على مدى 17 يومًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أدى حتى الآن إلى استشهاد 5087 فلسطينيًا منهم 2055 طفلًا، فضلًا عن إصابة 15273 أخرين، فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار ينص على وقف إطلاق النار، في مشهد يكرس حالة العجز الهيكلي للمجلس عن القيام بمهمته الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين. * جمود مجلس الأمن لم يتمكن المجلس الذي يتألف من 15 عضوا بينهم 5 أعضاء دائمين يملكون حق النقص "الفيتو" من تمرير مشروعي قرارين أحدهما روسي والأخر برازيلي- رغم التباين في صياغتهما وأهدافهما- كان يهدفان إلى وقف إطلاق النار، وإنشاء ممر إنساني لنحو 2.3 مليون فلسطيني محاصر في غزة، إضافة إلى بنود أخرى، وذلك نتيجة استخدام الولاياتالمتحدة لحق الفيتو في كلتا الحالتين. في المقابل، أعدت واشنطن مشروع قرار يدعم ما قال إنه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ويطالب إيران بالتوقف عن تصدير الأسلحة إلى من وصفهم ب"الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تهدد السلام والأمن في أنحاء المنطقة". ويدعو مشروع القرار، الذي اطلعت عليه وكالة رويترز، إلى حماية المدنيين بمن فيهم أولئك الذين يحاولون النجاة بأنفسهم، ويشير إلى أن الدول يجب أن تلتزم بالقانون الدولي عند الرد على ما اسماه ب"الهجمات الإرهابية"، ويحث أيضًا على دخول المساعدات إلى قطاع غزة بشكل "مستمر وكاف ودون أي عوائق". ومن المؤكد أن مشروع القرار الأمريكي سيلقى المصير ذاته الذي واجهه المشروعين الروسي والبرازيلي، حيث ستعمد موسكو على استخدام الفيتو لإسقاطه، وتستمر الحلقة المفرغة من الجمود السياسي وشلل مجلس الأمن، في وقت يتصاعد فيه العدوان على غزة وسط استعدادات إسرائيلية لاجتياح بري للقطاع. * صيغة "الاتحاد من أجل السلام" ويثير هذا الوضع تساؤلات عديدة حول مدي وجود مسارات بديلة للتغلب على حالة الجمود في مجلس الأمن بشأن العدوان على غزة، وهنا تبرز سابقة تاريخية قد تمثل آلية ناجعة لكسر هذا الجمود تتمثل في التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة باستخدام صيغة "الاتحاد من أجل السلام"، التي كانت ثمرة لجهد أول أمين عام للأمم المتحدة، النرويجي تريجف هالفدان لي في عام 1950 خلال الحرب الكورية، حيث عمل على تمرير قرار "الاتحاد من أجل السلام" عبر الجمعية العامة للمنظمة، والذي يجيز التحرك بشأن المسائل التي تدخل في إطار اختصاص مجلس الأمن، حال استخدام الفيتو من قبل أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس بشكل يعوق قيام المنظمة بعمل أو بتحرك يحقق أهدافها، وعلى رأسها حفظ السلم والأمن الدوليين. وينص هذا القرار على أنه "إذا أخفق مجلس الأمن، بسبب عدم توافر الإجماع بين أعضائه الدائمين، في القيام بمسئولياته الأساسية الخاصة بحفظ الأمن الدولي، في الحالات التي يلوح فيها تهديد للسلم أو إخلال به أو عمل عدواني، تبحث الجمعية العامة الموضوع فورًا لإصدار التوصيات اللازمة للأعضاء لاتخاذ التدابير الجماعية المناسبة، بما في ذلك استخدام القوات المسلحة للمحافظة على السلم أو إعادته إلى نصابه"، علمًا بأن تلك القرارات لها صفة الإلزام، وقوة الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وكانت المرة الأولى، التي استخدم فيها القرار بعد صدوره عقب الحرب الكورية، في حالة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 المعروفة أيضًا ب"أزمة السويس" ، حيث أطلقت الجمعية العامة دعوة إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل)، وأنشأت قوة الطوارئ الأولى التابعة للأمم المتحدة -وهي أول قوة لحفظ السلام في الشرق الأوسط – لضمان إنهاء العدوان الثلاثي. * تأمين أغلبية الثلثين في الجمعية العامة لكن اللافت أن اللجوء إلى قرار الاتحاد من أجل السلام ظل في حدوده الدنيا، نظرًا لأنه وإن كان مسارًا للتغلب على جمود مجلس الأمن، إلا أن توافر أغلبية الثلثين في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة، مسألة تتطلب جهدًا كبيرًا للغاية لتأمينها. ومما لا شك فيه أن التوجه إلى الجمعية العامة- في حالة العدوان الراهن على غزة- يستلزم جهدًا دبلوماسيًا جبارًا من الجانب الفلسطيني والعربي لحشد أصوات الدول الأعضاء بالمنظمة، والتركيز علي المجموعات التنسيقية والتكتلات الجغرافية المختلفة داخل الجمعية العامة. وتجدر الإشارة هنا أيضًا إلى مسار أخر للضغط السياسي يمكن استغلاله لإصدار قرار أممي لكنه لن يكون قرارا ملزما، ويستند هذا المسار إلى سابقة حديثة شهدتها المنظمة الأممية العام الماضي، حين أصدرت الجمعية العامة بالإجماع قرارًا يطلب من رئيسها عقد جلسة رسمية في غضون 10 أيام من قيام عضو دائم واحد أو أكثر باستخدام حق النقض لإجراء مناقشة حول تلك الحالة شريطة ألا تجتمع في دورة استثنائية طارئة بشأن الحالة نفسها، وفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة. وكان الدافع لتلك الخطوة الحرب الروسية الأوكرانية التى اندلعت أوائل عام 2022، وما تلا ذلك من جمود في مجلس الأمن بشأن هذا الوضع. وسيكون الهدف حال سلوك هذا المسار بشأن العدوان على غزة، أن تقدم الدول الأعضاء في الأممالمتحدة توصيات حول المسألة أي أنه سيشدد من الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل، لكنه لن يكون ملزما ولا يحمل قوة القانون الدولي كما هو الحال بالنسبة للتدابير المتفق عليها في مجلس الأمن.