بعثة من المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    قيادي بحزب العدل: تطوير القطاع السياحي يحقق رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030    استعدادات مكثفة بدمياط الجديدة لأداء شعائر عيد الأضحى    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    تداول 12 ألف طن بضائع بموانئ السويس والبحر الأحمر    مياه المنيا تعلن استمرار خدمات شحن العدادات خلال عطلة عيد الأضحى    القسام تكشف تفاصيل كمين مركب أودى بقوة إسرائيلية غربي مدينة رفح    رغم الفشل الأوروبي.. المستشار الألماني: واثق من الترشح مجددًا    الرقصة الأخيرة.. ميسي يستعد بقوة لمسك الختام مع الارجنتين فى كوبا أمريكا    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    أخبار الأهلي : الأهلي يعقد جلسة حاسمة مع "العريس" ..تعرف على التفاصيل    «رياضة القليوبية» تفتح 120 مركز شباب لصلاة العيد أمام المواطنين    مساجد وساحات صلاة عيد الاضحى 2024 | صور    أبرزهم حسين فهمي ويسرا.. نجوم لم يتصدرو إيرادات شباك التذاكر طوال مشوارهم الفني    المركز الخامس.. عمرو دياب يتصدر تريند يوتيوب ب "العامة"    عيد الأضحى 2024.. «حازم حاسم جدا» يستقبل جمهوره على مسرح ليسيه الحرية بالإسكندرية    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    الدفاع المدنى الفلسطينى: قطاع غزة يشهد إبادة جماعية وقتلا متعمدا للأطفال والنساء    عاجل - مواقيت الصلاة في القاهرة.. موعد أذان المغرب يوم عرفة 2024    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    موندو ديبورتيفو: نيوكاسل يخطط لضم ثنائي برشلونة    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية الجديدة بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بحلول عيد الأضحى    أخبار الأهلي : أول رد من الأهلي على تصريحات محمد شريف    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    سعر الذهب اليوم في مصر يواصل الارتفاع بمنتصف التعاملات    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في بورسعيد    مشاهد خاصة من عرفات.. دعوات وتلبية وفرحة على الوجوه (صور)    تعرف على المقصود برمي الجمرات.. والحكمة منها    بالصور.. مصيف بلطيم يتزين استعدادًا لعيد الأضحى    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    الصحة السعودية: لم نرصد أي حالات وبائية أو أمراض معدية بين الحجاج    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    شروط تمويل المطاعم والكافيهات وعربات الطعام من البنك الأهلي.. اعرفها    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    حملات تموينية مكثفة بمراكز المنيا وتحرير 141 محضرا تموينيا    قبل انطلاق كوبا أمريكا.. رونالدينيو يهاجم لاعبي "السامبا"    بحجة ارتفاع أمواج البحر.. تفاصيل نقل الرصيف العائم من شاطئ غزة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي    محمد رمضان يكشف عن أغنيته الجديدة "مفيش كده".. ويعلق: "يوم الوقفة"    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه تدخل موسوعة "جينيس" بأربعة أرقام قياسية (فيديو)    الاحتلال الإسرائيلي يعلن قصف مبنى عسكري لحزب الله جنوبي لبنان    كفرالشيخ: تحرير 7 محاضر لمخالفات خلال حملات تموينية على المخابز بقلين    سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    التضامن: تنظم