الذى لا شك فيه أننا على أبواب عالم جديد فى الصحافة. ولا أقصد بذلك نحن هنا فى مصر والعالم العربى.. فنحن لم نصل بعد إلى ما وصلت إليه الصحافة فى الدول المتقدمة فى أوروبا وأمريكا. ولكن المقصود هو تلك الدول التى تقدمت فيها الصحافة الإلكترونية إلى درجة باتت تنافس الصحافة الورقية، بل وتسبقها أحيانا.. حيث يملك كل شخص حاسبه الآلى أو اللاب توب، وتربطه فى الشبكة العنكبوتية كل مراكز المعلومات والصحف ووسائل الاتصال. لا تمتد إليه يد الرقابة. ويطلع على ما يريد الاطلاع عليه وما لا يريد من الأخبار والمعلومات والأبحاث، دون أن يدفع مليما واحدا. هذا العصر ربما يكون قد آذن بانتهاء، بعد أن أعلنت صحيفة «التايمز» اللندنية العريقة نهاية عصر القراءة المجانية لطبعتها الإلكترونية ابتداء من يونيو المقبل، بعد 12 سنة كانت تضع فيها طبعتها اليومية ليطالعها القارئ على النت مجانا.. الآن سيصبح على قارئ الطبعة الإلكترونية أن يدفع جنيها استرلينيا فى اليوم الواحد، وجنيهين فى الأسبوع لكى يتصفح الجريدة التى اعتاد تصفحها مجانا. وقد يستمر إصدار الطبعة الورقية لبعض الوقت إلى أن يتغير المشهد الإعلامى تماما. صاحب «التايمز» الآن هو الملياردير الاسترالي الإنجليزى الشهير روبرت ميردوخ، الذى رددت الأنباء أخيرا عزمه شراء روتانا من الأمير السعودى وليد بن طلال. والذى خاض تجربة مشابهة فى صناعة الموسيقى والأغانى التى يجرى تحميلها على الإنترنت. وقد عانت هذه الصناعة فى البداية كثيرا من الخسائر ولكنها عادت مرة أخرى إلى الانتعاش بعد أن تعود الناس على تحميل الموسيقى والأغانى عن طريق الاشتراكات! ومن الواضح أن السبب فى هذا التحول المثير فى الصحافة والذى تقوده «التايمز» وشقيقتها «الصنداى تايمز» وعدد قليل من الصحف، يرجع إلى الانخفاض الهائل فى توزيع الصحف وزيادة الأسعار بسبب الأزمة الاقتصادية. ويتوقع المسئولون فى الصحيفتين انخفاض أعداد المتصفحين بمجرد فرض رسوم الاشتراك على الإنترنت. غير أن التفاعل المباشر بين الطبعة الإلكترونية ومستقبليها على الموقع، سوف يحافظ على حد أدنى. كما أنها يمكن أن تحقق دخلا أفضل من الإعلانات التى أخذت تتضاءل فى الطبعة الورقية وتهرب إلى الفضائيات والإنترنت. بالنسبة لنا نحن فى مصر والدول العربية، فمازال الوقت بطيئا قبل أن يحدث هذا التطور، وتصبح الطبعة الإلكترونية بديلا عن الطبعة الورقية. وإن كانت الفضائيات وبرامج التليفزيون تقوم بجزء من هذه الوظيفة حاليا، فيستغنى الناس بها عن القراءة، خصوصا مع انتشار الأمية التى تحولت إلى إدمان للجهل فى العالم العربى. مع غلبة ظاهرة لثقافة الرغى والثرثرة والحوارات التى يسمونها «توك شو»، وهى فى الأغلب لا تزيد على جلسات للترفيه وتضييع الوقت، لا تضيف معلومة واحدة أو معرفة جديدة بأى شكل ولأى عمق. وقد تنبأت بعض الدراسات، بأن الصحفيين فى الدول المتقدمة والدور علينا بعد ذلك يمرون حاليا بنفس المرحلة التى مر بها عمال الصلب والحديد فى السبعينيات من القرن الماضى حين طرأ انقلاب جذرى على صناعة الصلب أدى إلى الاستغناء عن العمالة الكثيفة بعد إدخال التقنيات الحديثة والكمبيوتر.. وهو ما سوف يطرح تحديات كبيرة تفرض على الصحفيين تحسين مهاراتهم وقدراتهم بدرجة هائلة، قبل أن يتبددوا فى الميديا الرقمية وبرامج الحوارات التليفزيونية. إذ حين يأتى الدور علينا فقد لا يكون عزاء للصحافة كما عرفناها!