توقيع بروتوكول تعاون لترسيخ مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة    فضيحة إسرائيلية: حملة تضليل ممولة لخداع الجمهور الأمريكي    تصفيات كأس العالم.. ترتيب مجموعة مصر بعد الفوز على بوركينا فاسو    القيعي: أشفق على كولر بسبب الضغوط.. وأطالب اللاعبين بالتركيز    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    الحبس وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة استخدام برنامج معلوماتي في محتوى مناف للآداب    بظل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اقتحام واسع للمسجد الأقصى وطقوس ل"أمناء الهيكل"    الأربعاء ..الصحفيين توقع بروتوكول تعاون مع بنك ناصر الاجتماعي    ارتفاع أسعار النفط وسط آمال خفض الفائدة الأمريكية في سبتمبر    نور الشربينى تواصل الدفاع عن اللقب وتتأهل لنصف نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    الأرصاد تكشف حالة الطقس أيام عيد الأضحى وتؤكد: الجمعة ذروة الموجة الحارة    بعد إحالة أم وعشيقها للجنايات، ننشر أقوال مجري التحريات بواقعة مقتل الطفلة ريتاج    عمرو دياب يُحيي حفل زفاف جميلة عوض وأحمد حافظ    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    وفاة المخرج المسرحي محمد لبيب    ماذا كان يفعل النبي محمد بعد رؤية هلال شهر ذي الحجة؟ دار الإفتاء توضح    «زوجي عاوزني أشتغل وأصرف عليه؟».. وأمين الفتوى: عنده مشكلة في معرفته لذاته    «يقول الشيء وعكسه ويروي قصصًا من خياله».. ماذا قالت اللجنة الطبية عن القوى العقلية ل«سفاح التجمع»؟    تفاصيل إصابة لاعبي الكاراتية بمركز شباب مساكن إسكو    ميلان يعثر على خليفة جيرو    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    جمال شقرة يرد على اتهامات إسرائيل للإعلام: كيف سنعادى السامية ونحن ساميون أيضا؟    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أحمد فايق: الثانوية العامة مرحلة فى حياتنا علينا الاجتهاد والنتيجة على ربنا    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    موعد صلاة عيد الأضحى 2024.. بالقاهرة والمحافظات    جامعة أسيوط تشارك في المؤتمر ال32 للجمعية الأوروبية لجراحي الصدر بإسبانيا    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    خبير تربوى يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    خبير علاقات دولية: جهود مصر مستمرة في دعم القضية الفلسطينية (فيديو)    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    «تموين القاهرة» تضبط أكثر من 11 طن دواجن ولحوم و أسماك «مجهولة المصدر»    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ركام على أشلاء أعز الناس».. حكايات من دفتر تضحيات أهالى غزة
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 10 - 2023

الصحة الفلسطينية: 881 مجزرة عائلية بالقطاع.. وشطب أسر بأكملها من السجل المدنى
عائلة شهاب «إبادة كاملة».. وقتل 40 من أبناء «الزعانين».. وآية الكرد تتمنى قيام الساعة.. سفير فلسطين ل«الشروق»: الموت يلاحق الجميع ولن نترك أرضنا
«يقال دائما إن حياة كل إنسان قصة تستحق أن تروى، ويجب أن تروى حين يحين أوانها».. جملة الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، تخبرنا عن غزة الآن، وأن لشهدائها على وقع العدوان الإسرائيلى الغاشم قصصا حافلة بالتضحيات من الواجب أن تروى، لاسيما وإن كانت الرواية تكشف عن عائلات أبيدت بأكملها، فى سبيل الدفاع عن أرضها وإيمانها بالقضية.
«الشروق» تروى من دفتر الحكايات مآسى وقصصا ومجازر عائلية أبادها الاحتلال، وبعضها مسحت من السجل المدنى، بسبب الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضى.
لينا الزعانين تلملم أشلاء العائلة
نجت بأعجوبة من جريمة إبادة تتكرر يوميا أودت بحياة 40 فردا من عائلتها، يوم 10 أكتوبر الجارى، عندما حولت غارة جوية إسرائيلية منزل عائلتها فى «بيت حانون» شمال شرق قطاع غزة إلى ركام بعضه فوق بعض.
لينا، وهى أستاذة إرشاد نفسى وتربوى، واحدة من بين نحو 881 عائلة بغزة استشهد غالبية أفرادها، إضافة إلى تعرض 20% من بينها لجرائم إبادة جماعية، و«شطبت تماما من السجل المدنى»، منذ بدء العدوان الإسرائيلى قبل 23 يوما.
