رئيس جامعة طنطا يتفقد امتحانات الفصل الدراسى الثاني بكلية التجارة    جامعة حلوان تحتفل بحصول التربية الفنية على الاعتماد الأكاديمي    برلماني: اختيار الدكتور مصطفى مدبولي لتشكيل الحكومة الجديدة يستهدف تعزيز مسيرة الإصلاح والتطوير    الخميس.. 40 طلب إحاطة على طاولة «محلية النواب» بحضور محافظ الدقهلية    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي للإفراج الجمركي عن البضائع بالموانئ    أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم الثلاثاء 4 يونيو 2024    وزير الصناعة: 9.8 مليون طن إنتاج مصر من الصلب خلال العام الماضي    "تموين الإسكندرية" تعلن عن أسعار اللحوم في المجمعات الاستهلاكية لاستقبال عيد الأضحى    وزيرة الهجرة: فخورة بنجاحات المصريين في الخارج وحرصهم على دعم الصورة الإيجابية لبلدهم    مجلس الوزراء: زيادة عدد المتقدمين للاستثمار فى الذهب لأكثر من 108 آلاف مواطن    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    انخفاض عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال مايو الماضي    وزير الخارجية القبرصي: مصر لها مواقف مميزة في أزمة غزة    الأونروا: أكثر من 17 ألف طفل فقدوا ذويهم جراء الحرب على غزة    سامح شكري ونظيره القبرصي يعقدان مباحثات ثنائية بالقاهرة    محمد صلاح في كامل تركيزه بمران المنتخب    أخرهم أفشة.. الزمالك يسعى لخطف مطاريد الأهلي «الخمسة»    «ما اسم استاد الأهلي الجديد؟».. قُراء بوابة أخبار اليوم يجيبون    النني: الروح جزء من الحمض النووي ل أرسنال    حسام حسن: أوافق على اللعب للزمالك.. وسعيد بمنافسة بيراميدز في الدوري    واقعة التيشيرت الأبيض وموقف حسن حمدي.. القيعي يرد على تصريحات شيكابالا (فيديو)    خطوات التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في القاهرة    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في العملة ب26 مليون جنيه    ضبط 3 متهمين بإشعال النيران بحظيرتي مواشي في الفيوم    التصريح بدفن ضحية انهيار عقار صادر له قرار ترميم منذ 28 عاما في الإسكندرية    إصابة 6 أشخاص في انقلاب ميكروباص على طريق الفيوم القاهرة    «القومي للمسرح والموسيقى» يحيي ذكرى ميلاد «الساحر» محمود عبد العزيز    ترقية 20 عضوا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    استقبال 250 متقدما.. بدء اختبارات ورشة التأليف في مهرجان المسرح المصري    الخميس.. عماد عاشور ضيف صالون مثامات في بيت الغناء العربي    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    ذوو الإعاقة البصرية بكليات الآداب والألسن والحقوق يؤدون امتحانات نهاية العام إلكترونيا بجامعة سوهاج    هل يجوز ربط الأضحية عند الذبح؟.. «الإفتاء» توضح    "أهل بلدك أولى".. الإفتاء تحذر من إعلانات تروج لذبح الأضاحي في دول إفريقيا    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية دير السنقورية بمركز بنى مزار    رئيس جامعة سوهاج يجتمع مع الشركة الوطنية للانتهاء من استلام وتشغيل مستشفي الجراحات التخصصية    محافظ أسيوط يتفقد أعمال تنفيذ مشروع إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجي الجديد    أوكرانيا تضرب نظاما صاروخيا داخل روسيا باستخدام أسلحة غربية    بعد إثبات تدريس المثلية.. 3 إجراءات عاجلة من التعليم بشأن مدرسة ألمانية    لمواليد برج الميزان.. ما تأثير الحالة الفلكية في شهر يونيو 2024 على حياتكم؟    6 مصابين في حادث على صحراوي أسيوط    ردا على مبابي.. برشلونة يقترب من حسم صفقة الأحلام    تفعيل الدراسات العليا لقسم اللغة الفرنسية بكلية الألسن في جامعة بني سويف    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    محافظ القليوبية: مناقشة وضع تعريفة انتظار السيارات بالشوارع    أصعب يوم في الموجة الحارة.. 5 طرق تجعل هواء المروحة باردا    إدارة الغردقة التعليمية تعلن عن فتح باب التظلمات لمراحل النقل    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    بالفيديو.. عضو "الفتوى الإلكترونية" توضح افضل أنواع الحج    «الإفتاء» توضح حكم الأكل قبل صلاة عيد الأضحى.. هكذا كان يفعل النبي    بسبب الحرب الأوكرانية.. واشنطن تفرض عقوبات على شخص و4 كيانات إيرانية    الأمم المتحدة: الظروف المعيشية الصعبة في غزة تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي    قصواء الخلالي: لا للوزراء المتعالين على الإعلام والصحافة في الحكومة الجديدة    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    وصفة مبتكرة لوجبة الغداء.. طريقة عمل دجاج بصوص العنب بخطوات بسيطة    أعمال لها ثواب الحج والعمرة.. «الأزهر للفتوى» يوضح    نشرة مرور "الفجر ".. انتظام حركة السيارات بالقاهرة والجيزة    ستولتنبرج يجيب على سؤال صعب عن مواصلة الولايات المتحدة دعمها لأوكرانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جولدا.. بروباجندا سينمائية أم اعتراف متأخر؟
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 10 - 2023

الدراما هي فن الهمس بالأفكار. حين يُصَرِّح الروائي أو المخرج مباشرة برسالته، إلى المشاهد يتحول عمله الفني إلى مقال أو محاضرة.
