فجر مسلسل الحشاشين المعروض ضمن الموسم الرمضاني الحالي حالة من المناقشات والتساؤلات فمنذ عرض الحلقة الأولى للمسلسل الذي يلعب بطولته الفنان كريم عبد العزيز وكوكبة من النجوم مثل فتحي عبد الوهاب ونيقولا معوض، وغيرهم، ومن كتابة الكاتب والسيناريست الكبير عبد الرحيم كمال، ومن إخراج بيتر ميمي، وإنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وشركة سينرجي. فقد أضحى العمل حديث الساعة فلا صوت يعلو فوق صوت فرقة الحشاشين ومؤسسهم وزعيمهم حسن الصباح داهية عصره فبين مؤيد ومشيد بالعمل، وبين رافض له ومنتقد وناقد، ويحتدم النقاش أكثر وأكثر مع عرض كل حلقة فلا تفوت على المشاهدين أي تفصيلة مهما كانت صغيرة، ولهذا بدأت العودة للمراجع والكتابات التي كتبت عن الحشاشين وعن حسن بن الصباح سواء بشكل مباشر أو عن طريق التقاطع، ومن أهم تلك الكتابات رواية "سمرقند" للكاتب والروائي اللبناني الفرنسي أمين معلوف. "سمر قند" الرواية التي نشرت عام 1988 هي رواية مقسمة لقسمين فلدينا القسم الأول، والذي نعيشه في القرن الحادي عشر، والقسم الثاني والذي نعيشه ف نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين فنحن هنا أمام بنيامين ع. لوساج. الأمريكي من أصل فرنسي الباحث عن مخطوط رباعيات الشاعر الأشهر عمر الخيام، ومن هنا تتقاطع الطرق والمصائر بين عمر الخيام الشاعر صاحب الرباعيات الخالدة، وبين حسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين، ونظام الملك الوزير الأعظم لدولة السلجوقية الدولة الإسلامية الأقوى في ذلك الوقت، وهذا ما يحكي عنه بنيامين في القسم الأول من الكتاب، وهو ما سنسلط عليه الضوء. يبدأ السرد بعمر الخيام الذي هو في ريعان شبابه، ورغم ذلك فهو مشهور بكونه شاعر وفيلسوف وفلكي وعالم جبر يذهب لمدينة سمرقند نرى هنا كيف كانت حاضرة سمرقند عظيمة، وكيف أيضا كان الناس يكرهون الفلاسفة ويكفرونهم ويضربونهم حتى طال الخيام نفسه ذلك، وربما تلك إشارة لذلك المناخ المعد سلفا لظهور شخص كحسن الصباح ، نرى بعدها استقبال القاضي لعمر خيام وإكرامه له، وعلاقته مع جهان التي عشقها، ونري أحوال سمرقند وحاكمها نتعرف على شخصية الخيام، وعلى رباعياته التي أراد لها أن يخلدها التاريخ رغم نبوغه في العلوم الأخرى ثم نرى لقائه بالوزير نظام الملك والذي أخبره أن يأتي للقائه بعد عام كامل في أصفهان، وهنا نري أن معلوف قد تبنى الرواية التي تنفي أن نظام الملك وحسن الصباح وعمر الخيام كانوا زملاء دراسة وأنهم كانوا بينهم عهد، وذلك لفرق العمر بين الثلاثة. وهنا يبدأ الاشتباك مع حسن الصباح الذي يقابله عمر الخيام في طريقه لأصفهان في أحد النزل التي يشاركه فيها الغرفة، ويتعرفا على بعضهما البعض ويلاحظ الخيام نبوغ الصباح وفطنته، وبعد وصولهما لأصفهان يرفض الخيام عرض نظام الملك لتولي الخبر ويكتفي بالمرصد والفلك والشعر، ويرشح الصباح ليعطيه مفاتيح وأسرار أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت، وتبدأ المنافسة والمكائد بين نظام الملك وحسن الصباح لتنتهي بانتصار الوزير الأعظم وشفاعة الخيام لصباح من القتل أو العمى في تلك الفترة نلمس ذلك العلم والنبوغ الذي يتمتع به حسن الصباح، وكيف أعتنق المذهب الإسماعيلي، وما هي خططه، كما نرى العلاقة بين الثلاثة أطراف السلطة المتمثلة في نظام الملك، الإبداع المتمثل في عمر الخيام، والتطرف وحب النفس المتمثل في حسن الصباح. بعد ذلك نرى تأسيس حسن الصباح لفرقة الحشاشين، وقصة استيلائه على قلعة آلموت الشهيرة ووصف دقيق سلس للقلعة، وعيشة أهل القلعة من الحشاشين، وكيف قضى الصباح خمسة وثلاثين عام من حياته لا يبرحها، وما القوانين التي سنها لاتباعه القوانين القاسية التي فرضها حتي على نفسه ونفذها على أولاده، ونري تدبيره لاغتيال نظام الملك بالتعاون مع السلطان السلجوقي ملك شاه الذي سئم من قوة الوزير الأعظم، ولكننا مع ذلك نرى ذلك الزعيم الأسطورة الذي يستطيع الوصول إلى أي أحد في أي مكان مهما كان نراه يتجرد من إنسانيته كلها، ونراه أيضا يمل تلك الحياة فيطلب لقاء الصديق القديم عمر الخيام الملاحق والمتهم بالكفر والزندقة والمطلوب قتله الهارب من مدينة إلى أخرى، ولكن الخيام يرفض رغم كل شئ رغم أنه يعتبر الصباح صديقه، ورغم أنه شفع له وأنقذه من الموت، ولكنه يرى أن حسن الصباح على باطل وأبعد ما يكون عن كلام الله. بعد ذلك نرى بعد موت حسن الصباح كيف سارت حركة الحشاشين من بعده، وكيف تحولت على يد أتباعه، وهنا كأننا نلقى نظرة كاملة على معيشة الناس في دولة آلموت منذ تأسيسها على يد الشيخ الأكبر حسن بن الصباح، وحتى بعد موته. في رواية سمرقند استطاع أمين معلوف نسج عالم روائي يقوم على العالم الواقعي للقرن الحادي عشر بلغة سلسة قوية، وسرد انسيابي رغم تقريريته، ومن خلال العلاقة بين الشاعر عمر الخيام وحسن الصباح ونظام الملك نستطيع التعرف على تلك الحقبة والظروف التي نشأت فيها الحركة الأخطر التي أرعبت العالم أجمع حركة الحشاشين، ونستطيع التعرف على شخصية حسن الصباح الهادئة الخبيثة شديدة الذكاء والفراسة وغزيرة العلم، ونتعرف على الشخصية المركبة لعمر الخيام بين العبقرية الفذة والتيه داخل أوغار النفس، وشخصية نظام الملك صاحب المؤلف الشهير حول الحكم "سير الملوك"، كل ذلك نجح في طرقه أمين معلوف.