بمشرط طبيب وقلم روائى، يواصل القاص محمد إبراهيم طه حرثه فى عالم القرية المصرية الواسع، ولكن تلك المرة عبر ظهيرها الصحراوى. فى روايته الجديدة «دموع الإبل» يصور طه هذا العالم بشكل شديد العذوبة والغرائبية، ويلقى أضواء جديدة عليها لم تطرق بعد فى روايات أو قصص. عالمه الروائى وأجواء روايته فى سياق الحوار التالى. تركت الكتابة عن الريف واتجهت للكتابة عن الصحراء هل استنفدت قرية محمد طه؟ * حلم أى كاتب هو توسيع رقعته الإبداعية، والقرية مازالت قادرة على إثارة الدهشة وصنع عالم قائم بذاته، دون الاعتماد على عالم المدينة، وانتقالى إلى عالم الصحراء هو جزء مكمل لكتابتى عن الريف، وأنا أتناول ظهير الريف الصحراوى، وهو عالم مفتوح يجمع بين الطينى والرملى، وبهما أشياء مشتركة، وأناسهم ينظرون لبعضهم نظرة استعلاء متبادلة، حسب طبيعة عمل كل منهم فهى علاقة ملتبسة تستحق التناول الروائى ومنطقة خصبة لم يطأها كثيرون، وعالمان متناقضان رغم ما يربطهما من مشتركات اجتماعية وإنسانية. لكن نظرة التناقض بين الفلاحين والبدو تجعل الرواية مليئة بالمفارقات؟ * هذه النظرة تاريخية، مليئة بالتوجس والريبة من كل طرف تجاه الآخر، وتكاد أن تخفى ملامح مختلفة لبعضهما، فالريفى كسول يميل إلى الارتكان، ويميل إلى الاستقرار بجوار النيل والأراضى الطينية، أما البدوى فحاد الطباع غير مطمئن، كثير التنقل، لكن فى الرواية هناك تقاليد مشتركة كالحفاظ على الشرف والعلاقات الاجتماعية. وكيف وفقت بين لغتيهما فى رواية واحدة؟ * بشكل عام اللغة الفصحى هى لغة الرواية، لكن هناك عامية خاصة بالجزء الريفى، أما الجزء الخاص بالشخصيات الصحراوية فيدور بلغة بدوية معممة لا تخص جزءا أو فرقة بعينها من البدو لكن تتماشى مع لغة بدو مصر أجمع. مزج اللغتين قد يؤدى إلى نفور من قراءتها؟ * لا، لأن السرد الرئيسى بلغة الفصحى، وهى تساعد على إبراز التنوع فى السرد وهى قريبة من لغة اليومى العادى. ويوسف إدريس استخدم فى قصته «أرخص ليالى» عامية اللغة المقيمة والمعتادة، لكننى حافظت على اللغة العربية فى السرد. وما سبب ميلك لاستخدام الأمثلة الشعبية وفن الحداء والموال فى كثير من أعمالك..هل تظنه يقربها إلى شرائح أوسع؟ * أميل فى أعمالى إلى الموروث الشعبى بوجه عام، سواء أكانت حكما أم أمثالا أم وصفات طب شعبى، لأنها تعطى لعالمى خصوصية وتفردا، كما تحافظ على هوية الجماعات الشعبية فى عصر تذوب فيه الهويات بفعل العولمة التى تقتنص كل شىء فهى صرخة لإعادة هذا الموروث والتمسك به. فى دموع الإبل قدر كبير من الفانتازيا بخلاف روايتيك السابقتين؟ * فعلا، لأنها رواية لا تعتمد على الواقع فحسب، وبها قدر كبير من الخيال لأن شخصياتها تنشد اليوتوبيا وتبحث عنها فى عالم ملىء بالمرارة، والفاصل بين الواقع والخيال متعمد حتى لايعرف القارئ أين ينتهى الواقعى وأين ينتهى الخيالى. وما دلالة التصوف المسيطر عليها؟ * هى صوفية موجودة بروح الشخصيات وتؤثر عليها، «فسلمى» شيخة زار يبدو شكلها شريرا لكنها نورانية لها قدرات خارقة وغير شريرة بل متسامحة، تتميز بطاقة سحرية وكل الأديان بها قدر صوفى مشترك سواء الإسلامى أو المسيحى وكذلك اليهودى. لكن هناك مشروعا أمريكيا لتعميم الصوفية فى الشرق الأوسط وهو ما قد يعرضك لانتقادات؟ * بغض النظر عما يريده الغرب، أرى أن الفكر الصوفى هو الصحيح بل الأمثل للتعايش فى الوقت الراهن، فلا ترى مثلا صوفيا قاتلا أو عدوانيا، بل هو فكر يدعو إلى التسامح ونبذ العنف والتعايش جنبا إلى جنب مع العالم، يتقبل الآخر ولا يتصارع معه بشكل دموى وكما قلت فإن الأديان السماوية بها جذور صوفية مشتركة. ماذا عن تنبؤ سلمى بطعن سالم حتى يكون وجودها مشروعا وصادقا؟ * لجأت إلى تلك الحيلة لإعطاء الرواية مسحة من العالم الخيالى ونبوءة سلمى ورجاءتها الثلاثة لتأكيد مشروعية وصدق وجودها ويعطى لعالمها قيمة وينفى عنها سيئة الدجل والسحر والطمع وغيرها من الصفات لتصير شخصية نورانية متسامحة فى النهاية. هل الرواية تعبير عن حلم بمدينة فاضلة؟ * لا أذكر رواية بعينها غيرت مجرى حياة الشعوب أو كانت الشعلة الأولى فى إحداث تغيير اجتماعى أو ثقافى، وإن أحدثت بعض التغيير الطفيف داخل نفس القارئ، والأدب فى ظل هذه الجماهيرية المتدنية يتعذر عليه إحداث هذا التغيير، والعمل السياسى العام هو الجدير بذلك. صوت الطبيب اختفى من دموع الإبل على غير العادة فى بقية أعمالك، لماذا؟ * عالم الطب ساعدنى فى اكتشاف عوالم أخرى، والدخول إلى عالم الصحراء يتطلب قراءات مختلفة ومعرفة خصوصياته عن طريق جلسات استماع قمت بها وجلسات عديدة مع أناس من البدو، الكتابة عن الصحراء لن تظل حكرا على أحد لكنها احتاجت منى دراسة وبحثا جيدين عن المكان والأحداث.