هكذا تخصم الرسائل المباشرة من القيمة الفنية لأي عمل سينمائي أو روائي. و لهذا السبب أيضا، لا تحظى أفلام البروباجندا بسمعة طيبة في تاريخ السينما.
لذا، ترددت قبل مشاهدة فيلم جولدا لمخرجه الإسرائيلي "جاي نافيت"، محاولا تنحية الأحكام أو الفرضيات المسبقة. لكن حين يدور الفيلم عن رؤية إسرائيل لحرب 6 اكتوبر المجيدة أو حرب يوم كيبور على حد تسمية الإعلام الاسرائيلي أو الغربي بعيون زعيمتهم التاريخية جولدا مائير، يصبح من الصعب، الفصل بين خلفيتك السياسية و تذوقك أو تقييمك الموضوعي للفيلم من وجهة نظر فنية متجردة.
لذا أفرق هنا بين نظرتي للفيلم سينمائيا و تاريخيا.
أولا سينمائيا:
- يعد الفيلم سيرة ذاتية مكثفة لجولدا مائير، من خلال إدارتها لأزمة حرب أكتوبر، أكثر منه فيلم متعمق في جذور الحرب. جولدا هي محور الحدث ومحركته أما الحرب مجرد سياق.
- تستدعي جولدا بأسلوب الفلاش باك تفاصيل الأيام التسعة عشر العصيبة للحرب وحيثيات قراراتها، ردا على استجوابات لجنة "أجرانات" المُكَلَّفَة من الكنيست بتقصي الحقائق.
- يمضي السيناريو على نسق رتيب متكرر. لحظات تأمل لجولدا، يليها اجتماع في مكتبها أو غرفة القيادة ثم استماع للمحادثات الميدانية للحرب عبر السماعات والأجهزة اللاسلكية. لم تخرج الكاميرا إلى ميدان القتال ولم يستعن المخرج برصيدٍ كاف من اللقطات الأرشيفية والتسجيلية، بل اكتفى بنقل تبعات الحرب عبر حوارات الغرف المغلقة وأصوات القادة أو الجنود المسموعة عبر أجهزة الاتصال.
- رُسِمَت شخصية جولدا بكرتونية وضبابية شديدة. فهي أشبه بِجَدَّة طيبة، شرهة التدخين، تنفلت منها هَبَّات شرسة من حين لآخر تشِ بوجهها الآخر القاسي. لا نسمع الكثيرعن خلفيتها الانسانية سوى عبارات مقتضبة شحيحة تصف طفولتها في أوكرانيا وكيفية نجاة عائلتها من بطش جماعات الكازاك في أوكرانيا.
- رغم افتناني بهيلين ميلر كأحدِ أعظم ممثلات هوليود، لم أشعر، أنها في وهج تألقها أو بالأحرى تقمصها. ربما بسبب عجز السيناريو عن رسم عمق للشخصيات، بالإضافة لتواضع مستوى التمثيل بوجهٍ عام، خصوصا رامي هيوبرجر في دور موشي ديان ولييف شريبر في دور كيسنجر حتى بتنا أمام أستاذة تمثيل تجتهد وحيدة وسط فصل من الهواة.
ثانيا، جولدا تاريخيا وسياسيا:
- تَبَّنَى الفيلم نظرية تسريب العميل أشرف مروان "حسب زعمهم" للموساد، الموعد المخطط لحرب العبور يوم 5 أكتوبر.
أظهر الفيلم أن خلاف أعضاء القيادة الإسرائيلية، تمحور حول مدى مصداقية المعلومة وناقِلها. إذ َسَبقَ له تسريب معلومات عن هجمة مرتقبة من الجانب المصري لكنها لم تتحقق كما رصدت الاستخبارات الإسرائيلية أكثر من حالة استنفار أو تعبئة على الضفة الشرقية لم تسفر عن شيء. أخيرا، قررت جولدا إعلان تعبئة جزئية ل 130 ألف جندي فقط. لأن التعبئة العامة تتطلب وقتا أطول وتكلفة باهظة.
رغم رواج تلك السردية بنسخها المتعددة بما فيها من نسخ تتهم قائد عربي بتسريب موعد الضربة. عفواً لا أجدها مقنعة!
