أساء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى قضية شعبه وأوراقه التفاوضية بالموافقة على حضور اللقاء الثلاثي الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما. فعلى الرغم من رفض حكومة اليمين الإسرائيلي تجميد الاستيطان في الضفة الغربية واشتراط استثناء القدسالشرقية والمباني تحت الإنشاء في المستوطنات القائمة وما يسمى بالنمو الطبيعي للمستوطنات للموافقة على التجميد لمدة أشهر ست وهو ما يفرغ التجميد عملا من أي مضمون، وافق عباس على حضور لقاء ثلاثي بلا نتائج ومصافحة نتنياهو أمام عدسات المصورين بتشجيع من أوباما في مشهد رديء ومؤلم في ذات الآن. رديء لأن الرئيس الفلسطيني رضخ لضغوط إدارة أوباما التي أرادت تسجيل انتصارا دبلوماسيا أول بجمع عباس ونتنياهو في لقاء يرعاه أوباما حتى وإن غابت عنه كل عناصر النجاح والجدية. أدرك، وأعلم من مصادر وثيقة الصلة بالبعثة الفلسطينية في واشنطن، أن عباس لم يستطع أن يقول لا لأوباما بشأن اللقاء الثلاثي وأن القراءة الراهنة للسلطة الفلسطينية تذهب إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي هو الرئيس الأكثر تعاطفا مع حقوق الشعب الفلسطيني ومن ثم يصعب أن ترفض مطالبه وأن على الفلسطينيين السير معه إلى نهاية الطريق أملا في حل عادل لقضيتهم. أدرك ذلك، إلا أن الرضوخ لمطالب أوباما في لحظة تتعنت بها إسرائيل وتبدو بها الإدارة الأمريكية مترددة في الضغط الفعال على حكومة نتنياهو أظهر الرئيس عباس بمظهر شديد الضعف وأطاح بورقة تفاوضية هامة وظفها الفلسطينيون والعرب جيدا خلال الأشهر الماضية، آلا وهي رفض الانفتاح على نتنياهو ورفض استئناف المفاوضات إلى أن يستجيب لتجميد النشاط الاستيطاني على الأقل. أما مصدر الألم فكان الإهانة التي تعرض لها الرئيس عباس باضطراره لمصافحة رئيس وزراء إسرائيلي لا رغبة ولا نية له في مفاوضات سلام حقيقية مع الفلسطينيين ولم يقم منذ نجاحه في الانتخابات الأخيرة سوى بكل ما من شأنه تقليل فرص السلام. خسر عباس وكسب نتنياهو وأعطي أوباما انتصارا دبلوماسيا لا يستحقه. نعم نشطت الإدارة منذ اليوم الأول للوساطة بين الطرفين واتسمت محاولات المبعوث الخاص ميتشيل بالجدية والحد من وطأة الانحياز الأمريكي التقليدي لإسرائيل. مع ذلك، مازالت الإدارة مترددة في الضغط على نتنياهو خوفا من أصدقاء إسرائيل العديدين في الكونجرس وفي الرأي العام، ولم تقدم من ثم على التلويح بإمكانية معاقبة نتنياهو ماليا أو اقتصاديا (من خلال المعونة السنوية التي تقدمها الولاياتالمتحدة لإسرائيل) إن استمر على تعنته. يستحق أوباما الإشادة بجهوده في القضية الفلسطينية وتشجيعه على المضي بها، لكنه لا يستحق والبدايات وليس فقط النتائج مازالت غائبة تنازلات إضافية غير مبررة من الفلسطينيين. شاء حظ العرب التعيس، ورئاسة ليبيا لدورة الجمعية العامة الحالية، أن يلي الرئيس الليبي معمر القذافي الرئيس أوباما في ترتيب إلقاء كلمات قادة الدول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. كلمة أوباما كانت بمثابة احتفال بفن الخطابة السياسية المباشرة والمنظمة وبالقدرات الإلقائية المتميزة للرئيس الأمريكي. في أقل من نصف ساعة تناول الرجل التحديات الكبرى لعالم اليوم من أزمات اقتصادية ومخاطر بيئية وصراعات مستمرة وحقوق إنسان وحريات غائبة وبرامج للتسلح النووي محددا موقف دولته ودورها المحتمل إزاء كل هذه التحديات. أما القذافي فتحدث كالعادة، فضلا عن أنه كلمته استغرقت مدة أطول بكثير من سابقيه ودفعت العديد من أعضاء الوفود الدبلوماسية لمغادرة القاعة قبل أن يفرغ القذافي من إلقائها، بارتجالية خلطت الحابل بالنابل وبفلكلورية كانت في موقع غير مستحب بين الجد والمزاح. والحصيلة هي أن النقاط التي أراد القذافي توصيلها لوفود الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وللإعلام العالمي لم يفهمها أو لم يستوعبها أحد. والحقيقة أن بعض هذه النقاط كان هاما كحديثه عن عدم احترام الميثاق الأممي وعن المعايير المزدوجة في التعامل مع مسألة السلاح النووي مقارنا ضمنيا بين ما تلاقيه إيران ما تسكت عنه الجماعة الدولية فيما خص إسرائيل وكذلك طرحه الذي يكرره مرارا حول