيسى منفعلًا على رد حماس بشأن المقترح الأمريكي لهدنة غزة: «خلل وجنون»    مفوضية الأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للاجئين.. وتؤكد أن مصر أوفت بإلتزاماتها    النمسا.. 29 سبتمبر موعدا لإجراء انتخابات البرلمان    كين: منتخب إنجلترا يشارك فى يورو 2024 لصناعة التاريخ ولكن الطريق صعب    قائمة بيراميدز لمواجهة سموحة في الدوري المصري    يورو 2024| البرتغال تبحث عن إنجاز جديد في عهد رونالدو «إنفوجراف»    سموحة يحشد نجومه لمواجهة بيراميدز    بديلا ل ناتشو.. نجم توتنهام على رادار ريال مدريد    أول تعليق من عصام صاصا بعد الصلح مع أسرة ضحية الدهس :«عملت اللي عليا»    جهود مكثفة لكشف ملابسات العثور على جثتين فى المعادى    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص في انقلاب «ربع نقل» على طريق القاهرة - أسوان الزراعي    والد حسام حبيب يوجه رسالة للفنانة شيرين عبد الوهاب بعد خطوبتها.. ما القصة؟ (خاص)    وزير الآثار السابق: مصر استقبلت 14.7 مليون سائح فى 2010.. و60% منهم يقصدون السياحة الشاطئية (صور)    أحمد جمال سعيد يستعد لتصوير مسلسل «وتر حساس» (تفاصيل)    «العناني»: مصر تتميز بمقومات أثرية وتاريخية تجعلها قبلة للسياح الأجانب    رئيس هيئة دعم فلسطين: تقرير الأمم المتحدة دليل إدانة موثق على جرائم الاحتلال    أدعية في سابع ليالي ذي الحجة.. رددها باستمرار لزيادة الرزق    وكيل «صحة الشرقية» يتابع التشغيل التجريبي لوحدة تفتيت الحصوات بمستشفى كفر صقر    5 فئات ممنوعة من تناول لحمة الرأس في عيد الأضحى.. تسبّب مخاطر صحية خطيرة    الانفصال الأسرى زواج مع إيقاف التنفيذ    أكاديمية الشرطة تناقش الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع    الأطفال يطوفون حول الكعبة في محاكاة لمناسك الحج بالبيت المحمدي - صور    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة يتم وفقا للمعايير الدولية    وزير الاقتصاد الألماني يعول على المفاوضات لتجنب فرض عقوبات جمركية على الصين    بقيادة رونالدو.. 5 نجوم يخوضون كأس أمم أوروبا لآخر مرة في يورو 2024    الهروب من الحر إلى شواطئ مطروح قبل زحام العيد وارتفاع نسب الإشغال.. فيديو    أسعار فائدة شهادات البنك الأهلي اليوم الاربعاء الموافق 12 يونيو 2024 في كافة الفروع    محافظ الغربية يستقبل الأنبا أغناطيوس أسقف المحلة للتهنئة بعيد الأضحى    استجابة ل«هويدا الجبالي».. إدراج صحة الطفل والإعاقات في نقابة الأطباء    راية أوتو تطلق سيارات إكس بينج الكهربائية لأول مرة في مصر    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    اتحاد الكرة يرد على رئيس إنبى: المستندات تُعرض أثناء التحقيق على اللجان وليس فى الواتساب    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية    القوات المسلحة توزع كميات كبيرة من الحصص الغذائية بنصف الثمن بمختلف