سلسلة من الدورات التدريبية للاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين حول الإسعاف النفسي الأولي    يوم عرفة 2024 .. فضل صيامه والأعمال المستحبة به (فيديو)    ننشر أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى في السويس    حكم صيام أيام التشريق.. الإفتاء تحسم الجدل    ب«6 آلاف ساحة وفريق من الواعظات».. «الأوقاف» تكشف استعداداتها لصلاة عيد الأضحى    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    أستاذ ذكاء اصطناعي: الروبوتات أصبحت قادرة على محاكاة المشاعر والأحاسيس    بعد تدخل المحامي السويسري، فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية المدافع الفلسطيني    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبعة الجديدة من الحرب الاقتصادية الباردة: النفط.. حرب المورد الثمين (3-3)
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 02 - 2024

* دائما ما تؤثر النفط تاريخيا بالاضطرابات السياسية والعسكرية
* النفط الصخري الأمريكي صنع تغييرا في قواعد اللعبة العالمية
* أمن المنطقة والبحر الأحمر ضرورة عالمية، وربما يستخدم أيضا لخنق الصين
* النفط الفنزويلي ورقة أمريكية جديدة
* مضيق هرمز وباب المندب أدوات إيرانية في الصراع
مع اتساع نطاق الحرب العالمية الثانية، وبالرغم من وجود وفرة فى إنتاج النفط، إلا أن الدول الكبرى انتبهت لأهمية السيطرة على هذا السلاح الاستراتيجي المتمثل في منابع النفط، سواء عبر السيطرة العسكرية المباشرة أو الهيمنة الاقتصادية، وشهدت أسعاره لأول مرة ارتفاعا وصل إلى 20 دولار للبرميل، ومنذ تلك اللحظة صار النفط سلعة تدور حولها الصراعات، بل صارت سببا فى نشوء صراعات سواء باردة أو حروب عسكرية، ولم تعد التسويات السياسية والاقتصادية تتم فى العالم بعيدا عن النفط.
ومنذ تلك اللحظة أيضا صارت الإرتفاعات الغير منضبطة أو الكبيرة فى أسعاره مرتبطة بأحداث سياسية قلقة أو كبيرة، كما رصدها منتدى البحوث الاقتصادية، فى ورقته المنشورة فى منتصف 2021، حيث شهد تاريخ أسعار النفط تقلبات عنيفة ما بين الإرتفاع الشديد أو الإنخفاض تزامنا مع هذه الأحداث، التى كان اختبارها الكبير الأول مع اندلاع حرب السادس من أكتوبر عام 1973 والقرار العربي بحظر تصدير النفط إلى الغرب، ثم مع أحداث الثورة الإيرانية، ثم مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وبالمثل يحدث مع غزو العراق للكويت، كما حدث لأسباب غير عسكرية، مع أزمة انهيار العملات في جنوب شرق آسيا في صيف 1997 والتى أدت إلى اشتعال مخاوف اقتصادية عالمية، ومرة أخرى مع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.
حرب أوكرانيا
وكما حدث فى الماضى يحدث فى الحاضر، فجددت الحرب الروسية – الأوكرانية، صراع النفط، وهو ما حلله خبير النفط الكويتي كامل عبدالله الحرمي، فى مقاله المنشور بجريدة الرأى الكويتية، فى نهاية عام 2022، حيث قال، الحرب الروسية الأوكرانية غيرت الموازين، والمقاطعة للنفط والغاز الروسيين مع عدم وجود طاقات إضافية وفائضاً كبديل، أيضاً غيرت المعادلة أمام الافتراضات الأمريكية، لتبدأ الحكومة ذاتها بالتوسل إلى الشركات بإعادة الاستثمار في الطاقة الأحفورية إلى حين، وأفرجت عن أراض فيدرالية للتنقيب والبحث والاستثمار، وحسب ما يرى الحرمى، فهناك حرب متوقع حدوثها خلال السنوات القليلة المقبلة، ما بين منتجي ومصدري النفط والدول والشركات النفطية العملاقة.
