الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    استقرار أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 11 يونيو 2024    الإسكان تطرح وحدات سكنية جاهزة للاستلام بحدائق أكتوبر.. برابط التقديم    استقرار أسعار الذهب في مصر: تحديث 11 يونيو 2024    وزيرة البيئة تستعرض إنجازات مشروع دمج صون التنوع البيولوجي في السياحة بمصر    انطلاق الملتقى الدولي الأول لبنك التنمية الجديد ل"بريكس" NDB بالعاصمة الإدارية    انخفاض أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء بالأسواق (موقع رسمي)    الرئيس السيسي يتوجه للأردن للمشاركة في المؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة    إضراب شامل في رام الله والبيرة حدادا على استشهاد أربعة شباب    وزير المالية: بنك التنمية الجديد يلعب دورًا محوريًا لتلبية احتياجات الاقتصادات الناشئة    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    نجم منتخب مصر يكشف سر تراجع الأداء ضد غينيا بيساو    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في محافظة قنا    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحاني الاقتصاد والإحصاء غدًا    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة بالشرقية    كل ما تريد معرفته عن مزايا نظام التشغيل iOS 18 لأجهزة أيفون    تفاصيل المؤتمر الصحفي لأبطال وصناع فيلم "ولاد رزق3"    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض التصوير الفوتوغرافي لطلاب فنون جميلة    «لا يكتفي بامرأة واحدة».. احذري رجال هذه الأبراج    حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة وأيام التشريق    روسيا: تحطم مقاتلة من طراز سو-34 ومصرع طاقمها بالقوقاز    وزير النقل يتفقد محطة أسوان للسكك الحديدية ويتابع تطوير ورشة أسوان    مباريات اليوم.. تصفيات كأس العالم.. ودية منتخب مصر الأولمبي.. وظهور رونالدو    الصحة: تقديم خدمات الكشف والعلاج ل11 ألف حاج مصري في مكة والمدينة    وزير الرياضة في استقبالها.. بعثة منتخب مصر تصل القاهرة بعد التعادل مع غينيا بيساو (صور)    موعد مباراة فلسطين وأستراليا في تصفيات آسيا والقنوات الناقلة    رسميا.. غياب دي يونج عن منتخب هولندا في يورو 2024    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    الخارجية الروسية: مشاكل إيرانية وراء تعليق اتفاق التعاون الشامل    للحجاج، نصائح مهمة تحمي من التعب والإجهاد أثناء أداء المناسك    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    عصام السيد: تغيير الهوية سبب ثورة المصريين في 30 يونيو    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    انتشال عدد من الشهداء من تحت أنقاض منازل استهدفها الاحتلال بمدينة غزة    موعد مباراة منتخب مصر القادمة في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    حكم الشرع في ارتكاب محظور من محظورات الإحرام.. الإفتاء توضح    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    صور| وفاة أم حزنا على دخول ابنها في غيبوبة بعد تعرضه لحادث سير بطنطا    هل يجوز الاضحية بالدجاج والبط؟ عالم أزهري يجيب    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    آبل تطلق نظارات الكمبيوتر فيجن برو في السوق الألمانية    ضياء السيد: تصريحات حسام حسن أثارت حالة من الجدل.. وأمامه وقتًا طويلًا للاستعداد للمرحلة المقبلة    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    حازم خميس يكشف كواليس التحقيق مع رمضان صبحي في منظمة مكافحة المنشطات    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    التحقيق في إصابة 4 أشخاص في حريق مبنى على طريق إسكندرية مطروح الساحلي    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«طوفان الأقصى» ومعضلة الأسرى
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 10 - 2023

لم يكد ينقضى اليوم الأول لعملية «طوفان الأقصى»، التى باغتت بهجومها المنسق والمبهر، مستوطنات غلاف غزة، فى السابع من أكتوبر الحالى. لتجرح الكبرياء العسكرى لإسرائيل، وتطيح باستراتيجيتها الردعية؛ حتى اعترف وزيرها للشئون الاستراتيجية، رون ديرمر، بوجود أكثر من 200 إسرائيلى، بينهم أمريكيون وجنسيات أخرى، فى عداد الأسرى داخل قطاع غزة. وفيما يعد إقرارا منه بأن أزمة الأسرى هذه المرة، هى الأشد وطأة فى تاريخ المواجهات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، عين، نتنياهو، الجنرال المتقاعد، جال هيرش، مسئولا عن ملف الأسرى والمفقودين.
