ترامب عن بايدن بعد تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل: متخلف عقليا    استقرار أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في أمريكا    فصائل عراقية تعلن استهداف مصفى حيفا النفطي بالمسيرات    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    تراجع الوفيات بسبب جرعات المخدرات الزائدة لأول مرة في الولايات المتحدة منذ الجائحة    "في الخلاط" حضري أحلى جاتو    طريقة طهي الكبدة بطريقة صحيحة: الفن في التحضير    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    هدى الإتربي تفاجئ جمهورها بإطلالتها في مهرجان كان (صور)    4 شهداء جراء استهداف الاحتلال منزلًا لعائلة "الحلقاوي" وسط رفح الفلسطينية    رئيس تتارستان: 20 مليون مسلم داخل روسيا ولدينا خبرات فى تشييد الطائرات والسفن    «بسمة».. فريسة نوبات الغضب    فوائد تعلم القراءة السريعة    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    ارتفاع حصيلة العدوان على مدينة طولكرم بالضفة الغربية إلى 3 شهداء    بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس 16 مايو بالبورصة والأسواق    نشرة التوك شو| :تفاصيل تخفيض قيمة التصالح حال السداد الفوري وأسباب تراجع سعر الدولار في البنوك    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya جميع الشعب مباشر الآن في محافظة القليوبية    أختي تعاني من انهيار عصبي.. شقيقة ضحية أوبر تكشف آخر تطورات القضية    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    طلعت فهمي: حكام العرب يحاولون تكرار نكبة فلسطين و"الطوفان" حطم أحلامهم    الرئيس السيسى يصل البحرين ويلتقى الملك حمد بن عيسى ويعقد لقاءات غدًا    وزير النقل يكشف موعد افتتاح محطة قطارات الصعيد الجديدة- فيديو    حظك اليوم برج العذراء الخميس 16-5-2024 مهنيا وعاطفيا    بقيادة الملك الغاضب أليجري.. يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا    تين هاج: لا نفكر في نهائي كأس الاتحاد ضد مانشستر سيتي    ماذا قال نجل الوزير السابق هشام عرفات في نعي والده؟    رئيس الترجي يستقبل بعثة الأهلي في مطار قرطاج    موعد مباريات اليوم الخميس 16 مايو 2024| انفوجراف    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    طريقة عمل الدجاج المشوي بالفرن "زي المطاعم"    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    أسما إبراهيم تعلن حصولها على الإقامة الذهبية من دولة الإمارات    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القليوبية    «البحوث الفلكية» يعلن عن حدوث ظاهرة تُرى في مصر 2024    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    سعر الفراخ البيضاء وكرتونة البيض بالأسواق فى ختام الأسبوع الخميس 16 مايو 2024    قمة البحرين: وزير الخارجية البحرينى يبحث مع مبعوث الرئيس الروسى التعاون وجهود وقف إطلاق النار بغزة    عاجل - الاحنلال يداهم عددا من محلات الصرافة بمختلف المدن والبلدات في الضفة الغربية    ماجدة خير الله : منى زكي وضعت نفسها في تحدي لتقديم شخصية أم كلثوم ومش هتنجح (فيديو)    تعرف على رسوم تجديد الإقامة في السعودية 2024    بداية الموجه الحارة .. الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم الخميس 16 مايو 2024    وزير النقل يكشف مفاجأة بشأن القطار الكهربائي السريع    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    شريف عبد المنعم: مواجهة الترجي تحتاج لتركيز كبير.. والأهلي يعرف كيفية التحضير للنهائيات    «الخامس عشر».. يوفنتوس يحرز لقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا (فيديو)    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 16 مايو 2024    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    انطلاق معسكر أبو بكر الصديق التثقيفي بالإسكندرية للأئمة والواعظات    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    ب عروض مسرحية وأغاني بلغة الإشارة.. افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يحذر :مياه النيل فى خطر
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2010

فى أحيان كثيرة ندفع ثمن أخطائنا بأثر رجعى.. وللأسف الشديد أن الثمن يكون عادة بقدر القيمة والأهمية والخطورة.. وإذا كانت هناك قضايا يمكن تأجيلها أو التساهل معها أو تحمل نتائجها فإن هناك قضايا ترتبط بالحياة والوجود والمصير وهنا لا ينبغى التساهل أو التأجيل.. إن ما حدث فى شرم الشيخ فى الأسبوع الماضى فى المؤتمر الوزارى لدول حوض النيل قضية خطيرة جدا بكل المقاييس على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى.. نحن أمام تهديدات حقيقية للأمن القومى المصرى لأن أى مساس بحق الشعب المصرى فى مياه النيل تهديد للمستقبل على كل المستويات.. وهنا أيضا تبدو المخاطر التى يمكن أن تحمل شواهد توتر خطير على المدى القريب بين دول حوض النيل ولا أحد يعرف المدى الذى يمكن أن تصل إليه نتائج هذه المخاطر..
