فى يوم 4 نوفمبر 1982 اجتمع بمنزل ميريت غالى كل من أمين فخرى عبدالنور، والدكتور صموئيل حبيب رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية، وأمين فهيم رئيس جمعية الصعيد، وجورج حبيب بباوى، ويوحنا الراهب. كان هؤلاء قد قرروا أن يقوموا بخطوات تصالحية بين الكنيسة والدولة، وتقريب الفجوة بين البابا وبعض المؤسسات السيادية التى منحت هذا الوفد ضوءا أخضر للتحرك. كان هدف الحركة هو البحث فى جذور المشكلة والأسباب التى أدت لتفاقم الأمور. كان واضحا أن صندوق الأزمة أحكم إغلاقه.. والجميع قرر ترك الأمور للتداعى الحر.. وتصاعدت وتيرة الأحداث وتم التحفظ على البابا داخل الدير فى سبتمبر سنة 1981 وحددت إقامته وظل تحت الحراسة والإقامة الجبرية وتم اعتقال 8 أساقفة و24 كاهنا، أبرزهم الأنبا بيشوى أسقف دمياط والبرارى. يكشف محضر الاجتماع أن كل فرد من أفراد المجموعة، جاء بما يعلم فى هذا الشأن، وأن كل فرد من المجتمعين يمثل جهته، وان ما يمس الكنيسة القبطية والأقباط ينعكس بالسلب على بقية الطوائف. وكان أول ما تم مناقشته المخطط الاسرائيلى الهادف إلى تقسيم الشرق الاوسط إلى دويلات دينية بما فى ذلك دولة قبطية فى الصعيد، وأوضاع أقباط المهجر، والذهاب إلى البابا فى الدير لمصارحته بحقيقة الموقف. وتنقسم وثيقة المحضر إلى قسمين: حقيقة الموقف، والحل المقترح. فبالنسبة لحقيقة الموقف، فقد أشارت الوثيقة إلى المخطط الاسرائيلى من أجل تقسيم الشرق الاوسط إلى دويلات دينية طائفية، بما فى ذلك دولة للأقباط فى الصعيد، وأن لدى مجلس الكنائس العالمى دليلا على أن إسرائيل تمول جمعية الأقباط الامريكان، ولدى الحكومة دليل عن قيام إحدى الدول العربية بذلك تم التصريح بذلك من قبل الرئيس مبارك عندما كان نائبا إلى أمين فهيم فى حضور البطريك الكاردينال فى يونيو 1980. «ودوام اتصال قداسة البابا بهذه الجمعية وولاء الجمعية للبابا ولاء أعمى مع عدائها قِبل من لا يوفده البابا شخصيا كل ذلك عوامل من شأنها أن ترسخ فى ذهن الحكومة أن البابا يعادى الوطن»..وأن الخصام بين رئيس الدولة ورئيس الكنيسة من شأنه أن يساعد اسرائيل على تحقيق اغراضها. وتحت عنوان «الكنيسة الأرثوذكسية منقسمة على ذاتها انقساما خطيرا» ذكرت الوثيقة.. هذا الانقسام يزداد يوما بعد يوم ابتداء من آباء السنودس (المجمع المقدس) بسبب موقف قداسة البابا تجاه اللجنة (وسبب القضايا المرفوعة) وجميع التعليمات والتوجيهات التى تخرج من الدير وتصل إلى المطارنة أو الكنائس وغيرها». وأكدت الوثيقة أن هذا الانقسام ينسحب على الكنائس الأخرى كاثوليكية وإنجيلية ويهدد وحدة المسيحيين، وكنائس المهجر. سياسة التشدد وتحت عنوان «سياسة التشدد أثبتت فشلها» أوضحت الوثيقة سبب فشل هذه السياسة بحسبان أن التشدد لا يتفق وطبيعة المصريين، وأن هذا السياسة تغذى الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأن هذه السياسة هى ما تتمناها إسرائيل، كما أنها أدت إلى انعدام الثقة بين المسلمين والمسيحيين. وعكست الوثيقة مخاوف المجتمعين من التهديدات المترتبة جراء الوضع الحالى ورغبة الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية فى «مشاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الموحدة فى التفكير فى الأمور المصرية التى نعيشها». أما البند الخامس من الوثيقة فقد أوضح موقف الحكومة من البابا وأولها «لا عودة للبابا الآن». وأن قداسته يمارس دوره الكهنوتى بالتنسيق الدائم مع اللجنة البابوية. وأوضحت الوثيقة سبب هذا الحسم مرجعه أمران: دأب قداسته على مهاجمة قرارات 5 سبتمبر بجميع الطرق مما يصعد التوتر بينه وبين الحكومة، وبالتالى، وحسب المجتمعين، فإن خروجه من الدير قد يستغل من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة لإشعال الفتنة وتهديد الأمن العام، بحسب ما يسود من تصور لدى الحكومة. الدولة القبطية وكما تكشف سطور الوثيقة أن المجتمعين يواجهون