"يُفتتح المهرجان هذا العام بحفل تكريمي لأحد أعظم الأصوات الغنائية في القرن العشرين: أم كلثوم". بهذه الكلمات يبدأ دليل مهرجان هولندا للفنون 2010. وسيكون التكريم من خلال حفل تحييه الفنانة المصرية الشابة آمال ماهر بصحبة أوركسترا يقودها الموسيقار المصري- الفلسطيني سليم سحاب، والتي لمع نجمها من خلال أدائها لعدد من أغاني أم كلثوم في مهرجان بيت الدين اللبناني العام الماضي. وسيكون الحفل على قاعة مسرح كاريه الملكي، في أمستردام في الأول من يونيو القادم، بينما سيتاح لعدد أكبر من الجمهور، متابعة الحفل مباشرة ومجاناً، عبر شاشات كبيرة سيتم نصبها في الحديقة العامة "أوستر بارك" القريبة من المسرح. افتتاح شرقي لمهرجان عالمي يعتبر "مهرجان هولندا" للفنون أكبر فعالية فنية تشهدها هولندا كل عام، وهو أيضاً واحد من المهرجانات المعروفة على الصعيدين الأوربي والدولي، خاصة في مجالي المسرح والموسيقى. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ المهرجان السنوي الذي انطلق للمرة الأولى عام 1947، التي يكون فيها حفل الافتتاح مخصصاً لفنان شرقي. اتسمت الدورات الأخيرة لمهرجان هولندا بانفتاح متزايد على الثقافات الأجنبية، من خارج أوربا. فعلى سبيل المثال ومنذ ثلاث سنوات أصبح في المهرجان حضور منتظم لأشكال المسرح التقليدي الياباني. ويعود هذا الانفتاح جزئياً إلى شخصية المدير الفني للمهرجان منذ عام 2005، بيير أودي، بشخصيته الكوزموبوليتية. فهذا الفنان الفرنسي الأصل، واللبناني المولد، نشأ بين بيروت وباريس، ودرس في أوكسفورد، وبدأ حياته المهنية في لندن، وتوزعت عمله الفني بين الأوبرا والموسيقى، والمسرح الاستعراضي. بيت الدين بيير أودي هو الذي يقف خلف اختيار الفنانة المصرية آمال ماهر، لحفل الافتتاح هذا العام، وأوضح ذلك في حديث أجرته معه إذاعة هولندا العالمية "سمعت عن آمال ماهر وشهرتها في أداء أغاني أم كلثوم والنجاح الذي حققته في مهرجان بيت الدين اللبناني. وأم كلثوم هي واحدة من أهم الأصوات الغنائية في القرن العشرين على المستوى العالمي". يرى الفنان والمدير الفني لمهرجان هولندا بيير أودي أن أم كلثوم تمثل ظاهرة متفردة، وأن لها أسلوبها الخاص في التعامل مع النصوص وفي الأداء الصوتي، مما يجعل محاولة تقليده في غاية الصعوبة. لكن آمال ماهر استطاعت أن تجد أسلوباً خاصا بها حسب تعبير أودي "لإعادة إنتاج فنّ أم كلثوم وليس تقليده، وبصوت شابة في الخامسة والعشرين، مما يجعله أقرب إلى ذوق الجمهور في هذا الوقت. إنه بالتالي مزيج من النوستالجيا والجدّة، وهذا المزيج هو الذي جعلنا نختار آمال ماهر لتقدم هذا الفنّ في مسرح كاريه الملكي". التعريف بالتجارب العالمية رغم وصفه أم كلثوم، بأنها إحدى أهم المغنيات في القرن العشرين، يعترف بيير أودي أن الجمهور الهولندي لا يعرف الكثير عنها. ولكن هذا يشكل بالنسبة له سبباً إضافياً لتقديم فن أم كلثوم بهذه الطريقة التكريمية، إذ أن "التعريف بالفنانين العالميين هو أحد المهام التي يتكفل بها مهرجان هولندا. فمنذ وجود هذا المهرجان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان من بين وظائفه أن يجلب التجارب الفنية الأوربية والعالمية إلى الجمهور الهولندي". ويرى بيير أودي أن دعوة الفنانة الشابة آمال ماهر سوف "يسلط الضوء على فن أم كلثوم وإبراز كونه لا يزال حياً ومؤثراً في الشرق الأوسط". يؤكد بيير أودي أثناء الحديث معه أكثر من مرة، على أن اختياره لحفل الافتتاح هذا، جاء