تراجع الدور المصرى فى أدغال أفريقيا
لابد أن نعترف فى البداية أن القضية قديمة وأننا فى أحيان كثيرة تعاملنا معها بقدر كبير من الاطمئنان الذى وصل بنا إلى درجة اللامبالاه بل والاستخفاف أحيانا.. حدث هذا على المستوى السياسى حينما تراجع دور مصر فى أفريقيا سنوات طويلة بلا مبررات.. بعد أن كانت مصر قبلة الحريات فى القارة الأفريقية والنموذج الذى اهتدت به دول القارة السمراء فى حربها ضد الاستعمار.. وبعد منظمة الوحدة الأفريقية واتفاقيات التعاون الاقتصادى وصادرات مصر إلى أفريقيا.. وبعد مراحل طويلة من النضال المشترك الذى جعل مصر تحارب دفاعا عن دول أفريقيا وترسل قواتها إلى الكونغو.. وبعد أن كانت مشروعات تنمية الموارد المائية فى دول حوض النيل لها أولوية خاصة فى القرار السياسى المصرى بعد هذا كله تراجع كل شىء وانسحبت مصر تماما من عمقها الأفريقى وتركت الساحة لأطراف كثيرة تعبث فيها حتى وصل الأمر إلى ما نحن عليه الآن..
كانت العلاقات بين مصر ودول أفريقيا خاصة دول الشرق والوسط الأفريقى حيث منابع النيل تحتل مكانة خاصة فى أجندة العلاقات المصرية.. كانت هناك علاقات اقتصادية قوية جعلت مصر تقيم شبكة من المكاتب التجارية من خلال شركة النصر للاستيراد والتصدير وكانت هذه الشركة تتمتع بمكانة خاصة طوال فترة الستينيات من حيث النفوذ والتأثير.. وتدفقت يومها السلع المصرية إلى أسواق أفريقيا وانتقلت الوفود الاقتصادية المصرية إلى أبعد نقطة فى قلب القارة السمراء..
ومع العلاقات الاقتصادية التى قامت على شراكة حقيقية بين مصر ودول أفريقيا كانت هناك علاقات سياسية عميقة ومؤثرة.. عشرات المؤتمرات التى كانت دائما تحاول جمع الشمل الأفريقى ضد قوى الاستعمار والتبعية وتحولت القاهرة على المستوى السياسى إلى قبلة لزعماء أفريقا ابتداء بإمبراطور الحبشة هيلاسلاسى ونيريرى ونكروما ولولمبا وسيكتورى ومانديلا كل هؤلاء جمعتهم معارك ومواقف مع زعيم مصر الراحل جمال عبدالناصر ومع ثورة يوليو وثورات التحرر الافريقى.. واستطاعت القاهرة أن تمثل الزعامة الحقيقية للقارة الافريقية أمام العالم سنوات طويلة وامتد نفوذها السياسى إلى أبعد نقطة فى أفريقيا على كل الاتجاهات..