وعلى سبيل التحديد بين فريقين من المستثمرين في النفط، دول منظمة (اوبك+) والتي تنادي بالاستثمار وتطالب به، وبين الشركات النفطية العالمية، بسبب عدم زيادة إنتاج النفط من الطرفين، حيث إن دول (أوبك +) تحمّل الشركات الأميركية المسؤولية بغرض مواصلة التنقيب واكتشافات جديدة، خاصة منتجي النفط الصخري الأميركي الذين لا يرون حالياً سوى الحفاظ على زيادة تدفقاتها النقدية، لكن من دون التزام منهم بزيادة الاستثمار والإنتاج، بينما ترى دول (اوبك +) بأن تكاليف الاستثمار في تزايد ولديها أولويات بتطوير بلادها، وبعد سنوات عدة تصل إلى معدل إنتاج قد لا تريد زيادته، أو أنها وضعت سقفاً معيناً ولا تريد تجاوزه، وأن أي استثمار أحادي سيضر بمصالحها وتفضل ابقاء النفط عند معدل 95 دولاراً تستطيع به أن تبني وتحقق المطلوب من أهداف وأغراض إستراتيجية بعيدة المدى، ويرى الحرمى أنه منعا لحرب النفط تلك، فعلى الولايات أن تشتري النفط من الأسواق العالمية، أما عملية استنزاف المخزون الإستراتيجي المحلي فهي مدمرة.
وفى سياق تأكيدى، ترى الدكتورة عبلة عبد اللطيف، رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، فى حديث خاص للشروق، أن الحرب الأوكرانية قد غيرت الإعتماد على الإمدادات التقليدية للنفط والغاز، حيث كانت تعتمد أوروبا على الإمدادات الروسية بالأساس، والأن ومع التوترات الجديدة فى الشرق الأوسط، فكأنك تضرب أقدامك بنفسك، وهو ما يفتح الباب أمام صراع كبير، فحسب ما تراه عبد اللطيف، فدول الخليج تعلم قيمتها جيدا، وتدير المشهد بما يتناسب مع مصالحها وهو أمر طبيعى للغاية، والغرب ليس أمامه سوى تأمين حصوله على احتياجاته من النفط من هذه المنطقة التى زادت اشتعالا مع الحرب على غزة، وبالتالي عليهم أن يضمنوا ضبطها كمنطقة آمنة ومستقرة وليس العكس.
وبحسب دكتورة عبلة، فالأمر غير مقتصر على ذلك فقط، بل أيضا ستتسبب الحرب فى تأجيل كل خطط الطاقة المتجددة فى العالم، فمن ذا الذى فى الغرب أو الشرق الأوسط سيكون لديه تلك الرفاهية لو استمرت هذه الحروب وأثارها، التي تمتد الآن لتشمل أغلب أنحاء العالم، وليس الشرق الأوسط فقط، أو الدول القريبة من الحرب، وإمكانية انفجار تضخم عالمى صارت واردة وبشدة.
تعارض مصالح ممهد لصراع
ويؤكد على ذلك، الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، فى تصريح خاص للشروق، إذ يقول، أن حسابات السعودية والإمارات اقتصادية بالأساس، وهم ملتزمون بكميات معينة مسبقا داخل تكتل الأوبك، ولن يغيروا سياسات إنتاجهم لأسباب سياسية، ويشرح قنديل، بأنه سبق وطلبت منهم إدارة بايدن تغيير سياسات الإنتاج فى أعقاب حرب أوكرانيا، ولكنهم رفضوا، ومن ناحية أخرى فالدولتان أيضا أعضاء في بريكس، وبالتالي فجسور التواصل مع الصين وروسيا موجودة، وبالتالى فالأهم للجميع هنا حسب ما يرى قنديل، هو ضرورة أن تسكن الحرب الدائرة، حتى لا يحتدم صراع النفط المكتوم، وخصوصا مع احتمال ارتفاع أسعاره مع الغاز فى حال اتسع نطاق الحرب، وتورط إيران بقوة فى الصراع، فهى المتحكم الرئيسى فى مضيق هرمز.