تتذكر لينا، قصة استشهاد 40 فردا من عائلتها بينهم عمها وأولاده وزوجاتهم وأطفالهم التى لم تتخط أعمارهم العشرة أعوام بعد، وتروى ل«الشروق»: «عشت تجربة قاسية ستظل ماثلة أمام عينى، بعد استشهاد عائلتى إثر قصف إسرائيلى عنيف دون سابق إنذار لمنزل العائلة المكون من 5 طوابق فى بيت حانون».
وبذاكرة تتلعثم، تغالب دموعها: «فى لحظات تحول المنزل لركام أعلى أشلاء أعز وأغلى الناس.. لم ينج من عائلتى سوى 4 أشخاص يتواجدون حاليا بغرف العناية المركزة بأحد مستشفيات القطاع، بعد أن جرى إخراجهم من بين ركام المنزل بعد أكثر من 8 ساعات من القصف».
لا مكان آمنا
الزعانين، تؤكد أن ما حدث ويحدث يوميا فى غزة، هو تجسيد للنهج الإسرائيلى منذ بداية الحرب، فى تعمد الإبادة الجماعية للمدنيين العزل، متابعة: هذا يسمى جرائم وحشية ضد المدنيين؛ لقد دمرت إسرائيل عائلات بأكملها ومسحتهم من الوجود.
ولم تشأ أستاذة الإرشاد النفسى، أن يقتصر حديثها عن مأساتها الخاصة، بل عمدت إلى وصف الوضع الإنسانى فى القطاع، وقالت إنه: «كارثى، بين مهجر ومشرد، فلا ماء ولا كهرباء ولا مأكل أو مأوى، واللسان يعجز عن وصف حال الأهالى فى ظل ما يتعرضون له من قصف وتهجير وهدم بيوت وقتل».
وتضيف: لا يوجد مكان آمن نهائيا فى غزة كما أن إسرائيل تطلب إخلاء المنازل إلى منطقة أخرى بها مدارس، لكن وحشيتهم وجرائمهم لاحقت المدارس أيضا، والأهالى هجروا ولا يعرفون إلى أى وجهة سيتوجهون.
ولفتت إلى أن الهدف النهائى لسياسة التدمير والقتل الجماعى هو التهجير القسرى «لكننا نرفض التهجير وسنظل هنا لن يخيفنا قصف أو تهديد.. وجميعنا نرفض تكرار مشهد عام 1948 مرة أخرى»، فى إشارة إلى إجبار الفلسطينيين عام 1948 على الرحيل القسرى من وطنهم، بعد طرد غالبيتهم من المدن والبلدات والقرى التى احتلها المستوطنون.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أشرف القدرة، تعمد الاحتلال الإسرائيلى ارتكاب 881 مجزرة بحق العائلات راح ضحيتها 6120 شهيدا، منذ 7 أكتوبر الجارى، وما زال عدد كبير من الضحايا تحت الأنقاض.
وأفاد القدرة خلال مؤتمر صحفى، أمس، أن إجمالى حصيلة العدوان على قطاع غزة حتى ظهر أمس بلغ 8005 شهداء، من بينهم 3324 طفلًا، و2062 سيدة و460 مُسنا، إضافة إلى 20242 جريحا.
بسمة.. وفاجعة فقدان الوالدين
المتصفح أيضا لسجل أسماء الشهداء الذى أعلنته وزارة الصحة بغزة – وتلقت «الشروق» نسخة منه ردا على تشكيك الإدارة الأمريكية بصحة إحصائيات الوزارة يجد فيها تسلسلا لأسماء شهداء من عائلة واحدة تمت إبادتها فى القصف الإسرائيلى الذى لا يتوقف، ومنها «عائلة الكرد»، التى طالها القتل الجماعى فى غارة إسرائيلية بدير البلح وسط قطاع غزة يوم 14 أكتوبر الجارى.
تقول بسمة الكرد بمزيج من الألم والأسى: «إسرائيل استهدف 15 فردا من عائلتى فى ضربة واحدة، خلال غارة على منزلنا ومنازل أقاربنا، ومن بين الشهداء أمى وزوج أختى وأمه وأخته وأخوه وابن أخيه وزوجة أخيه وأطفالها، وابن عمى وطفله، وابنة عمى وطفلتها، وأحفاد عمى»، واستشهد والد بسمة لاحقا متأثرا بإصابته جراء القصف الإسرائيلى.
وفى تفاصيل مشهد الموت تمسك بسمة بأصابعها كطفل بدا للتو تعلم الحساب: «2 5 6 8 11 13 14 15.. من صباح يوم 11 أكتوبر الجارى، وأنا لا أجيد العد وأتلعثم كثيرا بالأسماء؛ خصوصا أسماء الأطفال، فكان العداد يزيد ونستقبل خبر وفاة اثنين أو ثلاثة معا حسب توقيت برود الصواريخ».
