ذلك المرض الغامض الغادر الذى يتمايز بغرابة أطواره وتلون صفاته. يترصد الإنسان فى بدايات شبابه فيهاجمه فى مراهقته للمرة الأولى بنوبة خفيفة مبهمة المعالم يحار الطب فى تشخيصها، ضربة استطلاعية يتحسس بها طريقه ويتفقد نقاط الضعف غير الحصينة ليعاود الكرة مرة أخرى فى مراحل النضج. يعاود الهجوم بشراسة ومباغتة تفقد الجسد توازنه وتخل بكل موازينه. ضربة قاتلة إما يثب فيها الجسد مستنهضا كل قواه فيجهضها لتنحسر أعراضها أو تكون القاضية فتتمكن منه لتتركه حطاما أسير مقعد متحرك إلى آخر أنفاسه وأيامه. التصلب المتعدد multiple sclerosis أو التهاب الأعصاب المتصلب المتعدد المتناثر. أكثر من اسم لمرض واحد يحار الطب فى وصفه لذا يسميه بصفاته. فهو مرض يصيب الجهاز العصبى المركزى. من المعروف أن السيال العصبى الذى يحمل النبضات العصبية من المخ لسائر أنحاء جسم الإنسان يسرى فى الأعصاب محتميا بغلاف من مادة دهنية مهمة هى الميالين Myelin. يجب أن يظل هذا الغمد أو الغلاف سليما من أى تلف حتى يحافظ على سلامة الأعصاب بداخله فتظل العلاقة بين المخ وأعضاء الجسم المختلفة قائمة فى تناغم يحفظ على الإنسان سلامة حركته وتوافق وظائفه الحيوية. يستهدف المرض ذلك الغلاف الدهنى فيعمل على تدمير أجزاء متناثرة منه فى أماكن متعددة، أهميتها وموقعها هما اللذان يحددان خطورة الأعراض الناجمة ومستقبلها. على الرغم من أن مادة الميالين تحاول استجماع نفسها والتئام أطرافها فإن الأعراض تنشأ قبل أن تلتئم إذا حدثت ندوب فيها. تلك الندوب تعوق التئام الأماكن التى تمزقت بفعل هجوم المرض فتظهر الأعراض التى تختلف حدتها من إنسان لآخر بصورة لا يمكن معها توقع الخطوة المقبلة فى تاريخ ذلك المرض الذى تخفى فى صور عديدة ويفاجئ المريض والطبيب فى آن واحد. تتراوح نسبة العجز الكامل الناشئة عن التصلب المتناثر بين 25 و30٪ من نسبة المصابين به بينما تظل النسبة الأكبر تعانى إما من نوبات متكررة أو شفاء بعد الإصابة بالنوبة الأولى فى مجموعات يصنفها العلم كالآتى: حالات حميدة: وهى تلك الحالات التى تقتصر الإصابة فيها على نوبة واحدة من الأعراض المختلفة مثل تنميل الأيدى واضطرابات النظر نتيجة التهاب العصب البصرى. فتور الهمة والإحساس بالإجهاد ربما التلعثم عند الحديث ونسيان الأسماء والأحداث. قد يعترى الإنسان تغيرات فى المزاج بدون أسباب واضحة كمشاعر الاكتئاب والعزوف عن الطعام والرغبة فى البقاء منعزلا. وقد يتطور الأمر لعدم التحكم فى الوظائف الحيوية كالإخراج «البول والبراز» والعلاقة الزوجية الحميمة. قد يتعرض الإنسان أيضا لحالة من فقدان القدرة على الحركة أو الشلل المفاجئ لكن ذلك قد ينتهى فجأة كما بدأ ولا يعاود المرض مهاجمة الإنسان مرة أخرى بل يقف الأمر عن هذا الحد. تمثل تلك الحالات نحو 20٪ من حالات التصلب المتعدد المتناثر. حالات تتعرض لانتكاسات محدودة: هناك بعض الحالات التى تتعرض لنوبات متكررة من أعراض مرض تصلب الأعصاب المتناثر لكنها أيضا تمر بفترات طويلة تنحسر فيها الأعراض تماما، ويمكن للإنسان أن يعاود أنشطته بطريقة طبيعية خالية من الإعاقة. حالات تتعرض لانتكاسات متوالية متصاعدة: قد تكون النوبات أقل حدة من سابقتها لكن التعافى منها لا يتم بصورة كاملة إنما يبقى مع المريض بعض من الأعراض فلا يحظى بفترات راحة خالية من الهموم إنما تتراكم الأعراض رغم العلاج فيعانى المريض من نسبة عجز دائمة متزايدة. حالات تعانى من أعراض مزمنة متصاعدة: تلك الحالات التى يتغلب فيها المرض على الإنسان فيقعده تماما عن الحركة وينتهى به الأمر إلى موات تدريجى وشلل يزحف على أعضائه فى صورة لا يمكن توقعها وإن كانت نهايتها القائمة معروفة. تصلب الأعراض المتناثر المتعدد يصيب السيدات بنسبة تبلغ ضعف إصابته للرجال يبدأ مبكرا ببعض معالم تتحدد فى سن تتراوح بين العشرين والأربعين ولا يمكن توقع أى نتائج للإصابة به إنما أمره متروك تماما له. أسباب الداء: يظل حتى اليوم أصل الداء غير معروف وتظل أسبابه صندوقا مغلقا مفتاحه فى قاع المحيط. لكن هناك بعضا من النظريات التى تشير إلى أن احتمالات الإصابة به إنما تعود لخلل مفاجئ فى جهاز المناعة تجعل خلاياه تنطلق كالسهام تجاه خلايا الجسم لتهاجمها كما لو كانت خلايا عدوة دخلت الجسم غازية. فيهاجم الجسم نفسه بنفسه. أما سبب ذلك