الأزهر والكرازة..جسور التواصل مع الأفارقة
على المستوى الثقافى والحضارى والفكرى كانت بعثات الدول الأفريقية إلى الأزهر الشريف نقطة تواصل تاريخية لم تنقطع فى لحظة من اللحظات وكان أعضاء هذه البعثات يعودون إلى بلادهم ويبنون جسورا ثقافية وحضارية ودينية امتدت بين مصر وشعوب القارة.. وكانت العلاقة التاريخية بين الكنيسة المصرية وكنيسة إثيوبيا تمثل عمقا تاريخيا عاش عليه المسيحيون فى البلدين أزمانا طويلة.. وبعد ذلك كله كانت بعثات الدعاة وقراء القرآن الكريم والأطباء والمهندسين والمدرسين والمثقفين بكل ألوانهم الفكرية والسياسية يطوفون دول أفريقيا ويفتحون مجالات للتواصل والحوار..
كان لدينا اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وكانت لدينا مؤسسات منظمة الوحدة الأفريقية.. وكانت هناك لجان للتعاون فى كل المجالات وشهدت القاهرة عشرات اللقاءات بين كتاب مصر وكتاب أفريقيا، بل إن مصر كانت ترعى وتشجع الكثير من المؤسسات والمنظمات الثقافية والفكرية والدينية داخل الدول الأفريقية وعرف مثقفو أفريقيا الكثير عن الإبداعات المصرية، بل إن العلاقات المصرية الأفريقية فى زمن مضى امتدت إلى لقاءات فكرية بين الشباب ولقاءات أخرى بين الاتحادات النسائية واتحادات العمال والأطباء والكتاب والصحفيين وغيرهم من فئات المجتمع المصرى..
كان هذا هو حال العلاقات بين مصر ودول أفريقيا.. كانت للشعوب الأفريقية أولوية خاصة فى قائمة العلاقات بين مصر والعالم الخارجى.. وكانت لمصر مكانة خاصة فى قلوب الشعوب الأفريقية وما أكثر القمم التى شهدتها القاهرة بين الزعماء الأفارقة.. ولكن هناك أسبابا كثيرة باعدت بين مصر ودول أفريقيا فى السنوات الماضية..
التطبيع مع الغرب .. نقطة التحول
كان من أهم أسباب التباعد نمو العلاقات بين مصر والغرب بحيث تصور البعض عندنا أننا لم نعد فى حاجة إلى أن ننظر جنوبا وأن علينا أن نتجه بكل قوانا إلى الشمال.. شجع على هذا التباعد علاقات شراكة جديدة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية فى بداية السبعينيات.. وكانت هذه إحدى نقاط الخلاف فى ذلك الوقت فمازالت الشعوب الأفريقية تعتقد أن أمريكا هى رأس الاستعمار الغربى وهنا بدأت الدول الأفريقية تشعر بتغير ما تجاه مصر وعلاقاتها بالغرب..
رغم أن حرب أكتوبر كانت إنجازا تاريخيا ونصرا عسكريا لمصر والعالم العربى إلا أنها كانت كارثة اقتصادية لدول أفريقيا بسبب ارتفاع أسعار البترول.. لقد استوعب الغرب الزيادة ورد عليها برفع أسعار صادراته ومنتجاته التى تغطى أسواق العالم ولكن دول أفريقيا لم يكن لديها ما تصدره أو ترفع أسعاره.. وتحملت هذه الدول خسائر فادحة فى أسعار شراء البترول من العرب..
ولا شك أن ذلك ترك آثارا سلبية على العلاقات بين أفريقيا والعرب ومنها مصر لقد شعرت هذه الدول أن أصدقاء الأمس تنكروا لتاريخ طويل من النضال المشترك ومواجهة الفقر والتخلف.. وجاءت اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل صدمة أخرى للشعوب الأفريقية خاصة أن الكثير من هذه الدول كانت تقاطع إسرائيل وترفض إقامة علاقات معها بحكم ارتباطها بقضية الشعب الفلسطينى والدور المصرى فى تحرير الشعوب والمعارك التى خاضتها مصر ضد الاستعمار الغربى ولا شك أن إسرائيل كانت ومازالت صنيعة هذا الاستعمار..