حرب قائمة بالفعل
وهو أيضا ما تحلله الورقة البحثية التى نشرها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية فى نهاية عام 2023، بعنوان أزمة الطاقة ومستقبل العالم، وحذرت الورقة من خطورة الانشقاقات داخل أوبك+ والتحدي الذي يواجه الطاقة التقليدية من الطاقة البديلة، وترى الورقة أن تطور مشهد الطاقة بدأ يتحول لصراع بالفعل بين الكتل الاقتصادية الهامة، كما ترصد الدراسة تحول أوروبا وحلفائها نحو غرب أفريقيا والشرق الأوسط، بعد وقف روسيا إمداد الغاز، وزيادة طلب الصين والهند على الخام الروسى فى نفس الفترة، وفى المقابل تشير الورقة إلى أن التكلفة البديلة ليست بسيطة، حيث تستثمر ألمانيا الآن على سبيل المثال فى إنشاء خطوط نقل لاستيراد الغاز من الولايات المتحدة الأمريكية بديلا عن الخطوط الموجودة بالفعل بينها وبين روسيا، ليدخل قيد العمل فى 2026، وهي تكاليف باهظة.
وبالمثل تفعل ألمانيا بالتعاون مع إيطاليا واليونان لإنشاء خط نقل غاز جديد يربطهم ببعضهم البعض مع غاز شمال أفريقيا، والذى من المفترض أن يدخل قيد مرحلة العمل مع حلول 2027 ، وهو ما تعتقد هذه الدول أنه يمكن أن يوفر قرابة 40% من احتياجاتها.
خطر
وفي تقرير نشرته جريدة الجارديان البريطانية، فى منتصف يناير الماضى، جانب أخر من هذا التنازع القائم، أو الحرب المكتومة الدائرة، فقد حذر اقتصاديون من استمرار هذا الصراع القائم حول النفط، يمكن أن يقوض التقدم المحرز في مواصلة خفض التضخم من أعلى مستوياته منذ عقود بعد وباء كوفيد وصدمة أسعار الطاقة التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفى ذات التقرير حذر جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان الأمريكي، من أن هذا الصراع فى حال استمراره، فلديه القدرة على تعطيل أسواق الطاقة والغذاء والهجرة والعلاقات العسكرية والاقتصادية، وأيدته في ذلك آنا بواتا، رئيسة أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة أليانز تريد، قائلة إن استمرار الاضطراب قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم بنسبة 0.7 نقطة مئوية في أوروبا والولايات المتحدة بينما يستنزف كمية مماثلة من النمو الاقتصادي على جانبي المحيط الأطلسي.
البحر الأحمر، مسرح الصراع الحالى
جون جلين، كبير الاقتصاديين في معهد تشارترد للمشتريات والإمدادات، يقول فى التقرير المنشور بالجارديان، بداية هذا العام، أن الاضطراب المستمر فى الشرق الأوسط سيؤثر بشدة على الاقتصاد العالمي، الذى لا ينمو بالسرعة نفسها كما العام الماضى، وأن أحجام الشحن البحري انخفضت بشكل كبير عما كانت عليه قبل 12 شهرًا، والقضية الرئيسية هي أن التضخم سيكون مدفوعًا بما هو موجود في الصندوق، وليس تكلفة نقله، وأن الأمر المخيف سيكون فى مضيق هرمز، نظرا لأهميته للنفط والغاز، والذي يعد أهم ممر للنفط في العالم لأن كميات كبيرة من النفط تتدفق عبر المضيق، ففي عام 2022، بلغ متوسط تدفق النفط 21 مليون برميل يوميًا، أو ما يعادل حوالي 21% من الاستهلاك العالمي للسوائل البترولية، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
هذه التصريحات المحذرة انطلق مثلها كثير فى الأونة الأخيرة، فمنطقة الشرق الأوسط موطنًا لعدة ممرات نقل نفط مهمة، بما في ذلك مضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب، وتعمل هذه الممرات كروابط حيوية تربط الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فالهجمات التي نفذتها ولا تزال تنفذها جماعة الحوثى فى اليمن ترفع مستوى الخطر إلى النقطة الأعلى، حيث تعد تلك نقطة اختناق كبيرة، نظرا لحجم التجارة الذى يمر من باب المندب إلى قناة السويس، والذى يقدر ب 12% من حجم التجارة الدولية، ناهينا عن الأهمية الإستراتيجية لنقل النفط والغاز، مما دفع عشر شركات شحن عالمية طبقا لتقرير الفاينانشيال تايمز أول هذا العام من تعليق رحلاتها عبر المضيق.
