لا يستطيع المتابع لأعمال الدورة السابعة والستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد حاليا فى فيينا، إلا الإشادة بأحر العبارات وأقواها بأداء الدبلوماسية المصرية ممثلة فى السفير محمد الملا مندوب مصر الدائم لدى منظمات الأممالمتحدة فى فيينا وفريقه من شباب الدبلوماسيين؛ فأمام هذا المؤتمر يتلمس المرء بيديه قوة مصر فى أروقة مؤسسات النظام الدولى متعدد الأطراف، وفى قيادة العمل العربى المشترك والمنسق على أعلى المستويات مع الأشقاء. فأمام الدورة الحالية للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقدمت مصر بمشروعين لقرارين سيجرى التصويت عليهما من جانب الدول الأعضاء فى الوكالة البالغ عددها 177 دولة. ويطرح المشروع الأول تغيير مسمى فلسطين فى الوكالة من «فلسطين» التى يتم وضعها تحت عنوان كيان Entity إلى دولة State «دولة فلسطين»، وهذا سوف يتيح لها كامل حقوق الدولة غير العضو فى الوكالة، ويعزز الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية. على خلفية هذا التحرك المصرى المنسق مع فلسطين والمجموعة العربية لترسيخ الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، يتذكر المرء نفى الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعترافها حتى ولو ضمنا بالدولة الفلسطينية بعد أن وقعت السلطة الفلسطينية اتفاقية ضمانات مع الوكالة، إذ صدر بيان رسمى عن الأخيرة فى 17 يوليو 2019 يقول: «إن التقارير الإعلامية التى تفيد بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد اعترفت بفلسطين كدولة من خلال التوقيع على اتفاقية ضمانات معها غير صحيحة». إن تغيير صفة فلسطين فى الوكالة إلى «دولة فلسطين» سيتيح لها تقديم بيانات باسم مجموعات إقليمية ودولية مثل «المجموعة العربية» و«مجموعة ال77 والصين»، كما أنه سيعدل ترتيب جلوسها فى مؤتمرات الوكالة، فمنذ أن أصدر المؤتمر العام للوكالة قراره بمنح فلسطين صفة «المراقب» بتاريخ 25 سبتمبر 1998، تجلس بعد الدول غير الأعضاء وقبل المنظمات الحكومية الدولية، لكن بعد أن تصبح صفتها «دولة فلسطين»، من المقرر أن تجلس فى مقاعد الدول غير الأعضاء. ومن المتوقع أن توافق الأغلبية الكاسحة من الدول الأعضاء على مشروع هذا القرار، الذى سيجرى التصويت عليه علنيا صباح باكر الخميس. ومشروع القرار الثانى الذى تطرحه مصر أمام المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يتعلق بالجهد المتواصل للدبلوماسية المصرية فى ملاحقة البرنامج النووى الإسرائيلى، إذ يطالب بتطبيق الضمانات الشاملة الخاصة بالوكالة على جميع الأنشطة النووية لدى الدول الواقعة فى منطقة الشرق الأوسط بمن فيها إسرائيل، كتدبير مهم من تدابير بناء الثقة فيما بين جميع دول المنطقة، وكخطوة من أجل تعزيز السلم والأمن فى سياق إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. وتؤكد جميع دول المنطقة باستثناء إسرائيل أنها جميعا أطراف فى معاهدة عدم الانتشار النووى، وترى أنه لا يوجد تسلسل تلقائى يربط تطبيق الضمانات الشاملة على جميع الأنشطة النووية فى الشرق الأوسط وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية بإبرام تسوية سلمية مسبقا، كما تقول إسرائيل، وأن من شأن هذا التطبيق أو الإنشاء أن يساهم فى إبرام تلك التسوية.. ومن المتوقع أيضا أن توافق الأغلبية الكاسحة من الدول الأعضاء على مشروع هذا القرار. وعلى هامش المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أودع السفير محمد الملا صك تصديق مصر على اتفاقية الأمان النووى CNS لدى الوكالة ممثلة فى رفائيل جروسى، مديرها العام، الذى أعرب عن تقديره للخطوة المهمة التى اتخذتها مصر للتصديق على هذه الاتفاقية بما يعكس التزامها الثابت فى هذا المجال، وهو ما يتزامن مع التوسع الراهن الذى يشهده البرنامج النووى المصرى، لافتا فى هذا الصدد إلى المقابلة المثمرة التى أجراها مع الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء زيارته إلى القاهرة فى ديسمبر 2021، ومشيدا باهتمام الرئيس وحرصه على ترجمة الالتزام المصرى بتعزيز الجهود فى هذا المجال إلى نتائج ملموسة. ونوه جروسى بأن الوكالة ستحرص على مواصلة تعاونها المتميز مع مصر خلال المرحلة المقبلة، والتى من المقرر أن تشهد المزيد من التقدم فى تنفيذ مشروع محطة «الضبعة» النووية.
