تراجع سعر الذهب اليوم بالسعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الثلاثاء 18 يونيو 2024    مسؤول إسرائيلي: عشرات الرهائن في غزة ما زالوا أحياء على وجه التأكيد    مرشحو انتخابات الرئاسة الإيرانية فى أول مناظرة يدعون لحذف الدولار.. ويؤكدون: العقوبات أثرت على اقتصادنا.. النفط يُهدر بنسبة 17% والتضخم تجاوز 40%.. ومرشح إصلاحي يعترف: عُملتنا تتدهور والنخب تهرب والوضع يسوء    الانقسام والتخبط سيد الموقف فى تل أبيب.. نتائج الهُدنة التكتيكية نموذجاً    إعلام إسرائيلي: نقل 3 إسرائيليين للمستشفى لتلقي العلاج بعد تعدي الشرطة عليهم    الجيش الإسرائيلي يعلن قتل ناشط بارز في وحدة الصواريخ بحزب الله    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    عاجل.. لجنة الحكام تكشف عن 4 أخطاء لحكم مباراة الزمالك والمصري    تطورات إصابة كيليان مبابي الخطيرة    صدمة في فرنسا.. مبابي يخضع لجراحة عاجلة    مصرع شابين غرقا فى نهر النيل بمنشأة القناطر    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    التفاصيل الكاملة لوفاة كابتن الطائرة المصرية حسن عدس    إسعاد يونس: مسرحيات عادل إمام أثرت خزينة الدولة.. والهجوم عليه لم يُطفئ نجمه    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    عبدالحليم قنديل ل"الشاهد": طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    إسماعيل فرغلي: ربنا كرمني بعد مرارة سنوات.. وعشت ظروف صعبة لا تنسى    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    عيد الأضحى يطل على غزة من نافذة الحرب والدمار    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    يورو 2024.. منتخب فرنسا يتخطى النمسا بالنيران الصديقة    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    لسبب جسدي.. أنس جابر تعلن غيابها عن أولمبياد باريس 2024    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    تراجع سعر سبيكة الذهب اليوم واستقرار عيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    في ثالث أيام العيد.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر ودرجات الحرارة المتوقعة    وفاة 10 حجاج من أبناء كفر الشيخ خلال أداء مناسك الحج.. اعرف التفاصيل    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    من مشعر منى.. ولي العهد السعودي يوجه رسالة للعالم عن غزة    أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    تعليق عاجل من الخارجية الأمريكية بشأن قرار نتنياهو بحل مجلس الحرب الإسرائيلي    بعد الارتفاع الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 18 يونيو في ثالث أيام العيد    عمرو دياب لجمهوره: «أنا بقدركم وبحبكم».. وعمرو أديب: «أنت خايف ليه؟»    مصطفى عمار: عادل إمام سفير فوق العادة للكوميديا المصرية في الوطن العربي    «وجه رسالة لجمهور الزمالك».. تركي آل الشيخ: «أعرف الوسط الرياضي المصري جيدًا»    تامر حسني يشوق الجمهور لعمل غنائي جديد    وزراء البيئة بالاتحاد الأوروبي يوافقون على قانون استعادة الطبيعة    قائمة الاتحاد السكندرى لمواجهة الأهلى.. غياب مابولولو وميسى    حل مشكلة الصرف الصحى بدير جبل الطير بالمنيا    التحقيق مع حداد مسلح أشعل النيران في زوجته بسبب خلافات بينهما بالعاشر    شقق التضامن الاجتماعي.. تفاصيل تسليم 1023 وحدة سكنية ب 400 مليون جنيه    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا الثقة انعدمت
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 03 - 2010

سئل الفيلسوف الصينى العظيم يوما عن ألزم اللزوميات بالنسبة لمهام كل حكومة، فأجاب بأن ألزم المهام لكل حكومة تتمثل فى ثلاثة أهداف: كفاية من الطعام للناس ليعيشوا ويقدروا على أداء أعمالهم. وكفاية من الأسلحة ليدافعوا عن بلادهم ضد الأخطار الخارجية. والثقة لدى الناس بحكامهم.
عندئذ سئل كونفوشيوس: فإذا قضت الضرورة وكان لابد من الاستغناء عن أى من هذه الأهداف، فأجاب: الأول الاستغناء عن توفير الأسلحة، فالشعب حين يريد الدفاع عن بلاده لا يعجزه عن ذلك نقص الأسلحة لديه. والثانى الاستغناء عن الطعام، لأن الموت قضاء لا مفر منه، إذا توفر الطعام أو إذا لم يتوفر. أما الأمر الثالث، وهو ثقة الناس بحكامهم، فلا يمكن الاستغناء عنها، إذ لا بقاء للدولة بدونها.