معادلة صعبة بين استمرار التصعيد المتبادل، وعودة قداسة البابا إلى وضعه السابق التى وصفها المجتمعون أنها غير ممكنة ومحسومة من قبل السلطة. وكان الحل الذى توصلوا إليه والذى يحفظ لجميع الأطراف كرامته بحسب تصورهم تمثل فى الآتى: يدعو البابا المجمع المقدس فى الدير حول جدول أعمال محدد يشمل: اتخاذ موقف إزاء المخطط لإنشاء دولة قبطية فى الصعيد «ويتلخص اتخاذ الموقف فى اصدار إعلان مشترك من الكنائس القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية فى مبادرة مشتركة مع الدولة من أجل تنسيق الجهود ضد هذ المخطط. أن يؤكد البابا على صحة اجتماع المجمع المقدس يوم 22 سبتمبر 1981، وتأييد اللجنة البابوية منذ انعقاد المجمع والتنازل عن الدعاوى المرفوعة. وأن تشكل لجنة دائمة تتولى الشئون العامة للبطريركية الإدارة والعلاقات العامة لاسيما مع الدولة تضم بجانب رجال الدين وبعض العلمانيين المخضرمين فى الأمور العامة، ثم اقترحوا أن يكون ذلك عبر اللجنة البابوية توسعة لاختصاصها. واستنكار مواقف أقباط المهجر بالنسبة للوضع فى مصر ويشمل ذلك تعيين اسقف معتدل لاقباط المهجر ليس للحكومة مآخذ عليه ووضع خطة طويلة لتحويل مواقفهم. موقف المجموعة وتوافق المجتمعون على ضرروة صياغة دراسة حول الموقف الحادث بين الكنيسة والدولة، من مجموعة عمل، وتم تداول الورقة بين القيادات الفاعلة فى هذا الملف. وقيمة هذه الرؤية أنها تقدم رؤية أخرى غير السائدة حول أحداث الفتنة الطائفية، كما أنها قدمت رؤية مختلفة لمواقف الرئيس السادات، وموقف البابا..هذه الورقة المعنونة بنظرة شاملة للأحداث توضح ذلك. أولى ملاحظات ذلك التقييم الذى تقدمه هذه الورقة فى الموقف الاحتجاجى الذى قامت به الكنيسة وهو الأول من نوعه فى تاريخ مصر المعاصرة، حول ما اعتبرته اضطهادا يمس الأقباط «وأن البابا شنودة الثالث هو الذى قاد هذا الموقف» «وظاهر الامر، كان الصراع يدور بين الكنيسة المصرية والدولة».. فى حين هذا الموقف متكرر منذ سنوات عديدة وموقف الرئيس السادات والدولة رافض لهذه الأساليب. كما أن الكنيسة بحسب الورقة لم تقدم الحيثيات الكاملة والقاطعة للمواقف التى تراها معادية للمسيحيين، وتركت لكل فرد إمكانيات «التفسير والتعليق وترويج ما يعتقده من تفاصيل» مما يؤدى إلى التضخيم. كما أن الكنيسة بحسب الورقة أرادت الحصول على تأييد الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية وجميع المؤسسات الكنسية، مما يفهم بحسبانه أنها المسئولة عن أمن المسيحيين المصريين. وتشدد الورقة على إدانة أى تدخل خارجى للدفاع عن مسيحيى مصر حتى من طرف أقباط يقيمون بالخارج بحسبان أن المسيحيين المقيمين بالخارج لا يمكنهم أن يلموا بما يحدث فى مصر سوى من مصدرين: وسائل الاعلام أو مصادر موثوقة داخل الكنيسة. والحالة الاولى: لا تمثل سندا ومبررا قويا. والثانية تجعلنا «.. نشارك الرئيس السادات فى استنتاجه الذى أعلنه فى خطابه يوم 14 مايو 1981 عندما أعلن صراحة عن مخطط للقيادات الجديدة للحصول على مساندة المسيحيين بالخارج ولاسيما الأقباط». ومن رأيهم أن تدخل أقباط الولاياتالمتحدة بالشكل الذى تم، كان الغرض منه إحراج رئيس الدولة المصرية، لاسيما أن زيارته كانت من أجل القضية الفلسطينية..«هل من المعقول أن يذهب الرئيس ليدافع عن حقوق الشعب الفلسطينى ويجد نفسه امام شكاوى ومهاجمات».. هل موقفهم هو مجرد احتجاج أم أكثر من ذلك..»؟ نرى أن موقفهم هو أكثر من ذلك فهو محاولة للضغط على الرئيس السادات ومحاولة للحصول على موقف ضغط من الرئيس كارتر على السادات. موقف الدولة وحول موقف الدولة فقد رأت الورقة أن الدولة من 71 حتى 1980 كان موقفها يتميز بالوفاق والتقريب بين الزعامات الدينية، وأن الدولة كانت تعيش مع نهاية السبعينيات ظروفا صعبة خارجية وداخلية.. من حروب وسلام وجبهة رفض ومشاكل اقتصادية، ووسط هذه المشاكل كانت الدولة تبدى تفهما واتخذت مواقف إيجابية كثيرة.. «ونرى أن ما كانت تتوقعه الكنيسة القبطية كان لا يمكن للرئيس والحكومة أن يقدموه لها»، «ونحن على يقين، الورقة، أن الدولة لم تشجع فى أى وقت أى عمل استفزازى ضد المسيحيين». كما ترى الورقة أن معظم الأحداث محل الشكوى سواء مستوى الجامعات والطلاب، والضغط على الأفراد، وصعوبات بناء الكنائس، والصراعات بين المواطنين التى تأخذ موقفا طائفيا «لم تقدم الكنيسة حتى اليوم تفاصيل واضحة وكاملة بالنسبة لأحداث ذكرتها». وتتوصل الورقة لعدة نتائج مهمة..منها أنها ترى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر اتخذت موقفا مناهضا للحكومة والرئيس أنور السادات، وأنها احتجت بشكل عام، لا فى شكل خاص ضيق بينها وبين الحكومة، واختارت توقيتا واعيا «أرادت به لموقفها صدى دينيا وسياسيا بأمل إحداث رد فعل كبير داخليا وخارجيا». وأنها أحدثت سابقة خطيرة بإلغاء الاحتفالات بعيد القيامة، كما أنها تكون قد «خلقت حركة تضامن بين جماهير الشعب المسيحى، وفاجأت به جماهير الشعب الإسلامى وصد للحكومة».. وتحدد الورقة أنها لا توافق على الموقف الذى اتخذته الكنيسة «وأقل ما يمكن قوله إنه يفتقد للحكمة». خطاب الرئيس وترى الورقة أن السادات اتبع النهج نفسه الذى اتبعته الكنيسة فى عرض الأحداث أمام الرأى العام الداخلى والخارجى، وأن محور خطابه يدور حول البعد السياسى لموقف الكنيسة القبطية..«ووصف هذا الموقف بأنه مخطط استمرت فيه القيادات الجديدة منذ عام 1972 نرى أن هذا جزء مهم مما قاله السادات فى هذا الصدد يحتوى على حقائق لا يمكن إغفالها». وأكدت الورقة أن قاعدة عدم الوضوح مشتركة بين الطرفين فى مناقشة المشاكل التى حوتها منشورات أقباط المهجر والتى تناولها السادات فى خطابه.. وحول تأكيد الرئيس السادات بصورة قوية أنه رئيس مسلم لدولة إسلامية ترى الورقة أن هدف الرئيس كان موجها للكنيسة القبطية الأرثوذكسية «وأنها لا يجب أن تطمع إلى أكثر من أن تظل المسيحية أقلية فى بلاد إسلامية فى دولة إسلامية لها مركز قيادى وريادى فى العالم الإسلامى». «وإلى المسلمين المتطرفين ليؤكد مرة أخرى أن الإسلام فى مصر بخير وبالعكس أن الإسلام المصرى هو الإسلام الحقيقى وليس إسلام الخمينى أو المتطرفين». وتوضح الورقة حرص السادات أثناء انتقاد تخوف الكنيسة من تعديل المادة الثانية من الدستور، يعلن أن هناك مصادر أخرى، وأن للمسيحيين حرية الاعتقاد حسب المادة 46 من الدستور «بالإضافة إلى قانون الأحوال الشخصية الذى يكفل للمسيحيين فى مصر وضعا خاصا». وترى الورقة أن الرئيس كان يتحدث عن الضغوط الخارجية لتعديل الأوضاع وأن رسالته كانت موجهة للفاتيكان وكارتر والأمم المتحدة «لا يمكن تغيير حقيقة أن المسيحيين فى مصر أقلية، وأن دين الدولة الإسلام، وان على الدولة والحكومة مسئولية سلامة المسيحيين فى مصر وليس المسيحيين فى العالم». وتوضح الورقة أن أى فهم «أنه من الواجب ألا نفهم تصريح الرئيس هذه بصورة مختلفة وإلا فنكاد ننجرف فى تيار تفسيرى فى فهم التصريح كأنه تحدٍ من الرئيس لمسيحيى العالم». وأن حديث السادات عن فصل السياسة عن الدين موجه للمسيحيين والمسلمين». «وخطوة إلى الأمام فى طريق تحديد اختصاصات رجال الدين المسيحى والإسلامى»، «ولا نعتبر هذا التصريح يحد من عمل الكنيسة ولكن نعتبره محاولة لوقف الكنيسة ومنعها عن التدخل فى شئون الدولة وتكوين قوة داخلية». وتستنتج الورقة عدة نقاط حول خطاب السادات: كرئيس دولة رأى نفسه فى الوضع الذى أرادت الكنيسة ان تضعه سواء داخليا او خارجيا وفى الظروف الراهنة كان من الصعب ان يتصرف بصورة مختلفة. أن اللهجة التى استخدمها وهو يتحدث عن الكنيسة لهجة عنيفة فى شكلها ولكن متسامحة فى مضمونها وفى نتائجها. أن خلاصة ما قاله الرئيس يدور حول عدم تدخل الدين فى السياسة ولا السياسة فى الدين. وذلك يحتاج إلى إعادة النظر فى حقيقة وواقع العقيدة المسيحية فى هذا الصدد. ثلاثة فى مهمة صعبة : الوساطة بين الدولة والكنيسة