وتتمنى بسمة الكرد التى تعمل بجمعية «عايشة لحماية المرأة والطفل» وهى جمعية أهلية فلسطينية نجاة من هم تحت الأنقاض من عائلتها، والبحث جارٍ عنه.
وتشير وزارة الصحة الفلسطينية ، إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الطواقم الطبية أدت إلى استشهاد 116 من الكوادر الصحية وتدمير 25 سيارة إسعاف، واستهداف 57 مؤسسة صحية أخرج منها الاحتلال 12 مستشفى و32 مركزا للرعاية الأولية عن الخدمة بسبب الاستهداف ونقص الوقود.
ربّى أقم الساعة
المعلمة آية الكرد شقيقة بسمة، تلتقط الحديث قائلة والألم يعتصرها: «لا أعلم إن انتهت هذه الحرب وكتب لنا أعمار جديدة كيف سنكمل حياتنا؟، لم أتخيل هذا للحظة واحدة! كل حياتى المقبلة وأحلامى كنت أتخيلها بوجود أمى وتحيطنى بدعواتها، فى كل هدف كنت أريد الوصول إليه كنت أقرن تحقيقه بضحكتها وفخرها وإيمانها، لا أعلم بما سأصبر نفسى على هذه الحياة بعدها».
«ربّى أقم الساعة».. قالتها آية، لتعبر ربما عن لسان حال أهالى غزة فى الوقت الحالى، على وقع حياة لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، وواقع مرير غير مسبوق، مع اشتداد القصف الإسرائيلى يوما بعد الآخر، وفقا لشهادات منظمات طبية وحقوقية دولية.
أريج قنن.. مأساة مضاعفة
لعلّ من مفارقات المأساة الفلسطينية أن من لم يطله الموت فى الوطن طاله الوجع فى الغربة، فالمعلمة الفلسطينية أريج قنن، يتفاقم لديها الإحساس بالأسى والألم، بعد أن تلقت خبر استشهاد 10 من أفراد عائلتها، وهى بعيدة عن وطنها وعائلتها، حيث تتواجد بدولة الكويت للعمل مدرسة.
وسط مجموعة كبيرة من زملائها وأهل الكويت والمقيمين على أرضها، تلقت المعلمة الفلسطينية، المواساة والتعزية بعد استشهاد والدها ووالدتها وشقيقتها وشقيقها وزوجته وجنينها وأطفالهما الخمسة، نتيجة القصف الإسرائيلى لمنطقة خان يونس، فى 9 أكتوبر الجارى.
كتبت قنن على صفحتها عبر «فيسبوك» خبر استشهاد عائلتها الذى تلقته وهى بعيدة عنهم: «الحمد لله من قبل ومن بعد، لله ما أعطى ولله ما أخذ، وكل شىء عنده بمقدار، اللهم إنى أستودعتك أهلى فتقبلهم فى عليين، أعلن استشهاد أصحاب السيرة العطرة فخرى وعزوتى، والدى وتاج رأسى وفخرى محمد عيسى محمد قنن، ووالدتى ونبض حياتى ورفيقة دربى وملجأى بعد الله، زهدية محمود درويش، وشقيقتى صاحبة القلب الطيب، وصال محمد عيسى، وشيقى الحنون جميل الخلق ذو الأثر الطيب المهندس محمود، وزوجته ختام أبو عودة وجنينها وأطفاله الخمس؛ ميار محمود محمد 12 عاما، ومحمد 10 أعوام، وريم 7 أعوام، وعمر 5 أعوام، ولينا 3 أعوام».
وأوضحت أنها تلقت خبر استشهاد عائلتها بمشاعر متباينة، تتمثل فى الحزن والفقدان والفرح بعد نيلهم الشهادة، وتؤكد أنها تمكنت من الحفاظ على قوة العزيمة والصبر.
عائلة شهاب.. إبادة كاملة
مفارقة ربما لا تحدث سوى فى فلسطين، أن تكون لينا الزعانين وبسمة الكرد، وأريج قنن، أفضل حالا من آخرين فى قطاع غزة، لم يجدوا من يروى قصص استشهاد ذويهم؛ لأنه ببساطة لم يعد هناك من «يحكى القصة» بعد تعرض العائلة بالكامل لإبادة ومحو من السجل المدنى.
