نشرت جريدة الشروق، يوم الإثنين الموافق 30/10/2023، على صفحتها الأخيرة خبرا تحت عنوان (محميات بلادى.. مبادرة من جامعة القاهرة للحفاظ على المحميات الطبيعية)، وهو ما يدفعنى كمواطن تابع بإخلاص متكامل منذ عام 1983 قرارات وإعلانات حكومات مصر المتعاقبة المرتبطة بالمحميات الطبيعية المنتشرة على المليون كيلومتر مربع من أرض مصر. وهى إعلانات وقرارات سيادية واكبت الحادث بالعالم أجمع لتثبت وعى الدولة المصرية وجديتها فى حماية كنوز مصر الطبيعية وكائناتها (حوالى عشرة ملايين نوع) من الانقراض لصالح الأجيال القادمة ولصالح حماية مناخ الكرة الأرضية عالمنا وحياتنا. فإعلان وجود محميات طبيعية فى أى دولة هو إعلان حضارى يحترمه العالم أجمع ويسجل بفخر فى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، بل وتتسابق الدول الغنية حيال تقديم الدعم المادى والعلمى وبسخاء للدول النامية والفقيرة لضمان الجدية والاستدامة والحفاظ على محمياتها، وذلك لصالح مناخ وكنوز عالمنا الطبيعية. تبع ذلك إعلان منظمة الأممالمتحدة عام 1997 من أنه سيعقد عام 2002 بمدينة كيبك بكندا أول مؤتمر دولى لنشاط السياحة البيئية الداعم الرئيسى لمنظومة محميات دول العالم الطبيعى؛ ومنذ ذلك الإعلان ارتبطت حياتى تماما بهذا النشاط الجديد وبكل ما هو مرتبط بالمحميات الطبيعية. وتشرفت بتمثيل مصر فى معظم المؤتمرات الدولية المرتبطة بهذا النشاط بدءا بمؤتمر السياحة البيئية الأول التابع لمنظمة الأممالمتحدة، والذى سُجل أنه أكبر مؤتمر فى تاريخ الأممالمتحدة من حيث عدد الدول وعدد المشاركين وعدد المعارض الداعمة لهذا النشاط. كما تشرفت بكتابة أول تقرير رُفع للسيد رئيس الجمهورية عام 2007 عن السياحة البيئية بمصر، وأنتجت عدد ثمانى وعشرين حلقة وثائقية للفضائية المصرية عن محميات وقبائل وبيئة مصر الطبيعية، حيث كنت متواصلا ومتعاونا مع معظم السادة وزراء البيئة بل وشغلت لعدة سنوات متطوعا وظيفة مستشار وزيرة البيئة لشئون السياحة البيئية. وهنا أسجل واقعنا حيال هذا الأمر. أول إعلان لمحمية طبيعية بمصر صدر عام 1983، تلى ذلك قرارات متتابعة وإعلانات للحكومات المتعاقبة لمحميات بلغ عددها الثلاثين عام 2012 بمساحة إجمالية توازى 15٪ من مساحة مصر، ثم أعلنت الحكومة أنه بحلول عام 2017 سيضاف عدد أربعة عشر محمية لقبت بالمستقبلية منتشرة بالصحراء الغربية والصحراء الشرقية وصحراء سيناء ليكون إجمالى مساحة المحميات ما يوازى 20٪ من مساحة مصر. وذلك بعد إجراء مسح ودراسات علمية متكاملة الجوانب على الأرض قام بها نخبة من علماء مصر الدوليين والمحليين فى جميع التخصصات وعلى رأسهم المرحوم الدكتور محمد القصاص. مع الإشارة إلى إعلان وادى الحيتان بمحمية وادى الريان بالفيوم فى يوليه من عام 2005 محمية تراث طبيعى عالمى تابعة لليونسكو. وهذا مختصر لما أعلنته الحكومات المتعاقبة، أى أن إجمالى محميات مصر هو أربع وأربعون محمية كلها تضم كنوزا طبيعية وجيولوجية وتنوعا حياتيا ونباتيا، جزء كبير منها نادر جدا، ومنها كائنات لم يتخيل معظم شعب مصر وجودها. خلال هذه السنوات قمت بتجميع كامل المعلومات المرتبطة بهذا المجال سواء من الصحف المحلية أو الدولية أو عن طريق شراء كامل الكتب والمطويات والأفلام والخرائط المحلية والدولية لتكون مرجعا وتسجيلا لتطورات هذا الأمر بمصر. بعد كل هذا السرد ماذا حدث واقعيا فى مصر؟، فاليوم ونحن نقترب من نهاية عام 2023 إن العدد الفعلى لمحميات مصر هو 28 محمية طبيعية، لأن عددا من أجهزة الدولة قررت استخدام بعض المحميات لصالح بناء مشاريع استثمارية وطرق بما يخالف منظومة المحميات الطبيعية المعلنة والمتبعة بجميع دول العالم، وبالتالى نكون أول دولة تلغى عددا من قراراتها المرتبطة بالمحميات. ودون الخوض فى تفاصيل هذه التطورات مع وضع إمكانيات وثقل وزارة الدولة لشئون البيئة وجهاز شئون البيئة فى الحسبان رأيت تسجيل حل لإنقاذ المحميات المعلنة، وهو باختصار إشراك القطاع الخاص فى إدارة المحميات كالمتبع فى عدد كبير من دول العالم؛ فهناك عدد من شباب مصر الواعد ذوى الوعى البيئى رفيع المستوى، شباب حققوا نجاحات ممتازة فى مجالات مرتبطة بالبيئة مثل الفنادق البيئية. لكن من الأهمية القصوى إذا تقرر اتخاذ هذه الخطوة ألا تقيد حركتهم وألا تُفرض عليهم قيود خانقة. فقد حان الوقت للثقة فى شبابنا، ولى تجارب شخصية عملية مع شبابنا حققت إنجازات ممتازة ومشرفة. وهذا هو الحل الوحيد لضمان الحفاظ على محمياتنا لأجيال المستقبل.