بينما أعلنت حركة الجهاد أسر ثلاثين إسرائيليا، أكد المتحدث باسم الجناح المسلح لحركة حماس، أن عدد الأسرى بحوزة الحركة، يفوق الرقم الذى أعلنه نتنياهو، بأضعاف مضاعفة. لافتا إلى أنهم موزعون على محاور قطاع غزة جميعها، وسيجرى عليهم ما يجرى على أهالى القطاع. وأكدت الحركة أنها أخفت أسرى عملية «طوفان الأقصى» داخل أماكن وأنفاق آمنة؛ وهددت بقتلهم، تباعا، حالة إمعان إسرائيل فى قصف منازل المدنيين الفلسطينيين دون سابق إنذار، حلال حربها الخامسة على غزة. فى 11 أكتوبر 2011، وبوساطة مصرية، تمت صفقة تبادل الأسرى بين حماس، والاحتلال الإسرائيلى، فيما عرف إعلاميا «بصفقة شاليط»، أو فلسطينيا بصفقة «وفاء الأحرار»، بينما أسمتها إسرائيل صفقة «إغلاق الزمن». وبموجبها، أفرجت إسرائيل عن 1027 أسيرا فلسطينيا، مقابل إطلاق حماس الجندى الإسرائيلى المأسور عام 2006، جلعاد شاليط. ولقد كانت أول صفقة فى تاريخ القضية الفلسطينية، تتم بمختلف مراحلها، بداية من عملية الأسر، مرورا بمكان الاحتجاز، وصولا إلى المفاوضات، داخل أرض فلسطين التاريخية. كما أن الفلسطينيين استطاعوا الاحتفاظ بالأسير الإسرائيلى، طيلة خمس سنوات متعاقبة، شنت خلالها قوات الاحتلال حربين ضاريتين على القطاع.
باستياء بالغ من لدن إسرائيليين كثر، قوبلت تلك الصفقة. فلقد اعتبرها بعضهم خنوعا وتنازلا لصالح حماس، يغذى شعورها بالانتصار، ويرسخ ثقافة المقاومة فى الوجدان الفلسطينى، باعتبارها الخيار الوطنى الأمثل. أما البعض الآخر، فارتأى أن الصفقة شكلت عائقا أمام إمكانية إتمام أية صفقات من هذا القبيل مستقبلا. فبرغم وجود أربعة أسرى، بحوزة حماس، منذ العام 2014، انضم إليهم أكثر من مائتين بجريرة عملية «طوفان الأقصى»، تتجنب الحكومات الإسرائيلية المتوالية إبرام صفقات مبادلة بشأنهم، مع حماس، مخافة استفزاز الإسرائيليين الساخطين.
تحظى ورقة الأسرى بوافر أهمية فى استراتيجية المقاومة الفلسطينية. حيث يرى مسئول مكتب الشهداء والجرحى والأسرى فى حركة حماس، زاهر جبارين، أن عمليات أسر جنود الاحتلال، هى السبيل الوحيد لتحرير الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من ظلمات السجون الإسرائيلية. تراهن حركتا حماس والجهاد، على أن يشكل العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ورقة ضغط على حكومة نتنياهو، التى تواصل سياستى «الأرض المحروقة» و«العقاب الجماعى»، ضد الفلسطينيين، متوخية تجريد المقاومة من حاضنتها الاجتماعية. فقد لا تتقبل عائلات الأسرى أو الرأى العام الإسرائيليين، عملية برية واسعة النطاق فى غزة، تعزز من فرضية قتلهم، لاسيما وأنهم ينتشرون فى نطاق جغرافى ضيق، بات مسرحا لعدوان إسرائيلى وحشى. خصوصا بعدما أعلن، أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، أن قصف الاحتلال الجنونى للقطاع، أدى إلى مقتل ثلاثة عشر أسيرا إسرائيليا، واستشهاد آسريهم من مجاهدى القسام. كما هدد بإعدام باقى الأسرى الإسرائيليين، حالة مواصلة الاحتلال استهداف المدنيين والأعيان المدنية فى القطاع. الأمر الذى يشكل ضغطا على نتنياهو، ويحد من خياراته لجهة اجتياح غزة بقصد إعادة احتلالها، أو خوض حرب مفتوحة وشاملة ضدها.
يتطلع نتنياهو إلى تحييد ورقة الأسرى وحرمان المقاومة الفلسطينية من استثمارها. ولعله يعول على وساطة أطراف إقليمية، وتحركات حثيثة من لدن واشنطن لاستعادة رعاياها. بموازاة ذلك، تعتقد حكومة الحرب الإسرائيلية أن انتهاجها استراتيجية «الأرض المحروقة»، وتبنيها سياسة «العقاب الجماعى» حيال القطاع، من شأنه أن يجبر قادة حماس على إطلاق سراح الأسرى، أو قسم منهم على الأقل. وبناء عليه، هدد نتنياهو، باجتياح القطاع تدريجيا، إذا لم تستسلم حماس، وتطلق سراح الأسرى الإسرائيليين والأجانب، دونما قيد أو شرط. بدورها، توقن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية أن حماس تحتفظ بالأسرى فى مواضع متفرقة، لكنها لن تستطيع إخفاءهم إلى الأبد. لاسيما وأن الاجتياح البرى سيساعد القوات الإسرائيلية على الاهتداء إلى أماكن احتجازهم.