تخلينا عن أفريقيا فتخلى عنا الأفاررقة
هناك أسباب أخرى للتباعد كان أبرزها أيضا أن مصر تخلت عن دعمها للشعوب الافريقية فى مواجهات كثيرة.. لقد شهدت دول أفريقا حروبا أهلية ودينية وعرقية ولم تسع مصر إلى لم الشمل بين أبناء هذه الشعوب، بل إنها أحيانا ساندت أطرافا ضد أطراف أخرى.. والغريب فى الأمر أن مصر ساندت أيضا قيادات أفريقية كانت مدعومة بالاستعمار الغربى وتعمل ضد شعوبها..
وكان هذا فى رأى الأفارقة يمثل تناقضا صريحا فى سياسة مصر التى كثيرا ما شجعت حركات الاستقلال الوطنى ضد القوى الاستعمارية الغربية ثم ساندت مرة أخرى زعامات وقيادات صنعتها هذه القوى وفرضتها على الشعوب فرضا وكان النموذج الصارخ فى ذلك ما حدث بعد اغتيال لولومبا.. واختفاء سيكتورى ونكروما ونيريرى وغيرهم من الزعماء الذين قادوا حركات التحرير وعلى المستوى الشعبى انطلقت كتائب التبشير الدينى تجتاح القارة السمراء لتؤكد الوجود الغربى بعد الاستقلال..
الدبلوماسية المصرية تقطع كل الروابط
ورغم الخلافات الشديدة بين فكر القيادة المصرية بزعامة جمال عبدالناصر وامبراطور الحبشة هيلاسلاسى إلا أن عبدالناصر استطاع أن يقيم علاقة متوازنة مع الإمبراطور الحبشى حرصا على العلاقات التاريخية بين مصر والحبشة وفى مقدمتها مياه النيل.. واستخدم عبدالناصر كل أساليب التقارب ليصنع صيغة تاريخية فريدة فى لغة المصالح بين بلدين مختلفين سياسيا جمعتهما مصالح تاريخية مشتركة تجسدت فى مياه النيل ومشروع السد العالى وروابط دينية بين كنيستين ظلت زمنا طويلا..
أن أغرب ما فى هذه القضية أن هذا الرصيد الذى صنعته مصر فى سنوات طويلة قد تلاشى فى فترات زمنية قصيرة.. ولم يكن هذا الرصيد من صناعة ثورة يوليو وحدها ولكن سبقته علاقات وصراعات قديمة حول مياه النيل ابتداء من عصر محمد على مرورا بعصر إسماعيل ودور انجلترا فى ذلك كله خاصة أن علاقات مصر بالسودان كانت جزءا أساسيا من هذه التركيبة طوال عصر أسرة محمد على فى حكم مصر والسودان..
قلت: توارت أشياء كثيرة من تاريخ العلاقات المصرية الأفريقية حتى وصلت بنا الأحوال إلى ما رأيناه أخيرا فى المؤتمر الوزارى لدول حوض النيل فى شرم الشيخ..
لقد تقطعت كل الروابط الدينية بين الكنيسة فى إثيوبيا والكنيسة فى القاهرة ولم تحاول القاهرة الإبقاء على شىء من هذه العلاقات وهى بلا شك كانت من أهم الروابط بين الشعبين فى مصر والحبشة..
تراجعت كل العلاقات السياسية أمام سفارات لا تعمل وسفراء تعاقبهم مؤسسات الدولة بالعمل فى القارة السمراء ومكاتب تجارية لا عمل ولا نشاط لها.. بل إن مصر فى عهد الخصخصة قامت بإغلاق جميع المكاتب التجارية المصرية فى أفريقيا وباعت منشآتها ومبانيها..