محافظات    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    هيئة الدواء تعلن تشكل غرفة عمليات لمتابعة وضبط سوق المستحضرات الطبية في عيد الأضحى    مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف ART خلال إجازة عيد الأضحى 2024    الجلسة الثالثة من منتدى البنك الأول للتنمية تناقش جهود مصر لتصبح مركزا لوجيستيا عالميا    "يورو 2024".. البرنامج الكامل من الافتتاح حتى النهائي    مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي يعقد اجتماعا موسعا بقيادات مطروح    مسؤول إسرائيلى: تلقينا رد حماس على مقترح بايدن والحركة غيرت معالمه الرئيسية    وزير الإسكان يوجه بدفع العمل في مشروعات تنمية المدن الجديدة    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى 2024    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    رئيس جامعة أسيوط يفتتح صيدلية التأمين الصحي لمرضى أورام الأطفال    كريم قاسم يشارك في العرض الخاص لفيلم "ولاد رزق 3 - القاضية" | صور    «الخدمات البيطرية» توضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية    "مقام إبراهيم"... آية بينة ومصلى للطائفين والعاكفين والركع السجود    اليونيسف: مقتل 6 أطفال فى الفاشر السودانية.. والآلاف محاصرون وسط القتال    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    حسن مصطفى: تصريحات حسام حسن تحتاج للهدوء وأداء المنتخب يتطلب تحسينات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 06 - 2010

لا أتجاوز إذا قلت إن هذه الأيام فى نهاية شهر أبريل سنة 1970 وحتى شهر مايو من نفس السنة كانت من أصعب التجارب التى مررت بها بين حياتى كصحفى وتعيينى وزيرا للارشاد مع احتفاظى بعملى رئيسا لمجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام، وكان هذا الوضع صعبا للغاية.
عندما دخلت منزل الرئيس فى الساعة السادسة مساء، كنت متوقعا على أقل تقدير أن يكون مزاجه مختلفا، بمعنى أننى قبلت واننى الآن حاضرا وقبلت لمدة محددة وهو قبل ذلك فى حديثه مع أنور السادات، وعلى أى حال فأنا ذاهب له لكى أقول إننى جاهز وتصورت أننى أجده طبيعيا، لكننى ولأول مرة أجد عبدالناصر وجهه أمامى مكفهرا، وكان من الواضح أن هناك مشكلة أخرى ظاهرة غير عدم موافقتى، حيث قام من وراء مكتبه وسلم على، وقال لى اجلس فحاولت ان أقول ضاحكا إن الكلام الآن بين وزير مسئول ورئيس دولة، فأخرج ملفا وقال لى ماذا يريد توفيق الحكيم، وما الذى فعلته خطأ لكى يرسل لى توفيق الحكيم جوابا بهذا الشكل؟، فقلت له أنا لا أعرف أنه أرسل لك جوابا، فقال لى هل يعقل أن توفيق الحكيم يرسل لى جوابا وأنت لا تعرف؟ فقلت له حقيقة أنا لا أعرف ولو كنت أعرف كنت سأقول لك، فسألته عما كتبه توفيق الحكيم فأعطانى الجواب وانا سأقرأه لأنه كان يكشف الطريقة التى كان يشعر بها مثقف أمام رئيس دولة أنه لا يقبل رأيا آخر وهذا الرجل مندهش.
