ماذا بقى من رمضان الذى عرفناه صغارا ثم كبارا؟ لست من هواة ترديد المراثى ولا تجويد المراجع لذا لن أتحدث اليوم عما فقدناه من معالم الشهر الكريم التى انسحبت الواحدة بعد الأخرى فلم يبق منها إلا المسلسلات وإعلانات السمن الصناعى والكمبوندات السكنية حتى مدفع الإفطار الذى اندثرت صورته التقليدية وضاع صوته الذى أحبته وانتظرته شوارع القاهرة وحوارييها. تبقى صورة زاهية بهية عاصرتها القاهرة هذا العام نشرت صورها وسائل التواصل الاجتماعى. أسرتنى تلك الصورة حتى إننى تمنيت بصدق لو أننى كنت أحد الحاضرين: أقصد ذلك الإفطار الجماعى لحى المطرية والذى اجتمع فيه على حد ما ذكرت وسائل التواصل الاجتماعى وأظهرت الصورة عشرة آلاف من أبناء الحى سيدات ورجال وأطفال. تآلف أهل الحى أنفسهم على تحديد التاريخ والمكان وتعاونوا جميعا دون أى دعم من الحكومة أو أى من جمعيات المجتمع المدنى أو تحالفه التنموى أو حتى عضو مجلس الشعب للحى. جاء العمل تلقائيا خالصا من أهل حى المطرية على فطرتهم وبجهدهم الذاتى فخرج الإفطار فى أجمل صورة تشى بذلك الود الصادق والرغبة الحقيقية فى العودة إلى الأصول التى طالما عمل بها أهل المحروسة. أسرتنى الصورة بالفعل.. وأكدت لى ما آمنت به دائما من أن أهل هذا البلد بالفعل من أكثر شعوب الأرض عراقة وأن الكرم التلقائى والإنسانية وحب الآخر والقدرة على التواصل والرغبة فى مساعدة من يحتاج صفات أساسية يتوارثها الإنسان المصرى دون جهد على جيناته. تمنيت بتلك الروح التى أسرتنى لو تحول المجتمع المصرى لتبنى فكرة مساعدة كل المدخنين فى مجتمعنا على التوقف عن التدخين: روح أهل المطرية الجميلة التى أخرجت أسر حى المطرية بالكامل إلى مائدة عظيمة بطول أكبر شوارعها للإفطار سويا والاحتفال بالشهر الكريم. وأظنهم بالفعل قادرين بما اجتمع لديهم من قدرة إنسانية مدهشة. عزيزى القارئ.. إذا كنت مدخنا فتلك فرصة مواتية على طبق من فضة إذا أردت بالفعل أن تؤكد على فهمك للمعنى الحقيقى لمعنى الصوم فابدأ بالصوم عن الطعام وأحيى ذكرى رمضان بصيامك عن السيجارة. من المعروف أن الساعات الأولى التى يمتنع فيها الإنسان عن التدخين هى أقساها فالتدخين عادة تصل إلى الإدمان. انسحاب النيكوتين من دم الإنسان يسفر عن تداعيات كثيرة منها الإحساس بالغثيان وصداع الرأس القاسى وفتور الهمة والعصبية الشديدة: كلها أعراض إذا استعنت عليها بكل ما يصادفك فى الطريق إلى الله من صبر وصلاة وتهجد وتأمل ماذا ينقصك إذن؟ كل الأدوية التى يستخدمها الأطباء لمعاونة مرضى التدخين على الإقلاع عن التدخين كلها مضادات للاكتئاب وأدوية داعمة للحالة النفسية ومكافحة للقلق وبعضها من أعراضه الجانبية استنفار الرغبة فى الانتحار فأى تلك الأدوية تختار؟ أن تعتمد على نفسك تماما بأن تبدأ فى حب ذاتك إلى الدرجة التى تدفعك إلى الحفاظ عليها فتصوم رمضان بنية الإقلاع عن التدخين أم تصوم عن الطعام والماء طوال النهار لتفطر على سيجارة يحرق دخانها رئتيك ويطال سلامة قلبك. تحية واجبة لأهل المطرية على تلك الروح الرائعة الإنسانية التى جمعتهم فى رمضان.. والتى أتمنى لو أنها تحولت إلى مبدأ إنسانى جميل يدعو أن يذكر كل أخ أخيه المدخن أن يعتمد على نفسه ويبدأ فى الإقلاع عن التدخين.. بنفسه. سلمتم جميعا وكل رمضان وأنتم جميعا بخير.