ويرصد معهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي في تقريره المنشور فى يناير من هذا العام، إن التجارة العالمية تراجعت بنسبة 1.3% في الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر، مشيراً إلى "كنتيجة مباشرة للهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار الشحن الفوري ، واضطرار شركات النقل في فرض رسوم إضافية طارئة، وحسب التقرير، فالأسعار الشاملة التي تتراوح بين 5000 إلى 8000 دولار لكل حاوية لطرق التجارة الرئيسية الناشئة في آسيا هي 2.5 إلى 4 أضعاف "المستويات العادية" لهذا الوقت من العام.
النفط الفنزويلي، ورقة أمريكية جديدة
كما أعادت التوترات تلك النفط الفنزويلي إلى الأسواق العالمية بعد أن علّقت واشنطن العقوبات المفروضة على الدولة العضو في أوبك لمدة ستة أشهر حتى أبريل 2024، وذلك بحسب ما نشرته أمل نبيل فى تقريرها على سى إن إن، فى ديسمبر 2023، وبحسب التقرير، فتوقع محللو جيه بي مورجان تمديد تعليق العقوبات لمدة ستة أشهر أخرى، مما يعنى زيادة إنتاج إنتاج النفط الفنزويلي تدريجياً من 760 ألف برميل يومياً في 2023 إلى 880 ألف برميل يومياً في 2024 و963 ألف برميل يومياً في 2025، وذلك من خلال شركة النفط الحكومية (بدفسا)، وهو عامل جديد تضيفه أمريكا إلى أوراق قوتها فى إدارة الصراع الاقتصادى النفطى الحالى.
النفط الإيرانى وأمد الحرب
رصد الدكتور أحمد سلطان، المتخصص في شئون النفط والطاقة، في ورقته المنشورة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، في نهاية عام 2023، السيناريوهات المحتملة للصراع الحالي على حركة أسواق النفط المقبلة، قائلا أنه فى حالة التصعيد فى غزة ودخول إيران فى مواجهة مباشرة كطرف فى الصراع، فقد يعني ذلك عودة الإدارة الأمريكية لتضييق الخناق على صادرات النفط الإيراني والتي وصلت لمستويات عالية، وهو ما قد يدفع أسعار النفط للارتفاع فوق مستوى ال100 دولار للبرميل، وقد يؤثر أيضا على حركة السفن فى مضيق هرمز، أحد أهم أدوات إيران للضغط على سوق النفط العالمى، حيث يربط الدول المنتجة للنفط في الخليج العربي بمصافي التكرير في جميع أنحاء العالم، وهو المضيق الذي يُعد نقطة عبور محورية لنحو حوالي 18.6 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات البترولية المهمة، أي ما يُعادل خمس شحنات النفط الخام على مستوى العالم.
بينما قال الدكتور محمد عباس ناجى، مدير وحدة الدراسات الإيرانية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، فى تصريح خاص للشروق، وذلك فى ضوء تصاعد الهجمات فى البحر الأحمر، والعمليات الأمريكية التى تم تنفيذها ضد أهداف إيرانية بالخارج، أنه يرى أن شروط دخول إيران كطرف مباشر فى الصراع غير متوفرة حاليا، وأن الولايات المتحدة حريصة على ضبط التصعيد الذى تمارسه ضد إيران، حتى لا يفضى إلى معركة، وأضاف ان إيران سترد فى حدود ضرب الميليشيات المتحالفة مع الجانب الأمريكى.
أما بخصوص فرض عقوبات على النفط الإيرانى، فيرى عباس أنه وارد جدا، ولكن تأثيره سيكون محدود، حيث اعتادت إيران الإلتفاف على تلك العقوبات، فهى بالفعل حسب قوله، تصدر مليون برميل يوميا، وحسب عباس، فأمريكا تتغاضى عن ذلك حتى لا تنفجر أسعار النفط.