وكان نص الخطاب كالآتى:
سيادة الرئيس
سمحت لنفسى أن أكتب إليكم هذا الخطاب لما لى من صلة قلم بجريدة الأهرام باعتبارها المنبر الذى ينطلق منها صوت بلادنا فى أرجاء الأرض. ودفعنى إلى ذلك بعد أن عملت بأمر تعيين الأستاذ محمد حسنين هيكل وزيرا للإرشاد، ولثقتى الوطيدة بسداد رأيكم فقد تقبلت الخبر بشىء من التفكير وجعلت أقلب الأمر على مختلف وجهه وتمهلت قليلا فى قبول ما يلوكه الناس من تعليقات ربما كان أكثرها ممن يهمهم إضعاف هذا المنبر وإخفاق صوت يعتقد أنه نابع من قلب وطنى وقومى، ومهما يكن من أمر فهناك حقيقة لم أستطع لها دفعا هى أن جريدة الأهرام باستقلالها وبما فيها من أقلام حرة يثق فيها الناس قد استطاعت وتستطيع دائما أن تشيع فى النفوس الثقة والأمل وفى هذا الاتجاه الذى صارت فيه وهو طرح الحقائق حتى المؤلم منها ثم إيحاء بعد ذلك روح التفاؤل دون توجيه رسمى قد هيأها لهذه المهمة الفريدة فى وقتنا الحاضر وجعل منها الأداة الفعالة فى تدوير الرأى العام وفى التأثير عليه دون الاتجاه إلى الشعارات المفتعلة التى تسمعها الناس من أجهزتنا الرسمية وهذه الأجهزة الإذاعية لها عذرها ولا ينتظر منها أن تفعل أكثر مما تفعل لأن الناس لا تصدق غالبا ما يصدر عن جهاز حكومة، وهنا الأزمة الحقيقية يا سيادة الرئيس، والأزمة اليوم هى أزمة ثقة والحالة النفسية التى يمر بها الشعب اليوم هى الحيرة والقلق وبلبلة الفكر، وكل شعب بمثل وضعنا مر بهذه الحالة ولكن علاجها دائما كان فى وجود الثقة لأن أصوات ومنابر حرة كان يعرف منها كل شىء بحجمه، أما نحن فقد انفردنا بالعلة دون العلاج لأننا اعتدنا على أجهزة الداعية الرسمية وحدها وجهاز واحد كان يرجى منه العلاج هو الأهرام الحر وكان الناس جميعا فى مصر والعالم العربى بل وخارج هذه البلاد ينتظرون كل جمعة مقالا بصراحة ليعرفوا ما يجرى من خلال أسطر لا تنتمى إلى جهة رسمية ولكنها تكشف عن الصدق الذى يريده الناس بالقدر الكافى.
أتصور الآن ما يرجى يا سيدى الرئيس اذا فقدت الأهرام هذه الصفة فما الذى سيبقى للناس أبواق إذاعة وتليفزيون لا تقبل إلا لأغانيها وكل نشاط لهذه الأجهزة فى مجال الرأى سيأتى بعكسه لأن الناس لا تريد أن تصدق إلا ما يصدر بعيدا عن السلطة.
صدقنى يا سيادة الرئيس إن جريدة الأهرام بأقلامها المستقلة تستطيع أن تعالج نفسية الرأى العام بأفعل ما تستطيعه وزارة من الوزارات، ولا أقولها دفاعا عن زميل، فالموقف أجل وأخطر من أن أنظر إليه من زاوية شخصية إنما هو الحق الذى أراه ونحن نجتاز مرحلة حرجة من تاريخنا، وعلى كل مواطن فيها أن يكون صريحا، فاعذرنى يا سيادة الرئيس إذا أقحمت نفسى وكتبت إليكم لأول مرة بما بدا لى فى هذا الشأن الآن، وإنى على يقين دائم بحكمتكم وحبكم وحب بلادكم بما تريدون لها وتعملون من أجل حريتها ونهضتها. وتفضلوا يا سيادة الرئيس بقبول أصدق آيات التقدير والإجلال. توفيق الحكيم.
وبعد أن قرأت الجواب اندهشت ولكننى تفهمت منطق توفيق الحكيم وأعرف ما يحركه وما يحرك كثيرين غيره فى الأهرام، ولكن جمال عبدالناصر سألنى عن المقصد من عبارة دفاع عن زميل فما الذى قمت به لكى يدافع عنك توفيق الحكيم، وكان عبدالناصر يقرأ كثيرا لتوفيق الحكيم وتابع له أشياء كثيرة وتقبل منه منشورات كالسلطان الحائر وبنك القلق ونشرناها رغم محاولة بعض الجهات وقف النشر، لدرجة أنه وقت صدور بنك القلق قال عبدالناصر لعبدالحكيم عامر إن توفيق الحكيم كتب يوميات نائب من الأرياف منتقدا الأوضاع الاجتماعية أيام الملكية ولكن لم يستطع فى العصر الثورى أن ينقل تجاوزات السلطة واذا كان ذلك فقد فشلنا.