بإمكاننا فى الواقع أن نتصور أن مثل هذه العبارة وردت بصيغة أو بأخرى على ألسنة الحكماء والفلاسفة وعلماء السياسة قبل كونفوشيوس وبعده، وفى كل العصور من حور محب إلى حامورابى وإلى سقراط وأفلاطون وأرسطو، وصولا إلى مكيافيللى وماركس حتى برتراند راسل. إذ يكاد كل واحد من هؤلاء أن يكون قد اقترب من التحذير من فقدان أهل الحكم ثقة العامة من الناس.. الشعب.
لكن ما يميز عبارة كونفوشيوس فى القرن الخامس قبل الميلاد أنها اعتبرت أن فقدان الشعب ثقته بحكامه يعنى نهاية دولتهم.. أى إنه توقع النتيجة السلبية فى حدها الأقصى.
مع ذلك فإن الكتابات الحديثة فى علم السياسة على اختلاف اتجاهاتها تكاد تخلو من تعبير «الثقة» وتبتعد فى معظم الأحوال عن معالجتها. وفى الحالات القليلة التى تعالجها نجدها تربط ربطا عضويا بين الثقة وانعدام الثقة فى الحياة السياسية والاجتماعية. وأكثر ما يلفت النظر أن كتابات المعاصرين فى هذا المجال تعتبر أن «الثقة وانعدام الثقة» يقعان تحت حكم النظرية المسماة نظرية «الصفر الإجمالى». وهى النظرية التى تذهب إلى أن ما يخسره طرف فى مباراة الثقة يكسبه الطرف الذى يواجهه. أى أن ما يخسره الحكام من ثقة المحكومين فى العملية السياسية يكسبه المحكومون فى صورة مزيد من الثقة بالنفس، بمعنى أن ما يضيعه الحكام من ثقة محكوميهم لا يمكن استعادته.
ولقد كانت «الثقة» دائما مصدر حيرة لعلماء السياسة والمشتغلين بالسياسة لسبب بسيط للغاية هو أنها بحكم التعريف دالة على شعور إنسانى بشأن الكيفية التى نتعامل بها مع حرية الآخرين. إنها أحد التعابير التى لا يمكن الاستغناء عنها فى صياغة النظريات السياسية، على الرغم من كونها تعبيرا عن شعور وجدانى لا يمكن صياغته كميا، وهو الميل الأحدث فى مناهج العلوم السياسية والاجتماعية.
الثقة رغم هذا جوهرية لفهم الفعل السياسى ورد الفعل السياسى على السواء. وقد لجأ معظم المفكرين السياسيين ذوى الاتجاه المطلق، وكذلك الحكام من الاتجاه ذاته، إلى التأكيد بأنهم فى حكمهم يستندون إلى ثقة شعبية عميقة ومؤثرة، لأنها مستمدة من حق إلهى. فكانت هذه الثقة عماد سلطتهم السياسية. أما رؤساء الجمهوريات فى النظم الديمقراطية فإنهم يبذلون أقصى جهودهم فى الانتخابات الرئاسية ليكسبوا ثقة الناخبين ليختاروهم حكاما لفترة زمنية محددة ومحدودة.
وإذا ما نحن نظرنا إلى الوضع السائد فى مصر خاصة بعد الحراك السياسى الذى جدد دماء الحياة السياسية فى البلد وطرح موضوع الثقة كما لم يطرح قبلها أمكننا أن نجزم بأن الحكم أو الحكومة قد فقد ثقة الناس، الشعب، العامة، الناخبين، الغالبية الساحقة من المحكومين. وأصبح يتعين فى ضوء هذا الحراك نفسه أن نتساءل إذا كانت الحكومة فى هذا البلد قد فقدت ثقة المحكومين بها إلى الحد الذى يهدد كيان الدولة.. يهدد وجودها، أم إن الحكم لا يزال يستند إلى ثقة يعتبرها ثقة أهم أو أقوى، هى ثقة الأقلية من الناس التى تتمتع بكل الامتيازات التى يوفرها هذا الحكم لمؤيديه. إنه فى هذه الحالة يحصر ذاته فى دائرة حكم الأقلية، خاصة إذا كان لا يمكن الفصل بين هذه الأقلية والفئة الحاكمة.
