يكمل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، اليوم 27 مايو 100 عام من عمره وهو على قيد الحياة، متابعا لمجريات الأحداث السياسية في العالم، حريصا على تقديم تحليلاته عن الأوضاع الراهنة، مفصحا عن توقعات ومآل كثير من القضايا؛ فهو يتحدى الجسد بنشاط العقل. ويعد كيسنجر، من أبرز من تولى الخارجية الأمريكية على امتداد تاريخها، حيث كان قريبا من دوائر صنع القرار الأمريكي بفترات بالغة الدقة مع حرب فيتنام، وحرب أكتوبر، وما تلاهما من مفاوضات أهلته لنيل جائزة نوبل للسلام عام 1973. ومع تقاطع "كيسنجر" الواضح مع الشرق الأوسط وقضاياه، كانت بينه وبين الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل علاقة قوية خلال السبعينيات. وتحدث هيكل، عن تلك العلاقة ورؤيته لشخصية كيسنجر بين صفحات كتابه "الحل والحرب" الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. • حلال العقد يبدأ هيكل حديثه، أنه من الحق أن يُقال إن هنري كيسنجر، أحسن ترتيب نفسه وظروفه، فقد بدا وكأنه صانع معظم الأخبار، ورجل جميع الأزمات وحلاّل أية عقد مستعصية. وأضاف أن معظم السياسيين في العالم يبدون مثل هذا القدر من الاهتمام بهنري كيسنجر، ودوره الذي يوشك أن ينزل عليه الستار. • شخصية معقدة وعن رؤية القادة السياسيين، أوضح هيكل، أن هنري كيسنجر بهرهم بسلطته، وبطريقة إدارته لقوة الولاياتالمتحدة، وبوهج شهرته، وبأسلوب مناقشاته، وبالمنطق الذي تناول به مشكلات العالم، وفوق ذلك كله بشخصيته الغريبة الفريدة وأكاد أقول المعقّدة. ويتابع هيكل: "حينما أحاول مراجعة ما سمعته بنفسي من بعض زعماء العالم وقادة الفكر فيه عن آرائهم في هنري كيسنجر ودوره، فإنني لا أستطيع أن أملك نفسي من الحيرة والتساؤل: كيف بدا نفس الرجل لكل من هؤلاء في صورة مختلفة". • قلق داخلي لا يفارقه وأضاف: "وفي لندن مثلا كنت أتناول الغداء مع جيمس كالاهان رئيس الوزراء البريطاني، وقادنا الحديث إلى هنري كيسنجر، وقال لي كالاهان: لن يتاح للعالم وزير خارجية مثله، عندما تسمعه يتكلم ويستعرض أحوال العالم تحس فعلا أنك أمام أستاذ تاريخ يعرف ويشعر بكل شيء على أطراف أصابعه، لكن مشكلة هنري أنه يعيش في قلق داخلي لا يفارقه، لا بد أن تطمئنه باستمرار إلى أنك معجب به حتى يعطيك خير ما عنده، وأنا شخصيا تعلمت أن أقول له 3 مرات على الأقل كل يوم: هنري إنني أحبك وبعدها فقط أطمئن إلى أن عبقرية كيسنجر تعمل دون أن تؤثر عليها وساوسه! ". • ولائه لنفسه فقط ويحكي هيكل، موقفا آخرا حينما قالت له شخصية إسرائيلية، بأنها تتصور أن هنري نموذج لليهودي الذي يكره نفسه، ويريد إثبات ذاته عن طريق تدميرها!! ، وفي كل هذه المناسبات دافعت عن هنري بحكم ضرورات اللياقة، وفي كل هذه المناسبات دافعت عن هنري بحكم ضرورات اللياقة، ولكن هنري في الحقيقة رجل لا ولاء له، ولو سألتني عن ولاءاته لقلت لك: ولائه الأول لهنري كيسنجر، وولائه الثاني لهنري كيسنجر، وولائه الثالث لهنري كيسنجر. • لاعب شطرنج مشتت وعن جانب آخر لرؤية شخصية سياسية، يروي هيكل، أنه في القاهرة وفي آخر زيارة إليها الجنرال أندريه بوفر القائد العسكري والمفكر الاستراتيجي الفرنسي الأشهر، وكان ذلك قبل وفاته بأقل من شهر، كان حديثنا عن التطورات في أزمة الشرق الأوسط ودور هنري كيسنجر. وذكر الجنرال الفرنسي، أن مشكلة هنري كيسنجر أنه مثل لاعب شطرنج يلعب بكل قطعة في نفس الوقت، إنه يقوم بألعاب كثيرة لا يستطيع متابعتها فضلا عن إتمامها إلى النهاية. وتابع: "إنك تنظر إلى ناحيته من رقعة الشطرنج فتجد التحركات عليها واسعة، ولكنها جميعا تحركات مفتوحة لكل الاحتمالات، وهو غير قادر على أن يحقق الفوز النهائي بحركة أو حركتين يركز عليهما!".