أنا أعلم مقدار إعجابه وتقديره لتوفيق الحكيم والأخير قيمة كبرى لهذا البلد، لكن هنا جمال عبدالناصر كان يريد أن يفهم كيف يعين أحدا وزيرا للإرشاد وهو موجود فى الأهرام، ويعتبر عدوانا على الصحافة؟
ولكن فجأة أجد عبدالناصر يحدثنى عن حاتم صادق زوج ابنته، وكان حاتم موجودا معنا فى الأهرام وفى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى بداية إنشائه وكان موجودا فى مكتب الرئيس؛ لأن عبدالناصر كان عنده مشكلة فى تشغيل أبنائه وأزواج بناته وكان عنده مشكلة كبيرة وشعرت بها لما حدثنى عن حاتم فقال لى إن حاتم تخرج وإنه لا يستطيع أن يكلم أحدا لكى يشغله؛ لأنه لو تحدث مع أحد فسيبالغون فى معاملته وإكرامه، وأن ذلك لا يريده، غير أن حاتم لا يريد العمل فى مكتبى، ولما سألته أين يريد العمل؟ فقال لى: فى الأهرام، فلما طلب منى عبدالناصر ذلك وقال لى هل من الممكن أن تجدوا مكانا لحاتم؟ فكنت مرحبا جدا وقتها لأننى أعرفه جيدا وأعرف استعداده.
ولكى يضمن توفيق الحكيم وصول الخطاب بطريق غير رسمى لجمال عبدالناصر أرسله مع حاتم، مثل ما قمت به عندما أرسلت جواب الاعتذار عن الوزارة بالأمس لحاتم.. ورأى حاتم أن يكتب جوابا هو الآخر أثناء تسليمه جواب توفيق الحكيم لجمال عبدالناصر.
وكتب جوابا بطريقة مكتب الرئاسة وقال أفندم:
إننى أشعر بمدى إثقالى على سيادتكم ولكننى أستأذنكم فى أن أعرض هذا الخطاب المرفق فقد حملته إليكم أمانة ولست بقادر إلا على الوفاء، ولعل مصدر اهتمامى بها أنها تحمل وجهة نظر هى ذات ما أراه ومن خلالها أختلس فرصة لأعرضه عليكم، الرسالة من توفيق الحكيم وموضوعها محمد حسنين هيكل، رجاء أن تتكرموا بالاطلاع على ما خطته اليد المرتعشة ذات السبعين عاما للأديب المصرى الفذ.
وإن بقى لى أن أخط سطرا واحدا فى الختام فلن أضيعه فى الحديث عن اعتبارات موضوعية أراها، فلكم وحدكم تلك القدرة الهائلة على التقدير والتقييم والتى لم تتوافر إلا فى قلة عرفها التاريخ، ولكننى يا سيادة الرئيس، كغيرى من شباب الأهرام نتمنى أن تسمحوا لنا بالاحتفاظ بقيادة الأستاذ هيكل، كما نناديه، الذى أحببناه جميعا وكثيرا. مع وافر الاحترام. حاتم.
ثم قال لى جمال عبدالناصر ماذا فعلت بحاتم وهناك من يقول إن الأهرام دولة داخل دولة أما الآن فأرى دولة فوق الدولة.
وفجأة وقف ساكنا وطلب فنجان قهوة واحتسى من الفنجان وقال إنه لم يستطع تكوين تنظيم سياسى، وإنه حاول أن يكون تنظيما اشتراكيا وتنظيمات سياسية قوية لكن مع الأسف لم ينجح، وأنا الآن أمامى جريدة عملت تنظيما، فطلبت منه أن أقول إن هذا ليس تنظيما وليس ما يتحدث عنه الاتحاد الاشتراكى ما تراه فى الأهرام، ما يدهشك وما تستغرب له، وسواء ما يتعلق بمهامنا فهى قضية أخرى.