عسكرة البحر الأحمر – ملامح الصراع الخفى – وحضور الصين
كان أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو" قد قال فى حوار مع وكالة رويترز، على هامش منتدى دافوس، فى يناير الماضى، أن أسواق النفط العالمية ستتكيف مع الاضطرابات في البحر الأحمر في الأجل القصير إلا أن استمرار الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن لمدة أطول ستؤدي إلى نقص عدد الناقلات بسبب طول الرحلات وتأخير الإمدادات، وأضاف أنه يتوقع أن تشهد سوق النفط قلة في المعروض بعد أن سحب المستهلكون 400 مليون برميل من المخزونات في العامين الماضيين، وهو ما جعل الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى أوبك المصدر الرئيسي للإمدادات المطلوبة لتلبية الطلب المتزايد.
والأهم هنا هو إشارته لوضع الصين فى هذه المعادلة، حين أشار الناصر إلى انكماش المخزون عالميا إلى الحد الأدنى لمتوسط خمس سنوات بعد استهلاك نحو 400 مليون برميل من احتياطيات الحقول البحرية والبرية على مدى العامين الماضيين، وأن شركة أرامكو استثمرت في مصافي التكرير الصينية، وشملت الاستثمارات الاتفاق على توريد النفط الخام إلى المصافي، كما تجري الشركة محادثات لضخ استثمارات جديدة، مع التركيز على منتجات البتروكيماويات، حيث على حسب تصريح الناصر، "لا توجد الكثير من المصافي المتكاملة في العالم. وتقدم الصين هذه الفرصة، ومن المتوقع أن ينمو الطلب على البتروكيماويات، ولذلك فهي سوق جذابة".
ومن هنا تتضح إلى حد ما جزء من تعمق الأزمة حول مستقبل النفط وإدارته فى المنطقة، ليس فقط بسبب اضطرابات البحر الأحمر وإنما بسبب التوجهات الأمريكية في إدارة الملف، وسياساتها الإنتاجية للوقود الأحفوري، وربما محاولات عسكرة البحر الأحمر للسيطرة على مسارات تمرير النفط والغاز، وخنق الصين.
قوة دولية لحماية الملاحة فى البحر الأحمر.. صراع السيطرة
صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، فى ديسمبر 2023، بأن واشنطن تبحث حاليا إنشاء قوة لحماية الملاحة بالبحر الأحمر بمشاركة 40 دولة، متهما إيران بدعمها للهجمات التي شنها الحوثيون، بحسب ما نشرته بى بى سى، وردت إيران على ذلك بتحذير مماثل، حسب ما نشرته روسيا اليوم، فصرح وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني من أن الولايات المتحدة الأمريكية س"تواجه مشكلات كبيرة" إذا شكلت قوة دولية في البحر الأحمر، وأضاف بلهجة حادة، أن "المنطقة لم تعد لديها مساحة لأي شخص للتحرك أكثر وسيكون صراع قوى، بالتأكيد لن يفعلوا مثل هذا الشيء، وإذا أرادوا أن يفعلوا مثل هذا الغباء، فسوف يواجهون مشاكل هائلة".
من ناحية أخرى، فقد قرر الاتحاد الأوروبي رسميا إطلاق مهمّة للمساعدة في حماية الملاحة الدولية في الممر المائي الاستراتيجي، وذلك حسب ما نشره موقع فرانس 24، فى التاسع عشر من فبراير الجارى، بما يضع الأمور جميعها فى وضع الإشتعال المحتمل.
الدكتور أنس الحجي، خبير اقتصادات الطاقة، ومستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، قال فى تصريح للشروق، معقبا على ذلك، أن أن السيطرة على البحر الأحمر من قناة السويس، ومن جنوب خليج عدن، أمر مهم للغاية للولايات المتحدة الأمريكية فى صراعها مع الصين، لذلك حركت الولايات المتحدة بوارج ضخمة عليها 70 أو 80 طائرة من أحدث الطائرات في العالم، في منطقة محدودة جدًا، ردًا على هجمات الحوثيين، الذين هم مقاتلون بأسلحة بدائية "من المنظور الأمريكي"، وبحسب حجي، فسيطرة الولايات المتحدة وحلفاء أوروبيين على البحر الأحمر من خلال مضيق باب المندب، تعنى خنق الصين.
