صحيفة الجارديان: "مطر" مزج في روايته بين الأحداث الحقيقية التاريخية والسياسية وبين شخصياته الخيالية فكانت النتيجة أشبه بتقديم "لوحات تاريخية" أعطت لتلك الأحداث العامة طابع التجربة الشخصية صحيفة الجارديان: "رواية «أصدقائي» حساسة وجريئة بنفس قدر كتاب هشام مطر الأشهر «العودة».. ومليئة بالمشاعر الإنسانية المعقدة في عدم قدرة ثلاثة من الرجال على تكوين أسر سعيدة لأن كل شيء في حياتهم مؤقت - فالالتزام بالحب يعني الالتزام بالمنفى" رواية جديدة من المتوقع صدورها في التاسع من شهر يناير من العام الحالي الجديد للكاتب الليبي هشام مطر صادرة عن دار نشر "بنجوين راندوم هاوس" أشادت بها صحيفة "الجارديان" البريطانية عبر أحدث مراجعة نقدية لها صاغ من خلالها "مطر" ببراعة العلاقة المتشابكة بين ثلاثة من الأصدقاء الليبين، وتأثير "جزر ومد" السياسة والتاريخ على حياتهم؛ أو كما يقول أحد أبطال الرواية (خالد) - كذبًا - إنه لا يفقه شىء في السياسة تهربًا من تقديم أحد العروض التقديمية لطلابه في المدرسة عن الربيع العربي، وكما يقول البطل الآخر (حسام) إن التاريخ مد ولا يستطيع أحد من بلده السباحة بعيدًا عنه؛ فهم فيه ومنه. وقد تأثرت حياة هشام مطر بشدة في الماضي بسبب هذا "المد"؛ فوصف كتابه الواقعي الذي يحمل عنوان «العودة» - والذي نال استحسانًا كبيرًا من القراء والنقاد على حد سواء وحاز على جائزة "البوليتزر" العالمية - واقعة اختطاف والده على يد قوات الحاكم الدكتاتوري الليبي الراحل معمر القذافي، واختفائه في غياهب سجونه للأبد، وسعي "مطر" الحثيث الذي دام عقودًا لاكتشاف مصيره، وقد أشادت صحيفة "الجارديان" بكتاب «العودة» في السابق، وقالت إن بالرغم من أن محتواه كان صادمًا إلا أن أسلوبه كان هادئًا وإلى حد ما "عقلانيًا"؛ كأنه نغمة حزينة تكمن قوتها في مواجهة الوحشية ليس بالغضب ولكن بالحزن. وأفادت المراجعة النقدية الحديثة بأن هذه الرواية الجديدة "حساسة" بنفس القدر، فكريًا وعاطفيًا، و"جريئة" أيضًا بنفس القدر؛ حيث تدور أحداثها حول حيوات ثلاثة شبان ليبيين في المنفى في لندن، وكيف جمعتهم الحياة والأهداف تارة وكيف فرقتهم تارة أخرى، كما أن القصة تتبعت حيواتهم منذ الطفولة، بيد أن القصة الرئيسية تبدأ في عام 1984، وهو العام الذي أطلق فيه المسؤولون داخل السفارة الليبية في ميدان "سانت جيمس" بلندن النار من مدفع رشاش على حشد من المتظاهرين العُزل المناهضين للقذافي. ومن بين الذين أصيبوا بالرصاص اثنان من الأصدقاء وهما (خالد) وزميله الطالب (مصطفى) وظلا بعد تلك الواقعة في المستشفى لأسابيع يتعافون من جراحهم في جناح خاص تحرسه الشرطة، وحسب وصف "مطر"، فإن المشكلة الأكبر والفجيعة الأعظم كانت تقع في حقيقة أن الأصدقاء الطلاب حينها في جامعة إدنبرة كانوا يعوون جيدًا أن غيابهم عن الفصول الدراسية سيتم ملاحظته من قِبَل جواسيس "القذافي" المنتشرين في لندن، وبالتالي سيبلغون القيادة بمشاركتهم في المظاهرات المناوئة له، وتبعات ذلك جسيمة؛ لأنها تعني أنهم لا يمكنهم العودة إلى ديارهم إلى الأبد وإلا سيلقون حتفهم على يد الطاغية، ومما يزيد من الألم أنهم لا يستطيعون حتى أن يخبروا آباءهم المذعورين – عبر خطوط الهاتف الخاضعة للتنصت – عن سبب بقائهم إلى أجل غير مسمى في المنفى. أما الثالث في مجموعتهم، وهو (حسام) الأكبر سنًا بقليل، هو كاتب، وقد قدم من قبل قصة رمزية سياسية تشجع على تحدي النظام الليبي تمت قراءتها عبر خدمة راديو "بي بي سي" العربية العالمية، وكان رد فعل