ولكننى شعرت أنه تصور أن فى الأهرام هناك تنظيما قويا، وأن الاتحادات الاشتراكية بصفة عامة لم تنجح محاولاته، وأن هناك تنظيمات، ومهما قيل ويقال فكل التنظيمات معتمدة على سلطة، وأنها سلطة الدولة سبقت وجود التنظيم، وهذه أزمة لا نزال نعانى منها حتى هذه اللحظة، وهى سلطة الحكم وسلطة الأمر الواقع، وفرضت نفسها قبل أن يجىء أى تنظيم سياسى، ولم يكن التنظيم السياسى نتيجة له.
وتحدثت بعدها فيما أراه واجبا، ولكنه لما قال السؤال باستغرابه لِما نجحنا فيه، فى تصوره، وما لم يحققه هو شعرت أن الأزمة الموجودة بيننا بشكل ما هدأت لأننا انتقلنا لنواجه الوقائع، وما قاله توفيق الحكيم وما قام به حاتم، وبدا استغرابه أنه فى تصوره أن هذا التنظيم الذى قمنا به طال أسرته نفسها.
وأنا لا أزال أذكر ملامحه بها مزيج من الغضب والاستغراب والاندهاش والتساؤل وعلى أى حال فقد شعرت بالسؤال بشكل أو آخر أن الموضوع وجدول الأعمال تقريبا انتقل من المواجهة إلى التأمل والظاهرة.
وفى اليوم الثانى كانت هناك جلسة حلف اليمين وذهبت وأديت اليمين، ولكن لما أنظر للصور أجد عبدالناصر وكأنه نسى ما جرى بالأمس ويبدو وهو مبتسم بينما أبدو أنا متجهما بسبب أننى شعرت أننى أتخلى عن شىء غالٍ جدا وأتخلى عن استقلاليتى الكاملة عن عملى.
ومضت أيام وأنا وزير إرشاد قومى وبعدها بستة أيام وأنا وزير فإذا بأحد يخبرنى أن مديرة مكتبى نوال المحلاوى اعتقلت، فى الحقيقة ذهلت وأنا موجود فى الأهرام والناس فى الأهرام جاءوا لى وكانوا ينتظرون منى تفسيرا، كل الناس كانت متطيرة وهناك تربص وهناك أناس تريد التخلص من صوت الأهرام، وعبر عن ذلك توفيق الحكيم بوضوح وأنا نفيت هذا، ولم يكن هناك تصور بهذا التصور على الأقل فيما يتعلق بجمال عبدالناصر، فلم يكن موجودا على الاطلاق، وأستطيع القطع بذلك. لأننى وجدت معه ورأيته وهو غاضب وهو مقترح ومتسائل، ورأيته مستغربا، وكل هذه الأوضاع النفسية، وكنت قد رأيته يومين متتاليين، يوم صدور المرسوم وقبل حلف اليمين ويوم حلف اليمين، وما حدث هو إجراء لا يبرر.
وفى بعض اللحظات شعرت باستفزاز وكنت وقتها قد فكرت جديا أن أرسل له جواب استقالة من الوزارة ومن الأهرام، لكن وجدت الدكتور فوزى يأتى لى دون ميعاد وكان وزيرا للخارجية وأنا أقدره وأعتبره أنه قام بأدوار بالغة الأهمية فى هذا البلد.