الجنون المفاجئ فيعزوه البعض لصدمة نفسية أو جسدية يتعرض لها الإنسان فتهزم إدراكه وتعرضه لحالة من العنف النفسى تنعكس آثارها على جسده. هناك أيضا من يشيرون إلى عدوى فيروسية، نعود إلى النظرية التى تشير إلى عدم قدرة أنسجة الإنسان المعرض للإصابة بتصلب الأعصاب المتناثر على امتصاص الدهون المعددة غير المشبعة مما يزيد من نسبة الدهون المشبعة فى أجهزة جسمه المختلفة وقد يقدم ذلك للإصابة بتصلب الأعصاب المعدد. وقد أعلنت دراسات غذائية متعددة عن تحسن بعض الحالات التى استبعدت الدهون المشبعة من غذائهم لكن ذلك لا يعد علاجا فى حد ذاته إنما عامل مساعد ربما للوقاية. هناك أيضا بعض النظريات التى تشير إلى أن التلوث البيئى قد يساهم فى هزة لأنسجة الجسم ينشأ بعدها التصلب المتعدد كالتسمم بالرصاص، المبيدات الحشرية، أبخرة الديزل، الملوثات الكيماوية فى مياه الشرب من الصنبور. تشخيص داء التصلب المعدد يعتمد التشخيص على أحد الاختيارات البصرية ورد الفعل له عند المريض. كذلك يفصح عن الكشف بالرنين المغناطيسى أو اختبار بذل الفقرات من النخاع الشوكى. العلاج نظرا لقسوة الأعراض واختلافها وتباين تطوراتها فى صورة يعجز العلم عن ملاحقتها يعد علاج داء تصلب الأعصاب المتناثر مشكلة حقيقية للمريض والطبيب معا. الأدوية المعروفة: أهمها الكورتيزون ومشتقاته حيث يعمل على تخفيف حدة الالتهابات وبالتالى تخفيف حدة الألم، هناك أيضا العقاقير التى تسبب ارتخاء العضلات المشدودة وأنواع عديدة من الأدوية التى تعالج كل عرض على حدة وفقا لحالة المريض وتطوراتها إلى جانب الحقن بالإنترفيرون بيتا فى بعض الحالات. العلاج بالإبر الصينية: تستخدم الإبر الصينية أساسا لتقليل حدة انقباض العضلات والمعاونة على استرخائها جلبا للراحة. لدغات النحل: من العلاجات المستعملة تعريض مريض تصلب الأعصاب المتناثر لثلاث جلسات فى الأسبوع لمدة ستة شهور متصلة للدغات النحل الحى. لدغة النحل المؤلمة تنبه جهاز الإنسان المناعى للعمل. معاناة الإنسان من التهاب جلده واحمراره وتورمه لها أثر قوى على خلايا المناعة التى تتنشط فى الاتجاه الصحيح هذه المرة. لكن وجود تفاعلات الحساسية لدى البعض قد تفسد تلك التجربة التى يؤكد البعض فائدتها. التمارين الرياضية: Feldenkrais method هى طريقة لتعلم كيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع عضلاته التى قد يطولها تأثير المرض فتقل حركتها وتنقطع صلتها بأعصابها. دروس يتلقاها المرضى الذين يعانون من الإعاقة ليحافظوا على بقية الجهد فى العضلات المعطوبة. نمط الحياة والغذاء: تعد التمارين الرياضية وخاصة تحت الماء من أفضل السبل للحفاظ على حيوية العضلات لمرضى التصلب المتعدد كذا اليوجا التى يقوم بتدريس حركات منها مفيدة متخصصون للمرضى بصورة مستمرة. الاهتمام بالغذاء أمر بالغ الأهمية لمرضى التصلب المتناثر وهناك العديد من الأنظمة الغذائية التى يمكن اتباعها وفقا لحالة المريض وتطورها. لا يمكن بالطبع الاعتماد عليها كعلاج لكنها تساهم فى أن تطول مدة الفترة التى تتخلل النوبات بلا أعراض كما أنها تقاوم نوبات الألم القاسية التى يتعرض لها المريض. علاجات ثانوية: زيت البرايم روز Evening phimrose oli يحتوى على أحد الدهون الأساسية التى تدخل فى تركيب الميالين وربما أفاد ذلك فى سرعة التئام أطراف الغلاف الذى يحوى الأعصاب بداخله كذلك Coengymelo الذى يزيد من استخدام الخلايا للأكسجين. تتعدد علاجات تصلب الأعصاب المتعدد بصورة تعلن عن حيرة العلم والعلماء فى مواجهة أقنعة كثيرة يتخفى وراءها مرض كالشبح يظهر ويختفى فى آن واحد يسرق بهجة الحياة فى أكثر سنواتها حيوية، سنواب الشباب. حيرة لن تستمر طويلا فالدراسات الحديثة قد تحمل أملا واعدا بأن تضيق حلقة المعرفة حول عنق الداء. ولهذا حديث آخر إن شاء الله. مجموعات دعم المريض: وسيلة للعلاج ومساندة المريض نفسيا حيث تجتمع مجموعات صغيرة من المتطوعين تحت إشراف مراكز العلاج تتولى متابعة حالة المريض نفسيا وإمداده وعائلته بأحدث الأخبار العلمية عن علاج المرض ومناقشة تطوراته وكيفية التغلب على صعوبات الحياة اليومية فى مقابل زحف أعراض الإعاقة المستمر فى الحالات القاسية. فكرة إنسانية تعكس اهتمام المجتمع بمرضى يطول انتظارهم للشفاء الذى قد لا يأتى فيؤنسهم دفء محبة من حولهم ولو إلى حين.