لم أبنِ رأيي على معلومة، بل على تحليل لطبائع الأحداث. رد فعل الجيش الإسرائيلي المُرْتَبِك المُتَخَاذِل في مواجهة الضربة الجوية الأولى والعبور العظيم وتحطيم خط بارليف لا يشِ أننا أمام جيش، كان لقيادته أدنى معرفة أو شك باحتمالية تحرك العدو من الضفة المقابلة. على سبيل المثال لا الحصر، قامت الضفادع البشرية المصرية بعملية فدائية لسد فَوَّاهات مدافع النبالم الحارقة بمادة كيميائية على طول خط القناة، فهل يعقل أن تكون القيادة العسكرية والسياسية لجيش إسرائيل، كانت مجتمعة اليوم السابق لمناقشة خطة الردع؟ أيعقل ألا يوجد حد أدنى من الاستنفار بين فرق الاستطلاع البحرية؟ ألم يكن بالإمكان تكثيف طلعات جوية استطلاعية نحو الضفة الشرقية لتعطيل أو تخويف القوات المهاجمة على أقل تقدير؟
أرى أن نجاح تحطيم شبكة بارليف الدفاعية بسرعة ودقة مع تكبد مصر خسائر محدودة نسبيا يؤكد أن الجيش الإسرائيلي أُسْقِطَ في لحظة غفلة تامة تشبه لحظة سقوط الجيش المصري في 1967!
- المؤكد أن خطة الخداع الاستراتيجي العبقرية في التدبير والتنفيذ، نجحت نجاحا مبهرا وكان لها دورا حاسما في نجاح العبور. بل أن جولدا، أقَرَّت بنفسها أن السادات انتصر وأن خسائر إسرائيل فادحة، بعد فشل محاولات الرد في يومي 7 و8 أكتوبر.
-يستعرض الفيلم لاحقا، تدارك القوات الإسرائيلية خسارتها ولملمة القيادة شتاتها عبر استرداد جبهة الجولان ثم إحداث ثغرة الدفرسوار بتفاصيلها التي أدت إلى عبور مضاد لألوية إسرائيلية بقيادة شارون وحصار السويس مع 70 ألف جندي مصري من الجيش الثالث.
هنا رَكَّزَ الفيلم على صلادة جولدا في محادثتها مع كيسنجر المحنك وإظهار أن الثغرة قربت جيش إسرائيل من عاصمة العدو حتى انقلبت الموازين وتحولت مصر إلى الطرف الساعِ لإيقاف القتال. بينما أَصَرَّت جولدا بحسم على اشتراط أن يقدم السادات اعترافا مصريا مباشرا بدولة إسرائيل مما مهد لإجراء مباحثات الكيلو 101.
هكذا تبنى الفيلم السردية الأكثر رواجا للإعلام الغربي أو الإسرائيلي في تصوير الثغرة على أنها مزقت الجيش المصري واقتربت من إسقاط القاهرة لتحقق انتصارا عسكريا سياسيا حاسما لصالح إسرائيل.
الحقيقة، رغم فداحة خسائر الجيش المصري في الثغرة وتحسين إسرائيل موقفها العسكري نسبيا، إلا أن هذا التصور يتجاهل العديد من الحقائق. أولها أن خسائر الطرف الإسرائيلي في الثغرة كانت فادحة أيضا. كما أن القوات الإسرائيلية لم تكن تملك الكثافة الكافية للتقدم أكثر، ولو أكملت الزحف لبدأت خطوطها في التقطع والاختراق.
المنطق يحتم أنه، لو كان بالإمكان لإسرائيل تأمين المساحات التي اجتاحتها بعد عبور الضفة الغربية، لما قبلت شرط وقف إطلاق النار بالعودة إلى الضفة الشرقية للقناة لأنه يعني بالضرورة استعادة مصر لأهم ممر مائي في العالم. إذن لم تكن الثغرة رغم أثرها البالغ بهذا العمق والحسم كما تُصَوِّرُهُ الرواية الإسرائيلية.
كما أن قبول السادات قرار وقف إطلاق النار ودخول مفاوضات الكيلو 101 لم يكن فجائيا، بل كان مخططا له من قبل العبور حين تمت صياغة هدف الحرب نصا بتوجيه ضربة قوية للعدو مع استعادة "جزء من الأرض" لتغيير موازين القوى الاستراتيجية، تمهيدا للدخول في مفاوضات سلام طويلة من وضعية أفضل. وهو ما تحقق بنجاح رغم التعثر في إدارة أزمة الثغرة، إذن مصر كانت الطرف المنتصر حسب الأدبيات العسكرية للحروب.
ولو صح أن حرب العبور انتهت بنصر ساحق لجولدا أو إسرائيل، لما تشكلت لجنة أجرانات بطلب من الكنيست لاستجواب جولدا وموشي ديان عن خسائر الحرب وسوء إدارتها من الأساس!
جولدا فيلم متواضع فنيا، لكنه أكثر موضوعية من أفلام البروباجندا المعتادة وإن لم يتخلص، تماما من سماتها.
السينما ليست وثيقة تاريخية في العموم، لكن من المهم تدبر رؤية الآخر لتاريخنا بغض النظر عن دقة روايته، فالتاريخ له ألف وجه، يبدلهم حسب نية وذاكرة الراوي.
وكلاهما لا يُعَوَّل عليه في حالة راوينا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.