فمن ناحية تؤمن أمريكا شحناتها من النفط الصخرى الذى ترسله لآسيا عبر البحر الأحمر، وتؤمن شحنات النفط والغاز المرسلة من المنطقة إلى حلفائها الأوروبيين، وفى ذات الوقت تخنق الصين التى تزايد اعتمادها على البحر الأحمر لنقل بضائعها إلى الجانب الأخر من العالم.
حرب الحصص
وليس هذا بعيدا عن حرب الحصص التي يتوقعها الخبراء الاقتصاديون، بسبب ازدهار الإنتاج الأمريكي الذى أدى إلى تآكل حصة "أوبك" في السوق العالمية، حيث سجل إنتاج النفط الخام والمكثفات في الولايات المتحدة، رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا في هذا الربع، بلغ 13.3 مليون برميل يوميًا، وهو جزء من الرقم القياسي البالغ 21.4 مليون برميل يوميًا، بحسب بلومبرج، وتظهر هذه الأرقام أن كمية النفط التي تنتجها الولايات المتحدة (النفط الخام والمنتجات المكررة وسوائل الغاز الطبيعي) تقترب من إجمالي إنتاج المملكة العربية السعودي، التى ربما تسعى بدورها إلى غمر السوق بالنفط لإستعادة حصتها، ويحدث ذلك بينما تنسحب أنجولا من أوبك بسبب خلافات حول الحصص المقررة.
كل ذلك يطرح علامات استفهام، ما إذا كان تكدس قوات أمريكية أوروبية فى البحر الأحمر بحجة الدفاع عن الملاحة، هو وسيلة للتحكم لاحقا فى سوق النفط والغاز عموما، بما يتناسب مع مصالحهم، ومن ناحية أخرى طبيعة الرد من أصحاب المصلحة من الدول المنتجة للنفط والغاز فى الشرق الأوسط، وشكل التحالفات الجديدة، أو إعادة صياغة القديمة.
أفق شكل الاقتصاد العالمى الجديد
ربما صارت الصورة جلية، بأن العالم يرقد فوق بركان صراع اقتصادى مستعر، حرب باردة اقتصادية مكتملة الأركان، متعددة الأذرع، مغلفة بأزمات سياسية وعسكرية حادة، لكن فى عمقها تستقر الحرب الاقتصادية، ومثلما كان تضافر تلك العوامل فى الماضى يشكل حقبة تاريخية اقتصادية جديدة عالميا، فبالقياس يمكننا أن نقول أننا نشهد الآن حقبة اقتصادية جديدة عالميا.
الدكتور عبد العزيز عز العرب، أستاذ الاقتصاد السياسى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، يقول فى تصريح خاص للشروق، أنه يمكننا أن نقول أننا أمام توزيع قوى جديد فيما يخص نظام الاقتصاد العالمى، أى أنه توسيع لقوى مختلفة، والسؤال هنا مطروح على حسب رأيه، فى طريقة التكيف الذى ستقوم به قوة مثل الصين، التى لا يمكن اعتبارها نموذج بديل، لأنها نظام رأسمالي أيضا، ولكن الدولة فيه تلعب دور مختلف، مع الأخذ فى الإعتبار أن لدينا تغييرات جوهرية، كانتهاء هيمنة القطب الواحد، وحالة الهبوط للإمبراطورية الأمريكية، وبالتالى لدينا أسئلة حول أشياء كثيرة، منها مثلا اتفاقات التجارة الحرة التى أتت متأخرة على إقرار شكل النظام الاقتصادى، ولكن فى ظل سيطرة قوة واحدة مسيطرة، وفى ظل نظام اقتصادى يسمح مثلا لأمريكا بالتدخل لمنع انهيار البنوك فى الأزمة الاقتصادية فى 2008، ومثلما يقر النظام العالمى بحرية التجارة، فبحسب عز العرب، يسمح أيضا لأمريكا بمنع تصدير التكنولوجيا للصين، فى فلسفات هذا النظام، هذه هى الوسيلة لمنع حدوث انهيارات متتابعة، والأسئلة مطروحة على القوى الجديدة التى يتم توسعة النظام الاقتصادى الحالى لحضورها الطاغى، حول ملامح التوزيع الأكثر عدالة، ونسب التبادل، وغيرها من القضايا، فبالتأكيد، نحن بصدد نمط جديد، وإختلاف فى الأسلوب يعكسه حضور القوى الجديدة، وتتم صياغته الأن طبقا لما سيفضى إليه صراع مساحات القوة.