عائلة شهاب إحدى هذه العائلات، التى لم يسفر بحث «الشروق» عن أحد أفرادها على قيد الحياة، فيما نقلت وسائل إعلام محلية فلسطينية عن مصادر حقوقية وطبية فى غزة تعرض عائلة شهاب وجميعهم من المدنيين لإبادة كاملة بعد استشهاد 44 فردا فى قصف استهدف ثلاثة منازل للعائلة فى «جباليا البلد» صباح يوم 13 أكتوبر الجارى بدون سابق إنذار، ما أسفر عن تدمير المنازل على رءوس قاطنيها.
ووصفت تلك المصادر، ما جرى بحق عائلة شهاب، ب«مجزرة مروعة»، وتظهر قائمة أسماء عائلة شهاب التى أبيدت عن بكرة أبيها استشهاد 44 فردا بينهم 25 طفلا من عمر 40 يوما حتى 16 عاما (هدف إسرائيل فى جميع مجازرها) علاوة على الرجال والنساء.
ملاحقة رغم النزوح
لا غرابة فى «غزة» أن تفقد عائلات عددا كبيرا من أفرادها، فالقصف الإسرائيلى يأتى على المنازل المكونة من ثلاثة أو أربعة أو خمسة طوابق فيهدمها فوق رءوس ساكنيها دون سابق إنذار، لكن الأغرب أن يطلب من السكان أن يلجأوا إلى منطقة محددة حتى لا يطالهم القصف ثم يتم استهدافهم بمجرد وصولهم.
فرغم تنفيذ عائلة حسن شعبان حلاسة الباحث فى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، طلب سلطات الاحتلال بالنزوح، إلا أن الاحتلال باغت المنزل الذين لجأوا إليه بقصف صاروخى يوم 15 أكتوبر الجارى، دون سابق إنذار أيضا، ما أدى لاستشهاد 12 من عائلته.
«الشروق» حاولت التواصل مع «حلاسة» لكن المحيطين به أبلغونا بأنه لا يزال يعيش منذ استشهاد عائلته فى صدمة نفسية أعجزته عن الكلام، بيد أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ذكرت فى بيان لها، أن أفراد «عائلة حلاسة» استشهدوا فى غارة إسرائيلية ظهر يوم 15 أكتوبر الجارى، استهدفت المنزل، الذين لجأوا إليه فى منطقة الزوايدة فى المحافظة الوسطى، بعد أن تركوا منزلهم فى حى «الشجاعية» بمدينة غزة بناء على تعليمات جيش الاحتلال بإخلاء منطقة شمال غزة والتوجه جنوبا بزعم أنها «الأكثر أمنا».
الموت يلاحق الجميع
السفير الفلسطينى فى القاهرة، دياب اللوح، يؤكد فى حديث خاص ل«الشروق»، أن «ما يحدث فى غزة، بمثابة حرب إبادة جماعية ممنهجة دون سابق إنذار، حيث بات الموت يلاحق الجميع، ويحصد الأرواح، بعد أن عمدت إسرائيل إلى قصف منازل وعمارات مأهولة بأكملها تأوى سكان ونازحين».
وينبه هنا إلى أنه «فى الحروب السابقة، كانت إسرائيل تقوم أحيانا بإنذار مسبق للسكان فى المنازل بضرورة الإخلاء، لكن ما يحدث يدلل على الاستهداف الواضح ضد المدنيين العزل، وحرب إبادة جماعية ممنهجة دون سابق إنذار».
إن إبادة عائلات بأكملها أو عدد كبير منها، يرتبط بعوامل محددة، يوضح السفير الفلسطينى: هناك عائلات تضم عشرات الأفراد من نفس العائلة أبيدت بالكامل، وبحكم الجغرافيا فى قطاع غزة، فإن العائلات تسكن إلى جوار بعضها، وحين يتم تدمير مجمع سكنى كامل، فإن عائلات تباد بأكملها. ويضيف: وفقا لآخر الإحصائيات فإن هناك من 70 80 شخصا استشهدوا من عائلة واحدة فقط».
لن نسمح بنكبة جديدة
ولم يفت سفير فلسطين فى مصر الكشف عن أبعاد المخطط الإسرائيلى ومواجهته، «العقلية الإسرائيلية الانتقامية تستهدف خلق حالة من الفزع والهلع بين المواطنين الفلسطينيين فى قطاع غزة لحملهم على ترك بيوتهم، ودفعهم إلى النزوح من الشمال إلى الجنوب، تنفيذا للمخطط الإسرائيلى الصهيونى القديم بتهجير أبناء الشعب الفلسطينى من أراضيهم، ونقلهم إلى دول مجاورة، أو دول أخرى وهذا المخطط لم يمر قديما ولن يمر الآن».