حكومة "القذافي" في القصة هو قتل قارئ الأخبار الذي قرأ القصة عبر الراديو في ساحة مسجد "ريجنتس بارك". وقالت المراجعة النقدية إن روعة الرواية الجديدة تكمن في أن "مطر" مزج بين تلك الأحداث الحقيقية: مثل حادثة مقتل المذيع و حادث إطلاق النار في السفارة وبين شخصياته الخيالية في الحبكة القصصية، فكانت النتيجة أشبه بتقديم "لوحات تاريخية" أعطت لتلك الأحداث العامة طابع التجربة الشخصية. ولا تتبع الرواية التسلسل الزمني النمطي في سرد الأحداث؛ فأحداثها تبدأ من النهاية وكلا من (حسام) و(خالد) في منتصف العمر حيث تفرقت بهم السبل؛ فذهب الأول للعيش في كاليفورنيا، وبقى (مصطفى) في ليبيا مع الميليشيات، بينما (خالد) - وهو الراوي- يخبرنا أنه رأى (حسام) ذات مرة بالصدفة في قطار في محطة "سانت بانكراس" في لندن، ثم سار عبر طريق ملتوي طوال الطريق عائداً إلى شقته في "شيبردز بوش" غارقًا في الذكريات بدون أن يتبادل مع صديقه القديم كلمة واحدة. ذلك السرد اللولبي للأحداث يتكرر بقوة في رواية "مطر"؛ فهي فتعود مرارًا وتكرارًا إلى بعض اللحظات الحاسمة في حياة أبطال القصة، و تدريجيًا يتوصل القارئ إلى سبب توقف (حسام) عن الكتابة، وسبب أن الرجال الثلاثة غير قادرين على تكوين أسر سعيدة؛ لأن كل شيء في حياتهم مؤقت - فالالتزام بالحب يعني الالتزام بالمنفى. الحبكة مليئة أيضًا بالمفاجآت غير المتوقعة التي نمت من بنات أفكار الكاتب؛ فنجد أن (مصطفى) الوكيل العقاري اللطيف أصبح محاربًا شرسًا من أجل أفكاره، ووقع (حسام) في حب الوطن والشعر العربي مرة أخرى وأيضًا في غرام ابنة عمه، بينما قام (خالد) بأشجع خطوة؛ ألا وهي قبول الحياة المتواضعة - والخلّاقة - التي أسسها لنفسه في لندن وقرر أن يكون صادقًا معها ومع نفسه، وفي إشارة ساخرة إلى كتابه الأكثر شهرة، أشار "مطر" إلى أن (خالد) قد يزور والديه في طرابلس في نهاية المطاف لكنه "سيعود" بعد ذلك ليس إلى مسقط رأسه الحقيقي ولكن إلى مسقط رأسه الذي بناه بساعده وأفكاره وأحلامه وغربته؛ المكان الذي أصبح فيه رجلًا بالغًا. وبيّنت المراجعة أن الكتاب ملىء بالجماليات الفنية، ومنها الجمل الطويلة والرائعة والتأملية التي تتخللها أحيانًا جمل قصيرة تعطى المعنى المراد بمنتهى الإيجاز والوضوح؛ فقصص الماضي تتداخل مع حلقات من التجارب الحياتية الدسمة؛ كالزواج والولادة والوفيات، وفي تلك الرواية تنفتح أبواب الماضي المباشر على ذكريات الماضي الأعمق - والأكثر إيلامًا - الذي لا ينفك يطارد أبطالنا. كما أن الحبكة مليئة بالدراما الإنسانية وما تحمله بين طياتها من الأحلام والرؤى المختلفة للأبطال، ونسرد منها زيارة (خالد) إلى المتحف الوطني حيث كان يتأمل لوحة رسمها الفنان الألماني هانز مملينج، ومن المعروف أن تلك هواية شهيرة خاصة بالكاتب هشام مطر الذي تحدث كثيرًا عن عشقه لزيارة المتاحف والمعارض الفنية من أجل تأمل اللوحات وقد تتتغرق الواحدة منه عدة أشهر متتالية. وفي النهاية، قالت المراجعة النقدية إن رواية "مطر" الجديدة هي كتاب عن المنفى ومشاعر الفقد والحزن، ولكنها قبل كل شيء دراسة حية عن الصداقة؛ طبيعتها، وماهيتها، وتطورها عبر الزمن، وعبر الأحداث، وأيضًا تناقضاتها ف (خالد) على سبيل المثال يحب صديقيه، لكن لديه بعض المآخد على تنافسيتهما، وتألم كثيرًا عندما استبعداه من دائرتهما الخاصة، وكما قال (حسام) ذات مرة: "الأصدقاء..ياله من مصطلح يستخدمه معظم الناس مع أولئك الذين لا يعرفون عنهم أي شىء، في حين أنه مفهوم أعمق و- أروع- من ذلك بكثير".