وأظنه قلق بعد معرفته بما حدث بشأن الوزارة والاعتذار والتطورات وحتى اعتقال مديرة مكتبى، وشعر أن مثل هذا الإجراء قد يدفعنى لشىء، وقال لى إنه يعرف أن الكبرياء من الممكن أن يدفع الناس إلى ماذا.... خصوصا فى وجود ضغوط، وقال لى إنه ليست هناك خارج الحق والحقيقة، وما هو ضرورى فى هذه اللحظة، هو أن تتبين ما الذى حدث بالضبط، ثم بعد أن تتبين وجه الحق والحقيقة فى هذا الذى جرى فأعتقد أنه من حقك اتخاذ أى موقف، ولكن قبل ذلك لا يجوز، وقال لى إن رأيه أن أقابل الرئيس للاستيضاح وقلت له إن الغريب أن لدى موعدا مع الرئيس اليوم ولكن لشىء آخر فى الساعة السادسة فى قصر القبة عن الأعمال العادية، لأنه حدث وكان هناك أستاذ هولندى يدعى روجر فيشر فى عالم القانون الدولى، ومشهور جدا فى محاولاته تسوية الصراعات الدولية المستعصية، وله رؤية فيها تقوم على الأعمال المتبادلة والمتكافئة وهى من الألعاب السياسية الخاصة بتسوية النزاعات وبطرق جديدة ومستحدثة معتمدة على إجراءات قانونية، وفيشر يأتى وهو صديق لوليام رجروز وزير الخارجية الأمريكية والأخير بعث لى يوصينى بمقابلته، كما أرسلت السفارة المصرية هناك توصى أيضا أن يراه الرئيس، فقال لى إنه سيأتى وتعالى معه، وكان يوم السبت سأذهب لأخذ فيشر وسنذهب سويا للرئيس، فقلت للدكتور فوزى إن لدى ميعادا معه، فقلت له إننى أنوى بعد التحدث مع فيشر سأطلب منه عشر دقائق، وقلت للدكتور فوزى إننى لما سمعت بهذا الخبر صباحا وعرفت أن نوال المحلاوى اعتقلت وأن قرينة لطفى الخولى اعتقلت وأنا فى ذهول ووجه الاثنين لا يفارق خيالى، لأننى لم أكن أتصور أن هذا يحدث ولا أعلم ما أسبابه، إلى جانب أننى علمت بعدها باعتقال لطفى الخولى وزوج السيدة نوال المحلاوى.
فلما ذهبت لقصر القبة أخذت فيشر معى فى الطريق وتكلمنا فيما يريد أن يقوله للرئيس وأنه قابل روجرز وما قالوه والمشاكل التى بين روجرز وكسنجر وأن روجرز نواياه صادقة، وأن كسنجر جيد ولكن ميوله إسرائيلية.
وعندما ذهبنا للقبة دعينا للدخول لمكتب الرئيس ودخلت وسلمنا وبعد أن تحدث فيشر وعبدالناصر كان يستمع ويستوضحه فى بعض النقاط، لكن يسمعه باهتمام، وهنا مسألة مهمة وهى مهما كانت آراؤنا فى رفض ما لا نريد لا بد من الاستماع له جيدا، أولا احتراما لقائله، ثانيا أنه قد نجد فيه مخرجا لشىء وقد نجد ما يستحق أن يناقش أو ما يستحق أن يكون فى البداية، وانتهت المقابلة بعد ساعة إلا الربع، فقلت للرئيس: هل تأذن لى أن أوصل فيشر إلى الخارج وأريد عشر دقائق من وقتك، فقال لى: وأنا أريد عشر دقائق، فذهبت وأوصلت روجر فيشر وعدت، وعندما عدت وجدت الرئيس عبدالناصر قد أخرج شريط تسجيل وورق تفريغ، وبعد ذلك قال أنا قلت لك من كذا يوم إن فى الأهرام هناك من يتصور أنهم دولة داخل دولة، هل معقول أن نوال المحلاوى تقول علىَّ ذلك، وأنا أعرف أن هناك أربعة اعتقلوا ومنهم سيدتان، والموضوع ليس سيدات وفقط ولكن إحداهما مديرة مكتبى والأخرى صديقة وزوجها صديق وزميل فى الأهرام، وفهمت أنهم كانوا يتناولون العشاء أمس الأول، وفهمت أن هناك شيئا أثناء تناول العشاء، وكان توفيق الحكيم موجودا، وأعطانى التفريغ وقال لى أريد ان تقول لى ما رايك فيه؟.