وفى هذا الصدد، يستطرد: «أردد ما أكده الرئيس محمود عباس (لن نترك أرضنا، ولن نغادر وطننا، ولن نكرر أخطاء الماضى، ولن نسمح بحدوث نكبة جديدة)، ولا توجد قوة على وجه الأرض تجبر المواطن الفلسطينى على ترك أرضه أو بيته».
ويبرز السفير دياب اللوح: «لقد استمعت لشهادات حية من المواطنين الفلسطينيين، سواء بالاتصال أو على شاشة الفضائيات، والجميع يؤكد تمسكه بالصمود والبقاء على أرضه، حتى لو ظل بجانب ركام بيته الذى تم تدميره من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلى».
ويشدد اللوح: «هذه الدماء التى سفكت وسالت وروت تراب الأرض فى غزة والضفة والقدس وفى أنحاء فلسطين غالية، ولن تذهب هدرا، وستوقد وتضىء المشاعل على طريق الحرية والتحرير، والعودة حتى دحر الاحتلال الإسرائيلى، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرضنا، دولة الشهداء والمؤسسات والأسرى والمظلومين فى فلسطين وخارجها».
«نحن فى لحظة نواجه فيها نكبة، ومجازر دموية، ونواجه مع ذلك صمت دولى وعدم اكتراث للاتفاقيات والقانون الدولى، بعد أن ضربت إسرائيل بكل ذلك عرض الحائط وآخرها كان رفض قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد هدنة إنسانية، بل تجرأت وقالت إنه لا أهمية له وأن مكانه حسب ما قالوا فى سلة المهملات»، وفقا للسفير الفلسطينى.
يشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد تبنت السبت 28 أكتوبر الجارى، بأغلبية 120 صوتا، قرارا عربيا غير ملزم يطالب «بهدنة إنسانية فورية وثابتة ومستدامة» فى غزة.
وفى رسالته للمجتمع الدولى، يقول سفير فلسطين فى القاهرة: «المجتمع الدولى الذى يكيل بمكيالين، ويتحدث بلغتين، وفشل فشلا ذريعا فى وقف العدوان على غزة، يجب أن يتحمل مسئوليته التاريخية والإنسانية والأخلاقية، على الأقل أن يكون هناك ولو صحوة من ضمير لما يتعرض له الشعب الفلسطينى فى غزة، وأن يكون لديه مشاعر إنسانية تجاه هؤلاء المدنيين الأبرياء الذين يقتلون بدم بارد فى جرائم حرب على مسمع ومرأى من العالم كله».
ويتابع: «نحن متساوون جميعا فى هذه النكبة، وأطالب المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطينى».
ويحرص على التأكيد أن ما يجرى فى غزة الآن يمس الأمن والاستقرار والسلم فى العالم كله، ولا يمكن التعامل مع ما يجرى فى فلسطين على أنه كوكب منعزل.
وفى ملمح آخر يسعى الدبلوماسى البارز إلى لفت الانتباه إلى أن شعب غزة وهو يعيش هذه النكبة والمأساة والكارثة الإنسانية والنقص الحاد فى الغذاء وانقطاع الكهرباء والإنترنت، وسط كل ذلك، فإن معدلات الجريمة منعدمة، ولا توجد سرقات للمنازل، رغم عدم وجود شرطة فلسطينية والتى لا تعمل بسبب التهديد والخطر الذى يهدد الجميع.
مطالب بحماية دولية
رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطينى، بغزة، صلاح عبدالعاطى، نوه بأن الاحتلال ارتكب 881 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية منذ بدء عدوانه على قطاع غزة عبر قصف منازل المواطنين والأحياء السكنية فوق رئوس سكانها، مشيرا إلى أن نسبة 20% من العائلات المستهدفة خرجت من السجل المدنى بشكل كامل.
وأكد عبدالعاطى ل«الشروق»، أن إبادة عائلات كاملة بمثابة «مجازر وحشية وترقى لجرائم الإبادة الجماعية والتى تتعارض مع قواعد القانون الدولى الإنسانى وأعراف الحرب لاسيما أحكام اتفاقيات جنيف وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية».
ودعا إلى ضرورة محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلى أمام المحكمة الجنائية الدولية، والتحرك لتوفير حماية دولية للمدنيين ووقف العدوان على قطاع غزة.
وأكدت وزارة الصحة فى قطاع غزة، أمس، أن العدوان الإسرائيلى تسبب فى تهجير قرابة مليون ونصف المليون نازح وبشكل قسرى من منازلهم وخاصة فى محافظة الشمال ومدينة غزة يعيشون فى أوضاع إنسانية كارثية بسبب العقوبات الجماعية على القطاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.