بقيت العلاقات بين مصر ودول أفريقيا تتركز فى زيارات بعيدة لبعض صغار المسئولين، بل إن مصر توقفت عن مشاركة وفود رسمية عالية فى مؤتمرات القمة الأفريقية والمؤسسات التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية وحدثت فجوة واسعة فى الأنشطة الأهلية والمدنية ترتب عليها غياب كامل لمصر بكل مؤسساتها فى دول أفريقيا ابتداء بالبعثات الدينية والتعليمية وانتهاء بدور الأزهر الشريف..
لا شك أن أفريقيا كانت أولى بنا.. وكنا الأولى بها ولكن أخطاء كثيرة ارتكبتها الأجهزة المسئولة فى مصر ترتبت عليها كل هذه الآثار السلبية..
حصتنا فى النيل تدفع الثمن
والآن حدثت الموقعة الكبرى وقررت دول حوض النيل السبع أن تخرج على الوفاق وان تضع برامج لسياساتها تجاه مياه النيل بعيدا عن مصر والسودان.. نحن الآن أمام كتلة سياسية واقتصادية جديدة تضم دول المنبع وهى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا والكونغوا واريتريا ورواندا وبوروندى.. لقد حضر اجتماعات شرم الشيخ 8 وزراء مما يؤكد أهمية المؤتمر الذى ترتبت عليه أخطر السلبيات فى المفاوضات حول مياه النيل..
إن الصراع الدائر الآن بين دول المنبع السبع ودول المصب مصر والسودان لا يمكن أن نقف أمامه ببساطه كما حدث فى مرات كثيرة سابقة.. ولا يعقل أن يقف وزير الرى المصرى د.محمد نصر الدين علام ليؤكد أن ما حدث لا يدعو للانزعاج أو يعلن عن تفاؤله بالنسبة للمستقبل وأين مبررات هذا التفاؤل وعلى أى أساس يقوم..
أن دول المنبع تطالب بإلغاء جميع الاتفاقات السابقة حول مياه النيل ابتداء بالحصص وهى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان.. ودول المنبع تطالب بنسب متساوية لدول حوض النيل دون أى اعتبار لعدد السكان أو المساحات أو كميات المياه المطلوبة.. هذه الدول تطالب أيضا بإلغاء بند الرقابة المسبقة على المشروعات التى تقام على مجرى النهر دون التشاور مع دول المصب مصر والسودان وهذا حق قررته اتفاقيات دولية سابقة مضى عليها عشرات السنين ماذا عن 20 مليون فدان قامت بتأجيرها دول المنبع إلى الصين والهند والدول العربية الشقيقة لزراعة محاصيل تنتج الطاقة البديلة ومن أين ستأتى المياه اللازمة لرى هذه الملايين من الأفدنة..
أن مصر تتمسك بحقها التاريخى فى المياه فى حين ترفض دول المنبع ذلك.. كما أن مشروعات المياه فى مصر لا يمكن أن تؤثر على الدول الأخرى لأنها آخر ما يصل من ماء النيل ولكن أى مشروعات أخرى تؤثر على حصة مصر من المياه..
إسرائيل تتلاعب بالكواليس
هناك تاريخ طويل من المفاوضات بين دول حوض النيل بدأت فى أديس بابا عام 1902.. وفى أوغندا عام 1929 ثم كانت اتفاقية 1959 التى حددت حصة مصر والسودان فى مياه النيل.. كان هناك اقتراح مصرى سودانى بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تكون مهمتها تطوير العلاقات بين دول المصب والمنبع وتمويل المشروعات المشتركة وإنشاء شبكات للكهرباء والتعاون فى الإنتاج الزراعى..
ولكن دول المنبع أصرت على توقيع اتفاق إطارى يتعارض تماما مع مطالب مصر والسودان وهنا رفضت مصر والسودان توقيع هذا الإطار لأنه مخالفة صريحة للقانون الدولى واتفاقيات تاريخية يجب احترامها والالتزام بها..