بدوافع فنية خالصة، ووأنه لا وجود لأي جانب سياسي في الموضوع، فهو لا يريد أن يظهر بدور المنشغل ب "حوار الثقافات"، أو دعاة "التعدد الثقافي"، بالمعنى الرائج في النقاشات السياسية الراهنة. ومع ذلك فإن بيير أودي يعتز بجهوده في جعل مهرجان هولندا أكثر تنوعاً وانفتاحاً "منذ أن توليت إدارة مهرجان هولندا عام 2005، وأنا أحاول أن أجعله أكثر انفتاحاً على الثقافات غير الأوربية. وأعتقد أن هذا الانفتاح مهم أيضاً لأن حياتنا آخذة بالتغير بتأثير التطورات التي تحدث في أماكن بعيدة. وجميعنا نشاهد يومياً أخباراً تتعلق بما يحدث في ذلك الجزء من العالم، فأصبح من الضروري أن نتعرف أيضاً على ثقافته. وهذا ينطبق على الأجزاء الأخرى من العالم وثقافاتها. لكن في هذه الحالة فإن التركيز هو ليس على ثقافة الشرق الأوسط عموماً، بل على أم كلثوم كشخصية تاريخية متفردة". حضور عربي آمال ماهر، ومن خلفها أم كلثوم، ليست هي المشاركة العربية الوحيدة في مهرجان هولندا 2010. هناك أيضاً فرقة "ثلاثي جبران" الفلسطينية، التي تتكون من عازفي العود الإخوة وسام وعدنان وسمير جبران، التي ستقدم أمسية موسيقية في قاعة "بيم هاوس"، وسط أمستردام. إلى جانب ذلك يتضمن برنامج المهرجان عرضاً للمسرحية الوثائقية "الراديو المؤذن"، للمخرج السويسري ستيفان كايجي، والتي يصور فيها الحياة اليومية لأربعة مؤذنين مصريين، فقدوا عملهم، بعد أن قررت الحكومة المصرية الاستعاضة عن الأذان الحي بأذان موحد يبث من راديو مرتبط بشبكة أتصالات سلكية بجميع مساجد مدينة القاهرة. مع ذلك ينفي المدير الفني للمهرجان وجود نية مسبقة للتركيز على الثقافة العربية في هذه الدورة، ويؤكد أن هذه الأعمال اختيرت بشكل مستقل عن بعضها البعض.. لكنه لا يخفي إعجابه بهذه "المصادفة"، كما يسميها "بالطبع شيء جميل أن يكون هناك تناغم بين فقرات مختلفة ضمن المهرجان.. وهذا من الأشياء الجميلة التي تميز مهرجان هولندا.. فالاختيارات والمقترحات تأتي منفردة.. ولكن أثناء إعداد البرنامج النهائي للمهرجان تلاحظ وجود بعض العناصر المشتركة التي تكونت بشكل تلقائي. وهذا ما حدث حيث سيكون شيئاً جميلاً أن حفل الافتتاح بأغاني أم كلثوم سيجد صداه أيضا في فقرات أخرى قريبة منه فنياً، مثل موسيقى "ثلاثي جبران"، والمسرحية التي تتحدث عن "المؤذنين" في مصر، وهي ظاهرة ثقافية لها خصوصيتها". ومن ناحية أخرى، يأمل بيير أودي أيضاً أن تساعد هذه الاختيارات في اجتذاب فئات جديدة من المجتمع الهولندي، ربما لم تكن من الجمهور المعتاد على حضور مهرجان هولندا، ولكن هذه الاختيارات قد تشجعها على اكتشاف هذا المهرجان، وهو يشير هنا إلى مجتمعات المهاجرين ذوي الأصول العربية والشرقية. بيير أودي: أنا محظوظ وأخيراً.. لا يخفي بيير أودي الجانب الشخصي الذي دفعه لتخصيص حفل افتتاح المهرجان لتكريم ذكرى الفنانة الراحلة أم كلثوم.. يقول "أنا كنتُ محظوظاً بأني قد رأيت أم كلثوم شخصياً، وحضرت إحدى حفلاتها. كنت في الحادية عشرة من العمر حين حضرت حفلة لأم كلثوم في مدينة بعلبك اللبنانية. هذا جعلني أدرك جيداً قيمة هذه التجربة، وقيمة أن تستمتع بشكل حي لتلك الأغاني. بالنسبة لي فإن أم كلثوم هي أيقونة فنية، وشخصية مثيرة ومتفردة فنياً". يفتتح مهرجان هولندا 2010 في الأول من يونيو ويستمر حتى الثالث والعشرين منه، ويتضمن عروضاً لأسماء عالمية بارزة في المسرح والموسيقى والرقص والأوبرا. وتتوزع العروض على عدد من القاعات الكبرى والمتوسطة في أمستردام.