استقال جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المعروف بمواقفه المناوئة للتشدد، من رئاسة تحرير صحيفة الوطن السعودية التي جعل منها في السنوات الماضية منبرا لمواقف تقدمية، وذلك بعد قيام الصحيفة بنشر مقال حول السلفية أثار الجدل. وقال خاشقجي لوكالة الفرنسية عبر الهاتف: إن استقالته ليست متعلقة بأي شيء كتبه هو شخصيا. وأكدت مصادر إعلامية موثوقة لوكالة الفرنسية أن الاستقالة جاءت على خلفية مقال نشرته صحيفة الوطن الخميس الماضي وانتقد فيه الكاتب إبراهيم الألمعي السلفية في قالب فكري شعري. وكان خاشقجي (52 عاما) ذكر في بيان أنه يستقيل من منصبه ليتفرغ لمشاريعه الخاصة، أما رئيس الشركة الناشرة للوطن، الأمير بندر بن خالد الفيصل، فقد وجه تحية إلى خاشقجي وأعلن تعيين سليمان العقيلي في مكانه. وذكر صحفيون من الوطن أن خاشقجي قد يكون استقال تحت وطأة ضغوط من بعض الدوائر في السلطة بسبب انتقاداته المستمرة للممارسات التي تعتبر متشددة، كما ذكر هؤلاء أن الاستقالة لم تكن متوقعة. يُشار إلى أن خاشقجي كاد يستقيل في يونيو الماضي بسبب مقال حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعتقد أن المقال أزعج بعض كبار المسؤولين، لا سيما الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية. ومقال الألمعي -الذي لا يخلو من الشاعرية- كناية عن قصة شخص يحمل الفكر السلفي يتغير بعد زيارته مقام سيدي عبد الرحمن في الجزائر، وإذ يتهم الألمعي السلفيين ضمنا بتغيير طقوس الحياة إلى شكل رتيب جاؤوا يحملونه خاليا من الروح الشَّعبية، قال إن ذلك السلفي، وبعد زيارة المقام في الجزائر، انصهر مع زوار المقام ومع غيرهم من أهل المساجد والكنائس ومواقع الطقوس شرقا وغربا في هذا العالم، ووجد أن كل تلك الطقوس ليست أمورا عقائدية على الإطلاق، وإنما هي تعبير حسي عن الأمل والصلة بالبعيد غير المنظور، وبحث عن الصفاء والنقاء والنجاة بأساليب لم تكف فيها عندهم وسائل العبادة المتفق عليها. كما خلص إلى أن ما لا تثبت قطعية دلالته من هذه الأمور ليست سوى مساحة من الحرِية التي لا يمكن حجزها على الشعوب، وأن في كل شعب ومكان رموزا وعظماء يعطيهم التاريخ والفطرة حق التخليد بشكل أو بآخر. يُذكر أيضا أن خاشقجي كان قد اضطر إلى الاستقالة من جريدة الوطن عام 2003 بسبب افتتاحية تناول فيها أفكار الفقيه ابن تيمية، إلا أنه عاد إلى رئاسة تحرير الصحيفة في 2007 بعد أن عمل مستشارا للأمير تركي الفيصل الذي تسيطر عائلته على الصحيفة. وتضمنت حياة خاشقجي المهنية الحافلة سلسلة من المقابلات مع أسامة بن لادن في أواخر الثمانينات، قبل إنشاء تنظيم القاعدة. وكان خاشقجي بين عدد قليل من كبار الصحفيين العرب الذين اختيروا للقاء باراك اوباما الرئيس الأمريكي في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط في يونيو 2009. وكانت "الوطن" تحت إشراف خاشقجي من أبرز وسائل الإعلام المنتقدة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقامت الصحيفة في أكثر من مناسبة بنشر تقارير حول تجاوزات مفترضة اتهم بارتكابها أعضاء في الهيئة. كما يعد خاشقجي من أبرز المدافعين عن المبادرات الانفتاحية على المستوى الاجتماعي للعاهل السعودي عبد الله بن العزيز، ومن المطلعين على سياسة المملكة الخارجية.