والآن نحن أمام مرحلة جديدة قد تشهد صراعات لا أحد يعرف مداها بين دول حوض النيل لأن الخلافات والتعارض فى المواقف أصبح الآن يهدد هذه العلاقات لقد استمرت آخر جلسات مؤتمر شرم الشيخ 20 ساعة متصلة ولم يستطع وزراء الرى فى دول حوض النيل الاتفاق على شىء.. هناك من يؤكد أن إسرائيل لعبت دورا كبيرا فى إفساد هذا المؤتمر من خلال التأثير على موقف إثيوبيا بصفة خاصة.. ورغم أن رئيس وزراء مصر د.أحمد نظيف قام برحلة مهمة إلى إثيوبيا منذ شهور قليلة إلا أن نتائج هذه الزيارة لم تترك أثرا فى مفاوضات شرم الشيخ ويبدو أن زيارة ليبرمان وزير خارجية إسرائيل لإثيوبيا كانت أكثر تأثيرا.
والآن نحن أمام موقف خطير للغاية..
هناك انقسام واضح فى موقف دول حوض النيل حيث توحدت مواقف دول المنبع وهى فى خلاف كامل مع دول المصب مصر والسودان..
هناك مشروعات تقام فى أكثر من دولة على مجرى النيل وهذه المشروعات تتعارض تماما مع اتفاقيات دولية سابقة ترتب أوضاعا وحقوقا منذ عشرات السنين فما هو الحل الآن وما هو موقف المجتمع الدولى والمؤسسات الدولية والقانون الدولى من ذلك كله..
هناك ما يشبه حالة الرفض والتمرد من جانب دول المنبع كيف يمكن أن تستعيد دول المصب تأثيرها ونفوذها القديم فى هذه الدول من اجل الوصول إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف ويحفظ مصالحها..
آفاق جديدة للحل..كيف؟
أن مطالب دول المنبع بالتوزيع المتساوى للمياه على جميع الدول يتناقض مع كل البديهيات من حيث عدد السكان واحتياجات كل بلد ولا يعقل أن يتساوى شعب تعداده 80 مليون نسمة مع شعب آخر تعداده 3 أو 4 ملايين نسمة..
أن موارد مياه النيل تصل إلى 1300 مليار متر مكعب لا يصل منها إلى مصر إلا 84 مليار متر مكعب أى حوالى 5% فقط من مياه النهر.. وهنا يجب وضع خطط مشتركة لضمان استثمار المياه بصورة أفضل على امتداد دول المنبع والمصب وهى تكفى الجميع بكل المقاييس ولكن المهم ترشيدها من البداية..
لابد من وضع خطط طويلة المدى لترشيد استخدام المياه فى الزراعة ومشروعات للربط الكهربائى وتنمية الثروة السمكية ومواجهة ورد النيل وإنشاء مشروعات للرى والصرف والصناعات المشتركة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين دول حوض النيل..
وهنا أيضا يجب أن تعيد الدبلوماسية المصرية وجودها وتأثيرها فى دول حوض النيل.. لا يمكن أن نطالب بأن تعود العلاقات كما كانت فى زمان مضى فالزمان اختلف والأيام لا ترجع للوراء ولكن يجب أن نمد جسور التواصل بالقدر المتاح وان نفتح مجالات جديدة للتعاون وأن نواجه بحسم المؤامرات الخارجية التى تسعى إلى تشتيت دول حوض النيل خاصة الدور الإسرائيلى المريب وأدوار أخرى شبيهه يقوم بها الغرب لأسباب نعرفها جميعا..
وقبل ذلك كله نحن فى حاجة إلى سفارات نشيطة فى أفريقيا تعيد المياه إلى مجاريها فقد أهملنا هذه الدول زمنا طويلا والآن ندفع ثمن هذا الإهمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.