وفى أى تفريغ كان هناك صوت صخب وأصوات كثيرة وبعدها سمعت صوت الخولى يتحدث عن تعيين هيكل فى الوزارة، وأن هذه مؤامرة ومقصودة، لكن توفيق الحكيم قال إن مسألة إسناد الوزارة لرئيس تحرير الأهرام مشكلة ووضع حرج يؤثر على الأهرام وعلى استقلاله وهو ما تحدث عنه وكتبه لجمال عبدالناصر دون تفصيل.
وهناك من قال ودعا إلى هذا، وبعد ذلك صوت نوال المحلاوى وأنا أعرفها جيدا، وكان عبدالناصر معجبا بها جدا، وكان مرات يحدثنى فى مكتبى.. وأكون لم أصل للأهرام وعلى الهاتف الداخلى يحاول أن يعرف تفاصيل خبر وهو الهاتف الذى بينى وبين مكتبه وبين غرفة نومه وكان مصرحا بأن ترد عليه نوال، وكان مرات يسألها فى الأخبار ويعجب جدا بإلمامها بما تتحدث عنه ومن طريقة عرضها فى الهاتف، وسمع كثيرا عن كفاءتها، وقال ذات يوم إنه يريد أن يرسل ابنته هدى مع نوال لتتدرب فترة لأنها ستعمل سكرتيرة لديه فى مكتبه، وأنا أعرف أنه لما جاء يزور الأهرام واندهش أن مديرة مكتبى تشرف على كل شىء والأشياء الخاصة بى أيضا وهى متأثرة بالأسلوب الأمريكى حتى إنها تحضر القهوة بنفسها.
وقال لها وقت حضوره الأهرام: إنه يسمع عنها كثيرا وقدمت له فنجان القهوة، وأنا أعتقد أن أسلوب العمل فى الأهرام فى ذلك الوقت كان مختلفا عن كل ما هو مألوف فى الدولة، وبعد ذلك قال لى هل نوال تقول ذلك، وقالت نوال «ربما أصابه مس من الجنون»، وكانت هذه العبارة أشعلت غضبه تماما وقلت له إننى أفهم ضيقك، وطلبت منه أن يضع الموضوع فى سياقه وإطاره وهذه مؤسسة غاضبة وتعتقد أن هناك تربصا بها، وتشعر أنها وضعت فى وضع متناقض لكن هذا الكلام قيل فى عشاء فى منزل لطفى الخولى وقيل بين أصدقاء وزملاء فى الأهرام ولا بد من وضعه فى هذا الإطار، وهنا تحدثت فى هذه اللحظة فى قرار الاعتقال وفى هذا الموضوع وقلت ما أريد قوله كله، ولم أخفِ منه شيئا.
لكنه لم يكن مقتنعا وكلمة he must had gone mad تغضبه للغاية، وسألته سؤالا محاولا إقناعه ولم أعلق بعدها، وقلت له هذا عشاء خاص فما الذى يدعو أى جهاز من أجهزة الدولة أو أجهزة الأمن أن يبث فيه جهاز تسجيل وهو يعلم أن هناك مناخا مستثارا فى مؤسسة معينة وأن هؤلاء أعضاء وأفراد ينتمون لهذه المؤسسة من هذه العائلة ومن هذه المؤسسة، وهو يعلم أن لهم آراء، وانه من الممكن ان تفلت كلمات وهذه جلسة خاصة والسؤال لماذا يوضع ميكروفون أو جهاز تسجيل؟، أليس هذا فى حد ذاته دليلا على أن هناك من يتربص، وأنا أعتقد أن هذه هى النقطة المركزية، وأنا بأمانة وبكل احترام قبل أن يسألنى أحد عما حدث لا بد أن يفسر لى أحد ما سبب وضع تسجيل، فقال لى: إننى آخذ الموضوع شخصيا. فقلت: لأنه متعلق بى، فقال لى: إنه لا يتعلق بى، فقلت له: إن هؤلاء الناس أصدقاء وموجودون فى عشاء وطابع صداقات العمل موجود فى مناسبة اجتماعية وليس من حق أى أحد تسجيلها إلا أن يكون مقدرا سلفا أنه سوف يقال فيها شىء يمكن أن يؤخذ على أصحابه وهو يتعمد هذا الشىء.