بإصرارها على استراتيجية الإبادة الجماعية لقطاع غزة، تعاود إسرائيل تفعيل «توجيه هانيبال»، أو «بروتوكول هانيبال»، وهو إجراء عسكرى تطبقه الوحدات الميدانية لجيش الاحتلال أثناء تعاطىها مع وضعية أسر أحد جنوده من قبل قوات معادية. ويسمح هذا التوجيه للجيش باستخدام الأسلحة الثقيلة والقوة النيرانية الكثيفة وغير المتناسبة، حالة أسر أى جندى إسرائيلى، حتى لو شكل ذلك خطرا على حياته. وبعد صياغته عام 1986، تم تعديله عام 2017، ليغدو أكثر صرامة، عبر إلزام الجيش باستخدام القوة المفرطة، لمنع وقوع أى من جنوده فى الأسر. حتى وإن استدعى الأمر إطلاق النار بكثافة، صوب الأراضى الإسرائيلية، حالة حدوث عملية الأسر بها، وليس فقط فى أنحاء الضفة أو غزة. ويتأسس التوجيه، الذى يستهدف منع الآسرين من مغادرة مسرح العمليات، وتقليص فرص وقوع الإسرائيليين فى الأسر، على عدة مرتكزات، أبرزها: أن مقتل الجندى الإسرائيلى أفضل من اختطافه. وأن الحرص على تحرير الأسرى الإسرائيليين قد يلجم أية نوايا تصعيدية لقوات الاحتلال إزاء قطاع غزة. وأن صفقات تبادل الأسرى تجرح الكبرياء العسكرى الإسرائيلى.
يظل جيش الاحتلال الإسرائيلى، بدعا من جيوش دول العالم، فى اعتماد «توجيه هنيبال»، الذى يحمله الجنود والضباط مسئولية تقويض الحماية للقوات العاملة ميدانيا، كونه يفضل إعدامهم على أسرهم والتفاوض لأجل تحريرهم. وفى مارس 2018، انتقد مجلس مدققى الحسابات الحكومية، وهو هيئة حكومية إسرائيلية، هذا التوجيه العسكرى، الذى يشجع الجيش على انتهاك مبدأين أساسيين فى القانون الدولى الإنسانى، وهما: الالتزام باستخدام القوة المتكافئة، أو المتناسبة، حيال التهديدات. فضلا عن التمييز ما بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية. وأخيرا، تعالت أصوات إعلاميين، سياسيين، عوائل الأسرى، علاوة على عسكريين متقاعدين، لمطالبة حكومة نتنياهو، بوضع ملف الأسرى فى صدارة أولوياتها، وإبرام صفقة مع المقاومة الفلسطينية لمبادلتهم.
ردا على عملية «طوفان الأقصى»، أخضعت حكومة نتنياهو، إدارة السجون الإسرائيلية لسلطة الجيش. وبأوامر من الأخير، ضاعفت الإدارة عمليات العزل الشامل على أكثر من خمسة آلاف أسير ومعتقل فلسطينى. ورصد نادى الأسير الفلسطينى، حزمة إجراءات انتقامية تندرج ضمن جريمة العقاب الجماعى. حيث حجبت إدارة السجون محطات التلفزة المخصصة للمعتقلين، وأوقفت زيارات المحامين وعائلاتهم، وعززت أجهزة التشويش. كما حرمت الأطفال، النساء والمرضى، من التواصل مع عائلاتهم عبر الهاتف العمومى. ولم تتورع عن إعاقة عمل المؤسسات الحقوقية والطواقم القانونية المختصة بشئون المعتقلين.
تأبى إسرائيل إلا مواصلة حربها الانتقامية الشرسة ضد غزة، فيما ترفض حماس التفاوض تحت نيران الاحتلال، ولا يتجاوب الجانبان مع عرض مصرى قطرى، بشأن صفقة جزئية لمبادلة النساء والأطفال المحتجزين. غير أن مصادر فلسطينية تؤكد وجود اتصالات بهذا الصدد، لكنها لم تنضج لتبلغ مرحلة التفاوض. بيد أن ضغوط أهالى الأسرى، وتواضع الثقة فى نجاعة عملية، أمريكية إسرائيلية نوعية، لتحريرهم من جهة؛ مع تضييق الخناق على حماس، التى لا زالت تجيد استثمار ورقة الأسرى من جهة أخرى، قد يضطر الطرفان إلى صفقات المبادلة، ولو بشروط مغايرة ل«صفقة شاليط». حتى وإلم تضع الحرب أوزارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.