بلغت الإجراءات الأمنية التي فرضتها إدارة مهرجان كان الدولي للسينما، أمس الجمعة، خلال العرض الأول العالمي لفيلم "خارجون عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب، حدا لم يكن يتصوره أحد، إذ خضع الصحفيون الذين تابعوا العرض، ابتداء من الساعة الثامنة والنصف صباحا، لتفتيش غير مسبوق لم يعرفوه خلال متابعتهم للعروض السينمائية الأخرى. وأحيط قصر المهرجانات بمدينة كان جنوبفرنسا، حيث عرض فيلم "خارجون عن القانون"، بقوات مكافحة الشغب على غير العادة، بعد أن مثل وجود الشرطة في الأيام السابقة، مجرد إجراء روتيني لتنظيم حركة المرور. وقد خرج المهرجان في طبعته الثالثة والستين هذا العام، عن المعهود بعد ردود الأفعال التي تزامنت مع اقتراب عرض الفيلم، والصادرة من قبل اليمين الفرنسي الذي اعتبر الفيلم بمثابة محاولة لتشويه التاريخ الاستعماري الفرنسي. ويروي الفيلم الذي شاركت الجزائر في إنتاجه، بنسبة 25 بالمائة، حسب تصريح مصطفى أوريف، مدير الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، وعرض تحت المظلة الجزائرية، جوانب من تشكل النضال الجزائري ضد الاستعمار بفرنسا، عبر أحداث تاريخية تبدأ سنة 1925، حينما تتعرض عائلة سني للطرد من أرضها، بعد قرار الإدارة الاستعمارية المجحف. وينطلق الفيلم من فكرة إدانة الاستعمار بواسطة إبراز تجريد الجزائريين من أراضيهم، كخطوة أولى لتقديم مجرى أحداث الثامن مايو 1945، التي تعيشها عائلة سني المتكونة من الأب (تمثيل أحمد بن عيسى) والأم (شافية بودراع) والأبناء الثلاثة سعيد (جمال دبوز)، عبد القادر (سامي بوعجيلة) ومسعود (رشدي زام)، وهو نفس الكاستينج الذي اعتمد عليه بوشارب في فيلم "إنديجان"، والذي حصل على جائزة أحسن دور رجالي في مهرجان كان سنة 2006. وتوقفت كاميرا رشيد بوشارب مطوّلا عند أحداث مايو 1945، وهو ما أغاظ قدماء الجزائر الفرنسية، حيث صوّر تعرض الجزائريين للقمع البوليسي والعسكري، إثر خروجهم في مظاهرات مطالبة فرنسا بالوفاء بوعودها. وقد دار نقاش في وقت سابق في الأوساط الفرنسية، لاستنكار تصوير الفيلم إقدام الفرنسيين سواء أكانوا من رجال البوليس أو الجيش أو من المعمرين والمدنيين، على إطلاق النار على الجزائريين. واعتبروا أن ذلك يعد بمثابة تزييف لما يعتقدون أنه حقيقة تاريخية، وتحدثوا عن وقوع اعتداءات من الفرنسيين على الجزائريين يوم التاسع مايو، وهو ما يعتبرونه رد فعل على تجاوزات قام بها الجزائريون يوم الثامن مايو. واستمرارا في التقديم لمجرى قيام جبهة التحرير الوطني واندلاع الثورة، عاد بوشارب إلى هزيمة الجيش الفرنسي في معركة ديان بيان فو، التي شارك فيها مسعود، حيث تعرف على العقيد فريان، الذي سيلعب دورا أساسيا في إنشاء منظمة اليد الحمراء الإرهابية، كجزء من الإحساس بالخزي لما لحق به في فيتنام. وينتقل الفيلم من حادثة تاريخية إلى أخرى، بشكل متقطع، تمهيدا للحكاية الأساسية، فيصور قيام جمال دبوز باغتيال الفايد (تمثيل العربي زكال)، الذي طرد عائلة سني من أرضها، وهو ما تسبب في انتقال العائلة إلى المدينة، ومقتل الأب في أحداث الثامن من مايو. ثم تنقلنا أحداث الفيلم إلى فرنسا وبالضبط إلى نونتير، حيث استقر جمال دبوز رفقة والدته، بينما زُج بأخيه عبد القادر في السجن بعد مشاركته في أحداث الثامن من مايو. ومن نونتير، وبالضبط من الأحياء القصديرية التي يعيش فيها المهاجرون الجزائريون تنطلق القصة الأساسية في الفيلم، والتي تقوم على تكثيف الأحداث، وعدم الاعتماد على الأحداث التاريخية فقط. ومن هنا يصور الفيلم خيارين مختلفين للإخوة الثلاثة، يؤديان إلى مصير واحد في النهاية. يلتحق سعيد (جمال دبوز) بإحدى عصابات شارع بيجال بباريس، بعد أن رفض العمل في مصانع رونو، ولا يفكر إلا في أمرين اثنين وهما، تكوين الثروة، وتلبية رغبته في متابعة مباريات الملاكمة. أما الخيار الثاني فهو خيار ثوري ووطني يسير على نهجه كل من عبد القادر بعد مغادرته السجن، ومسعود إثر عودته من حرب فيتنام. وكلاهما يشكلان النواة الأولى لجبهة التحرير الوطني في فرنسا.