في الثالثة فجراً، وقبل شروق الشمس، يتجمعون وسط إحدى القرى جنوب نابلس، لتصل الحافلة التي تتسع لثمانية أشخاص، وتقلهم جميعهم (حوالي عشرين طفلا) إلى إحدى المستوطنات في الأغوار الفلسطينية، للعمل هناك. في قرية أوصرين جنوب نابلس، وغيرها من القرى، يرسل أولياء الأمور أبناءهم للعمل داخل مستوطنات الغور لعدم توفر الدخل للعيش الكريم، في الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات لمقاطعة بضائع المستوطنات، وبدلا من أن يعيش هؤلاء طفولتهم كغيرهم على مقاعد الدراسة، تجدهم يتسربون من مدارسهم ويشقون من الصغر، وعلامات القسوة والجلد المبكر تظهر على محياهم، وفي نبرة حديثهم ثقة غير معهودة بالنسبة لأطفال في سنهم. الطفل (م) وابن عمه (أ) (16 عاما) يعملان منذ ثلاث سنوات في إحدى المستوطنات في الأغوار، ويقول (م) "أحصل على 50 شيكل مقابل عمل اليوم الواحد، أتعب كثيراً، وأتمنى لو أنني على مقاعد الدراسة، لكن ما باليد حيلة"، مضيفاً أن "سوء الأوضاع المادية لعائلتي هي التي أجبرتني على العمل"، وشكا من سوء معاملة أرباب العمل لهم، وأشار إلى أن هناك فتيات من أريحا يعملن بنفس مكان عمله، وتراوح أعمارهن ما بين 16 عاماً و18 عاماً. ويقول والده "نعم أريده أن يعمل من الآن، إنه يساعدني في مصاريف إخوته، والمنزل"، وتابع "اكتسب ابني عادات سيئة كثيرة من العمل بالمستوطنات، كالتدخين، والنرجيلة، والكلام معنا بشيء من الزهوّ، لكن ما باليد حيلة، أنا بحاجة إلى كل شيكل يكسبه، وهو يعطيني كل ما يحصل عليه، لذا لا أجادله أبدا بأي أمر، وأتركه على راحته". وعندما يسأل مدير قسم الإرشاد والتربية الخاصة في مديرية تربية جنوب نابلس مفيد نوفل، الأهالي عن مكان عمل أبنائهم يجيبون (في الغور)، لكنهم في الأصل يعملون داخل المستوطنات، منوها إلى أن المديرية تفعل ما بوسعها لإقناع الطالب وذويه لإعادته إلى المدرسة. ويشير القائم بأعمال مديرية تربية جنوب نابلس أحمد صوالحة إلى أنه طرح أهمية متابعة هذا الموضوع والحد من عمل الأطفال داخل المستوطنات وتابعه مع رؤساء المجالس المحلية، وذكر أنهم سيقومون بخطوات قريبة لمحاربة هذه الظاهرة، وأوضح أن 64 طالباً متسرباً من مدرسة عقربا الثانوية، غالبيتهم يعملون داخل المستوطنات. ويشير مدير مكتب الشئون الاجتماعية في جنوب نابلس موسى حمايل، إلى أنه للحد من مواصلة عمل الأطفال بغض النظر داخل المستوطنات أو في أي مكان، يكمن في البحث عن السبب، فهناك أسباب تتعلق بالتفكك الأسري، والفقر وغيرها، ويجب الانتباه لها، وعلى المختصين متابعتها، ومحاولة علاجها، وأكد على ضرورة توفير البدائل للمتسربين، كمراكز التدريب والتأهيل التي تمنح فرصة تأهيلهم لسوق العمل في المهن المختلفة، مشيراً إلى أهمية التعاون ما بين دوائر الشئون الاجتماعية والتربية والتعليم، لحماية هذه الفئة من الأطفال لأن الوقاية خير من العلاج.