ولما قلت ذلك للمرة الثالثة هناك شىء شعر به واعتقدت أن النقطة واضحة وهى تعمُّد التربص، وأن هناك مشاعر إنسانية وأنه لا ينبغى تحميلها بأكثر مما تحتمل، وأنه فى هذا الظرف يؤكد كل شىء، ويكفينى أن أشير وأوضح ثم لا داعى للضغط أكثر من اللازم، وقلت له: إننى لن أتحدث فى هذا الموضوع مرة أخرى وطلبت منه أن يكون واضحا أن الموضوع فى منتهى الصعوبة وأنا لا أنوى أن أتحدث فيه، وسأتركه نهائيا.
وجلسنا فى مكتب الرئيس بعد خروج فيشر نحو ساعتين وعشر دقائق، وكان الأهرام كله ينتظر وكانت وجهة نظرى معروفة وأنا لا أنوى أكثر من ذلك، وكان التنظيم السياسى فى ذلك الوقت اعتقد أن الأهرام شارد، وشعر عبدالناصر بذلك وسأل عن سر المشاكل مع الأهرام لأن الأهرام يأخذ موقفا، وكنت وقتها حضرت اجتماعا مع اللجنة المركزية وبصفتى وزيرا للاعلام ورئيسها السيد ضياء الدين داوود فى ذلك الوقت، وجاءوا يحاسبوننى وطلبوا منى أن يتم تقسيم الإعلانات وان هناك تميزا، ولما قالوا ذلك الكلام فى وقت سابق رد عبدالناصر وقال لهم إن أنور السادات موجود فى الأخبار وعلى صبرى موجود فى الجمهورية، والقضية أن الأخبار متاحة لكل الناس والقضية هى كيف يتم أخذ وضع مهنى، وبالطبع لا يستطيع أحد أن يأخذه من الآخر.
وبعد مقابلتى لجمال عبدالناصر وفى يوم الأربعاء أبلغت بالإفراج عن نوال المحلاوى وليليان أرقش، وعندما أبلغت بالإفراج لم أتحدث، وجاء لى أحد وقال لى أن أشكره، لكنى أعتقد أن هناك خطأ جسيما وقع حول التربص ومبرراته، وبعد ذلك جاء لى الرئيس السادات يزورنى فى الأهرام، وكان لأنور السادات طريقة فى التهليل، وقال لى: برافو يا محمد، وكان ذلك هائلا، وقال لى مشيرا على الهاتف الخاص الذى بينى وبين الرئيس جمال عبدالناصر: «إنه لولا هذا السلك لكانوا قطعوا رقبتك».
الشىء الغريب أنه مر أقل من أربع سنوات وجاء أنور السادات رئيسا، واختلفنا فى موضوع الإدارة السياسية لحرب أكتوبر فى الجزء الثانى منها من أول الاتصالات السرية، وقرر هو أشياء أخرى كتعيينى مستشارا له وأنا اعتذرت فقرر أن يحضر وزير الإعلام ويضعه رئيس مجلس إدارة الأهرام ناسيا أنه بذلك عبر الخط الأحمر الذى حدثنى فيه فى مكتبى مرة بصورة عكسية وهى أن وزير الإعلام يأتى فوق المؤسسة، ونسى أن هذا الخط الأحمر الذى تحدثنا فيه، وعلى أى حال كانت الظروف قد تغيرت وجاءت أشياء كثيرة جدا.
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.