جلس أحمد حسنى محمد الذى يبلغ من العمر 50 عاما أمام شاشة التليفزيون يقلب فى القنوات باحثا عن فيلم يشاهده ليروح عن نفسه بعد يوم من العمل الشاق. توقف إصبعه عن الضغط على ريموت التليفزيون بمجرد رؤية عبدالحليم حافظ فى فيلم «معبودة الجماهير» وهو يغنى أغنية «أحبك»، ولم يتحرك من مكانه حتى نهاية الفيلم، الذى يستمتع بمشاهدته رغم أنه شاهده عشرات المرات، بعدها توجه مباشرة إلى غرفة نومه حاملا معه قصص الحب، التى عاشها فى شبابه على أنغام العندليب علّه يسترجعها فى أحلامه. وعندما استيقظ صباح اليوم التالى وجد نفسه يتوجه إلى مقابر البساتين، قاصدا قبر عبدالحليم حافظ، الذى يقع فى شارع الرحمة بجوار مسجد الدندراوى. يقول أحمد: «بحب عبدالحليم حافظ جدا.. ما قدرش أتخيل حياتى من غير فنه.. من وقت للتانى بازور قبره واقرا الفاتحة على روحه.. يارب يكون فى الجنة يارب». توقف أحمد بسيارته أمام مدفن العندليب الذى تم بناء جدرانه الأربعة بالطوب الحرارى، وزين بالجبس الأبيض، وكسيت أرضيته بالرخام، وزرعت أمامه نخلتين صغيرتين ونبتتى صبار، وزينت جدرانه من الداخل ببعض الآيات القرآنية المكتوبة على لوحات من الرخام. تحدث مع حارس المدفن طالبا منه فتح البوابة الحديدية المغلقة بالقفل ليدخل ويقرأ بعض سور القرآن كعادته. هنا يرقد الفنان عبدالحليم حافظ وبجواره أخته الحاجة علية وأخوه الأكبر إسماعيل شبانة، الذى احتضنه وجاء به إلى القاهرة وألحقه بالمعهد العالى للموسيقى، وأخوه الثانى محمد شبانة وابن خاله شحاتة أبوزيد رحمهم الله جميعا. يقول أحمد: «قلبى وصدرى بيرتاحوا لما بزور حليم.. فنان لا يعوض، من أيام الزمن الجميل، أغنياته مش بس بتسمعها، لأ بتعيشها بجد». ويوضح أحمد الذى يحفظ قصة حياة عبدالحليم عن ظهر قلب «عبدالحليم مات يوم 27 مارس 1977 فى لندن لكن دفن هنا بعد 3 أياما، لذلك كتبوا على قبره إن تاريخ وفاته 30 مارس، أنا حريص أن أحضر يوم الذكرى السنوية، وكل من يحبون العندليب يحضرون كبارا وصغارا». ورغم أن مدخل المدفن علقت عليه لافتة رخامية مكتوب عليها «رجاء من السادة الزائرين عدم الكتابة على حوائط المدفن.. مع الشكر»، إلا أن بعض زائرى المدفن من المعجبين بعبدالحليم لم يلتزموا بذلك، حيث كتب بعضهم على واجهة المدفن أسماءهم بقلم حبر أزرق. ويقول عم قدرى المنواتى المسئول عن مدافن منطقة البساتين: «المعجبون يكتبون أسماءهم على حيطان المدفن.. ياسمين.. مها.. منى.. على.. حسن.. وإلى كاتب بحبك، وإلى كاتب أغنية حاول تفتكرنى.. وأغنية موعود.. وأغنية أى دمعة حزن لا، وإلى كاتب أغنية لعمرو دياب بتقول كل يوم بيعدى تزيد غلوتك عندى». يتحدث عم قدرى عن معجبى عبدالحليم حافظ الذين يحرصون على زيارته قائلا: « حاليا قل عدد المعجبين الى بيزوروا المدفن، لكن يوم الذكرى السنوية ناس من كل الأعمار يحضرون من السابعة صباحا إلى ما بعد المغرب.. إحنا نستعد يوم 29 مارس، نجهز 6 دست كراسى لتكفى الناس، وأغلبهم من الشباب الحبيبة ونشغل تسجيل قرآن، نادرا ما يأتى حد من فنانين هذه الأيام». يضيف عم قدرى مبتسما: «أنا فاكر حتى الآن جنازة حليم، كانت أكبر جنازة رأيتها فى حياتى، كان عمرى وقتها 17 سنة، وكنت طالبا فى ثانوى صنايع.. وكان والدى هو المسئول عن المدافن، الجنازة استمرت 15 يوما وما كانش حد يعرف يمشى فى المدافن من الزحمة. شباب وبنات وفنانون ومسئولون كبار حضروا الجنازة منهم شادية وسمير صبرى وطارق حبيب. حضر الجنازة بنات كثيرات جدا وكان بيغمى عليهن لدرجة إنه عربيات الإسعاف فضلت معسكرة هنا طول الجنازة عشان تلحق البنات». ويكمل حديثه قائلا: «الحاجة علية أخت حليم الله يرحمها قبل ما تموت فى 2004 كانت بتزور القبر كل شهرين، وبعد وفاتها بنتها زينب واظبت على عادتها وطبعا بتزور المدفن فى الأعياد والذكرى السنوية مع بقية العائلة، لكن زوج الحاجة زينب أمرنا من سنوات قليلة نلم كل صور عبدالحليم المتعلقة على حيطان المدفن وقالنا حرام تسيبوا الصور دى متعلقة هنا». ورغم أن الفنانين والمسئولين لا يحرصون على زيارة قبر عبدالحليم حاليا يقول عم قدرى: «الفنان تامر حسنى زار المدفن مع محمد شبانة ابن أخو عبدالحليم من سنة». ويؤكد أن فيفى عبده تزور قبر حليم من وقت لآخر، كلما أتت إلى مدافن عائلتها فى منطقة البساتين ويفعل مثلها أفراد عائلة الفنان حسين رياض وأقارب المقرئ عبدالباسط عبدالصمد. أما أحمد حمزة محمود أحد معجبى عبدالحليم حافظ الذى يزور المدفن كل أسبوع ليقرأ على روحه الفاتحة وبعض السور القرآنية فيقول: «بحب عبدالحليم حافظ وعرفت بالصدفة من ثلاث سنين لما اتنقلت القاهرة بسبب ظروف عملى فى مصنع رخام إن مدفنه هنا فى البساتين، فقررت أزوره كل يوم جمعة بعد الصلاة». ويضيف أحمد الذى يبلغ من العمر 22 عاما: «أنا من المنيا ومن صغرى بسمع عبدالحليم حافظ وبحب كل أغنياته.. ده هو اللى علمنى الحب.. وقررت إنى لازم أحضر ذكراه السنوية إن شاء الله».