الأخيرة والفلسطينيين والذاهب إلى حتمية الدولة الواحدة الديمقراطية للإسرائيليين والفلسطينيين. كل هذه النقاط ضاعت في خضم حديث لا معنى له عن كون فيروس أنفلونزا الخنازير قد صنع في معامل عسكرية سرية وعن مجلس الأمن كمجلس للإرهاب وعلى وقع تمزيق القذافي لنسخة من ميثاق الأممالمتحدة. لست أدري إن كانت كلمات القذافي تعد من قبل كتبة للخطب في الرئاسة الليبية أو يعكف هو شخصيا على كتابتها، إلا أن الثابت هو أنها تخطئ هدفها مضمونا وأسلوبا بارتجالية وفلكلورية الإلقاء. وكأن هذه الفلكلورية داخل الأممالمتحدة ليست بكافية للرئيس الليبي، فعمد كعادته أيضا إلى لفت انتباه الرأي العام الأمريكي والعالمي لوجوده في الولاياتالمتحدة بالاختلاف مع المضيف الأمريكي على مكان نصب خيمته البدوية. أراده في ولاية نيو جيرسي القريبة من نيويورك فرفضت سلطات الولاية وبعد أخذ ورد كان مثار تندر الإعلام الأمريكي انتهى به الحال إلى نصب الخيمة في حديقة المبنى التابع للوفد الليبي الدائم لدى الأممالمتحدة. هناك وفود تذهب لاجتماعات الجمعية العامة للقيام بعمل دبلوماسي حقيقي وإيصال رسائل واضحة للرأي العام العالمي المتابع للاجتماعات، وأخرى نصيبنا نحن منها كعرب كبير تذهب لالتقاط الصور ولفت الأنظار دون مضمون. الحرب الدائرة في شمال اليمن، في محافظة صعدة، بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين شهدت خلال الأيام الماضية ارتكاب انتهاكات مفزعة بحق المدنيين. قتلت الطائرات الحكومية أكثر من 80 مدنيا في غارة جوية قيل أنها استهدفت مواقع للحوثيين واستغرق الأمر أياما حتى أمر الرئيس علي عبد الله صالح بإجراء تحقيق حول الواقعة. كذلك تسببت العمليات العسكرية في تشريد مئات الآلاف من المدنيين، خاصة من النساء والأطفال والعجائز الذين يعانون من شح الطعام والشراب والعلاج لمن كان في حاجة له. بعبارة أخرى، نحن أمام حرب لا حماية للمدنيين بها وهم بذلك يضطهدون مجددا من قبل الدولة اليمنية. المدنيون في صعدة يعانون منذ أعوام من ضعف إن لم يكن الغياب الكلي للخدمات الأساسية كالغذاء والشراب والتعليم والصحة، ولا شك أن سوء الأحوال المعيشية وعجز الدولة اليمنية عن الحد منه والانطباع العام السائد بفساد نظام حكم الرئيس علي عبد الله صالح كلها عوامل ساهمت في تمرد الحوثيين على الدولة، تماما كما تتمرد قطاعات واسعة من سكان الجنوب اليمني عليها. باليمن، وهي أفقر البلاد العربية، يعيش ما يقرب من 50 بالمائة من السكان على ما يوازي أقل من دولارين في اليوم و18 بالمائة على أقل من دولار. أكثر من نصف السكان من الفقراء والدولة تزيد من معاناتهم بتجريد حملات عسكرية وبانتهاك لحقوقهم. أفهم أن اليمن يمر بلحظة دقيقة يهدد أمنه بها التمرد الحوثي في الشمال والحراك الانفصالي في الجنوب والقاعدة النشطة في كل أرجاء اليمن، وأن الدولة إزاء ذلك تسعى للتأكيد على سطوتها الأمنية بممارسات قمعية وعلى قدرتها توظيف مصادر قوتها العسكرية لقمع التمردات. إلا أن نتيجة ذلك الوحيدة هي مزيد من التمرد وإخفاقات متتالية للدولة. الحل هو النظر في أسباب التمرد الكامنة في سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومحاولة علاجها. للجنوب مطالب مشروعة تتعلق بتوزيع الثروة والحد من الفساد والتمثيل السياسي للجنوبيين في المؤسسات التشريعية والتنفيذية وللحوثيين مطالب مشروعة ترتبط باستقلالية ذاتية يرونها السبيل الأفضل لعلاقة مستقرة مع الدولة وسلطتها المركزية. مثل هذه المطالب لا تختفي ولا تتراجع مع حملات عسكرية، بل تشتد وتكتسب مصداقية أكبر بين مدنيين صاروا يرون في الدولة وممارساتها مصدر الظلم والاضطهاد الواقع عليهم. وعلى الرغم من أن القاعدة هي التي ينبغي مواجهتها أمنيا لتحجيم نشاطها في اليمن، إلا أن ذلك يبدو في الوقت الراهن وكأنه إما لا يمثل أولوية للدولة أو أنها لا تقوى عليه مع استنزافها في جبهات أخرى. نعم إخفاق فلسطيني وفلكلور ليبي وكارثة يمنية أظهروا خلال الأسبوع الماضي مدى عجز ورداءة السياسة العربية. إلا أن أسوء ما في هذا الأسبوع العربي هو أنه شديد الاعتيادية ومرشح للتكرار بانتظام طالما ظل حكامنا في مواقعهم وظللنا نحن على قبولهم دون معارضة أو امتعاض.