ويضيف عز العرب، فالآن يتم التسليم لنظام أسيوى، بمعنى الحضور الطاغى، وهم يرون بأن القرن الحالى هو قرنهم، ولكن لم تتضح بعد هل سيكون له قيم جديدة أم لا، فسيظهر ذلك فى التطبيق لاحقا، فالأكيد أننا أمام وضع اقتصادي عالمي جديد يتبلور، ولكن إلى الآن يحمل نفس الفلسفة الاقتصادية القائمة، ولكن بتحالفات وتوازنات جديدة.
وقد رصد ذلك أيضا الدكتور محمود محى الدين، المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، فى دراسته المنشورة في مجلة آفاق مستقبلية، فى يناير 2024، حيث قال، أن الذكاء الإصطناعى وقواعد البيانات الضخمة والطاقة، على رأس المخاطر التي أدت إلى التفتيت الذي يعاني منه الاقتصاد العالمى حاليا،حيث دفعت إلى زيادة التوجه نحو الإجراءات الحمائية، والمعوقات ضد تدفق رؤوس الأموال، وتقييد التعاون التكنولوجى، وحركة العمالة، كما اتخذت الولايات المتحدة وأوروبا، على حسب رأيه، سياسات صناعية جديدة، استندت فى أمريكا إلى قانون تخفيض التضخم وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، وفى أوروبا إلى إجراءات الإقتصاد الأخضر والتحول الرقمى، وهو ما أعاد ذكرى الحروب التجارية وممارسات القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدفع البلدان إلى تراكم ثرواتها بتقييد الواردات والتوسيع فى الأسواق، ولو كان ذلك بحروب وصراع استيطانى وتجارة البشر، كما حدث بالفعل.
وهو ما دفع الدول المتأثرة لزيادة حجم تعاونها في تحالف مثل البريكس، كاستجابة للتأثير المتزايد لاقتصادات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى فى المشهد الاقتصادي العالمي، فصار على الاقتصادات الناشئة التوفيق لحماية مصالحها الاقتصادية، بحسب ما ذكره الدكتور عادل مهنى، أستاذ الاقتصاد الدولى بالمدرسة العليا للتجارة بباريس، فى دراسته المنشورة بنفس العدد.
لذلك ومن كل ما سبق، يبدو أننا نشهد حرب باردة اقتصادية عنيفة، على مسارح مختلفة، يعاد فيها تشكيل القوى فى النظام الاقتصادى العالمى الجديد، والشرق الأوسط هو منطقة صراع كبيرة يصاغ من خلال نتائجها أحد أوجه هذا الصراع وهذا التشكل الجديد، الذى حتما سيؤثر على كل دوله وشعوبه.
اقرأ أيضا:
الطبعة الجديدة من الحرب الاقتصادية الباردة.. هل يشهد العالم مخاض ميلاد اقتصادى جديد؟ (1-3)
الطبعة الجديدة من الحرب الاقتصادية الباردة.. الحرب التكنولوجية.. اقتصاديات صناعة الرقائق الإلكترونية (2-3)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.