كتاب جديد يتناول لماذا الغرور البشرى ورغبتنا أن نكون محور الأحداث هما المحرك الرئيسى وراء توقعنا لنهاية العالم هل نعايش أحداث نهاية العالم؟ سؤال قد يبدو ساذجًا للبعض ولكنه ولا شك يراود الكثيرين لاسيما مع توالى الأحداث الكارثية التى يشهدها كوكبنا الآن؛ بدءًا من وباء كورونا الذى أخذ العالم على حين غِرَّة وقضى على الملايين، مرورًا بأزمة المناخ المتصاعدة، وانتهاءً بالحروب وعدم الاستقرار السياسى فى كل قارة والذى يهدد حضارتنا بأكملها، حتى أعظم صور التقدم التكنولوجى فى عصرنا وهو الذكاء الاصطناعى لم يخلو من المشكلات؛ فقيل لنا إن إطلاق العنان لذكاء اصطناعى مطّرد القوة ينطوى على خطر لا يستهان به قد يتمخض عن كارثة لا يمكن إيقافها، وقد تصل إلى حد سيطرة الآلات على الأرض وانقراض البشر بالكامل. فلا عجب إذن أن الشباب يشعرون بالاكتئاب بشأن الحالة المتردية التى آل إليها كوكبنا فى العصور الحالية، ولكن للصحفى ومؤلف كتاب «كل شىء لابد وأن ينتهى Everything Must Go» دوريان لينسكى رأيًا آخر؛ فوفقًا له صحيح أننا نعيش فى أوقات محفوفة بالمخاطر، ولكن العالم لم يكن أبدًا متنزهًا أو مكانًا آمنًا أو وديعًا، الفارق هو زيادة تعرضنا لتلك الأخبار السيئة بسبب تقدم التكنولوجيا وسبل تغطية الأخبار وتدفق ذلك الكم الهائل من الأخبار (السيئة أكثر من السعيدة) التى تجتاحنا يوميًا ولا يمكن الهروب منها سواء عبر شاشات التلفاز أو الهواتف المحمولة. وقال «لينسكى» إن الأمر لا يقتصر على الأخبار السيئة التى تفرض نفسها علينا يوميًا فحسب، فهناك ميل نفسى بشرى طبيعى للتفكير فى نهاية العالم والحضارة والكون وكل ما نعرفه، ربما لأننا نعلم علم اليقين أننا سنموت يومًا ما، ولكننا جميعًا نود أيضًا أن نعتقد أن فترة وجودنا على الأرض مميزة إلى حد كبير، لذا يمكن التكهن بأن نهاية العالم وسيلة للربط بين هذين الأمرين؛ لإنشاء خيط سردى يربط بين حبكتين عشوائيتين غير متصلتين. والأمر لا يخلو بالقطع من بعض الغرور البشرى؛ فعن طريق وضع أنفسنا فى نهاية أكبر قصة على الإطلاق وهى قصة الخلق والحياة فإننا نضع أنفسنا بالتبعية على رأس أحداثها. وقد احتكرت الأديان هذا الموضوع لعدة قرون؛ فطالما آمن البشر أن نهاية العالم سوف تأتى من خلال التدخل الإلهى، وليس من خلال الأفعال البشرية أو الطبيعية؛ فتحدث سفر الرؤيا على سبيل المثال عن المسيح الدجال، وفرسان بابل الأربعة، والختوم السبعة، والرقم 666، ومعركة هرمجدون. وتحدث الكتاب أيضًا عن المنظور الأكثر حداثة لنهاية العالم الذى تمخضت عنه قريحة الفنانين والكُتّاب على مدار المائتى عام الماضية، هذا المنظور العلمانى اقترح ثلاثة طرق رئيسية لنهاية كل شىء؛ ألا وهى فناء الكوكب، أو انقراض البشرية، أو انهيار الحضارة. وظهرت العديد من الأفلام والبرامج الإذاعية والكتب المصورة وأغانى البوب والمسرحيات والروايات واللوحات والبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو التى تناقش هذه السيناريوهات المختلفة، بالإضافة إلى أنها ألهمت قدرًا هائلاً من الاختراعات المُوجهة بشكل أساسى لصناعة الترفيه؛ وكأننا نحب أن نغرق فى أسوأ كوابيسنا. ويتأثر الشكل العام الذى تتخذه مثل هذه القصص دائمًا بالأحداث والاهتمامات العلمية والبيئية فى عصرها؛ على سبيل المثال فى مايو 1941، قبل عدة أشهر من بدء مشروع مانهاتن السرى الشهير، نشر المؤلف روبرت هاينلاين قصة عن مخطط سرى لبناء سلاح من اليورانيوم 235، وكان العديد من علماء المشروع من القراء المخلصين لمجلة Astounding Science Fiction التى كان يكتب بها المؤلف بشكل دورى، وقد تفاعلوا معها بشكل كبير. وعلى النقيض، يمكن للخيال أن يؤثر على الحياة الحقيقية، ويتجلى ذلك فى روايات كاتب الخيال العلمى البريطانى آرثر سى كلارك التى ألهمت جهودًا عدة لاكتشاف الكويكبات، وعلى نحو مماثل، فإن مخاوفنا الحالية بشأن الذكاء الاصطناعى هى انعكاس حقيقى لمخاوف المؤلفين من المجهول؛ مثلما رأينا فى عدة أفلام شهيرة مثل الذكاء الاصطناعى «سكاينت Skynet» فى سلسلة أفلام «ذا ترمانيتور»، أو «هال 9000 HAL 9000» فى أوديسة الفضاء 2001: A Space Odyssey. ومع تغير النظرة العلمية، تتغير أيضًا أولوياتنا الخيالية، ولذا ميّز «لينسكى» بين ثلاثة عصور رئيسية (الفترة من 1816 حتى 1945، والعصر الذرى، والقرن الحادى والعشرين)، وذكر سبعة أنواع مختلفة من السيناريوهات «الأبوكاليبتية» تتراوح مابين الخطر القادم عبر السماء من المذنبات والكواكب الأخرى وغيرها إلى الشتاء النووى، والزومبى، وحتى انهيار المناخ. وقد أشادت صحيفة الجارديان البريطانية بالكتاب نظرًا لما يحتويه من أفكار ومعلومات عامة ثرية للقارئ؛ مثل الاسم والحجم الدقيق لأكبر نيزك تم اكتشافه حتى الآن، وسجل الأعمال الكاملة لكاتب الخيال العلمى والمؤلف والسياسى الأمريكى إجناتيوس إل دونيلى فى أواخر القرن التاسع عشر، وفيلم الحرب للممثل الإيطالى رودولف فالنتينو عام 1921 بعنوان «فرسان نهاية العالم الأربعة»، وكفى أن عبارة «الحرب العالمية الثانية» ذاتها كمصطلح صاغها كاتب الخيال العلمى الإنجليزى الأشهر إتش جى ويلز عام 1930 قبل تسع سنوات من اندلاعها بالفعل.