وعلى أى الأحوال، فإنه فى حالة تفتت أو تآكل الثقة بحكومة ما قد يمر البلد بفترة لا يستطيع فيه المحكومون أن يعلنوا أنهم فقدوا الثقة بحكامهم وأن ثقتهم تذهب إلى بديل إصلاحى أو ثورى أو حتى فوضوى. فترة لا تكون الثقة فيها مع الطرف الحاكم، ولكنها لم تستقر مع طرف بديل.
ولقد مرت مصر بهذه الحالة لفترة ربما يمكن تحديدها بنحو عقدين من الزمان خسرت خلالها النخبة الحاكمة أى تحالف الثروة والسلطة ثقة المحكومين بأغلبيتهم الساحقة دون أن تتمكن هذه الأغلبية من أن تعلن أنها نقلت ثقتها إلى مجموعة بديلة من المشتغلين بالشأن الوطنى. خلال هذه الفترة وبسبب أوضاع دستورية وواقعية معينة تلخصها هيمنة الحكم على وسائل السلطة وأساليبها افتقر المحكومون إلى حزب يولونه الثقة إلى الحد الذى يمكن معه التأكيد بأنه إذا توفرت الشروط الديمقراطية أن ينال الأصوات، أى ينال ثقة الناخبين ويأتى وفقا لآليات معروفة لتسلم السلطة.
لكن ما حدث فى الشهور الأخيرة هو أن الثقة بدأت تأخذ كشعور عام اتجاها محددا.. قد لا يكون بالإمكان أن تقدّر الآن نتائجه العملية لأنه ليس من المؤكد بعد، أن هذه الثقة ستستقر عند هذا الفرد البديل، أو عند ذلك الحزب أو تلك الجماعة. المهم فى الأمر أن مجموعة من المواطنين قد طرحت أسماؤهم أو هم طرحوا بأنفسهم أسماءهم لنيل ثقة الغالبية، بينما لم تعلن النخبة الحاكمة بعد تسليمها بأنها فقدت ثقة الغالبية.
لا يزال الوضع إذن يحمل سمات مرحلة انتقالية، فالنخبة الحاكمة لا تزال تتصور أن بإمكانها استعادة الثقة عن طريق دعايات من نوع «التفكير الجديد» أو عن طريق مكاسب جزئية لبعض الفئات التى لم تنل مكاسب كافية خلال العقدين الأخيرين، مع استمرار أساسيات الحكم كنظام يستند إلى تحالف الثروة والسلطة وعلى التوسع بغير حدود فى سياسة السوق الحرة واعتماد سياسة خارجية تسلم مفاتيح الإستراتيجية الأمنية المصرية للولايات المتحدة.. الأمر الذى يتطلب على الأقل علاقات عادية مع إسرائيل.
وعلى الجانب الآخر، فإن أحزاب المعارضة أظهرت أنها لا تزال تختلف فيما بينها بشأن مرشحى الرئاسة الجدد طالبى الثقة. وقد لا تستطيع، فى اللحظة المناسبة، أى قبل موعد انتخابات الرئاسة (فى نوفمبر 2011) أن تتفق على منح الثقة لمرشح بعينه للرئاسة. وقد يؤدى هذا الانقسام إلى تفتت الأصوات المعارضة بين مرشحين متعددين.
هذه سيناريوهات محتملة ستحاول الحكومة تعزيزها للإفادة من نتائجها السلبية.
لكن بالمقابل فإن سيناريو عودة الثقة المفقودة إلى الحكم والحكام هو سيناريو المستحيل.
ليس فقط لأن الحكم منقسم على نفسه، مشتت بين جمعية المنتفعين بالاستمرار وجمعية المنتفعين بالتوريث. ولأن فقدان الثقة بطبيعته يعنى استحالة استعادتها كاملة وقوية، بحيث تفرض استمرار شرعية الحكم.
وبالتالى فإن ما يمكن أن تسفر عنه أحداث الانتخابات الرئاسية فى مثل هذه الظروف سيكون نوعا من استمرار الحكم بقوة القصور الذاتى. يستمر الحكم بدفع من ماضيه وحاضره المتمسك بآليات السلطة.
وهذا معناه إطالة أمد الصراع، وبالتالى إتاحة الفرصة للجماهير لممارسة دورها المباشر بصورة أكثر تأثيرا، بينما تذوى سلطة الحكم الذى يبقى فاقدا الثقة.
هنا تبرز صحة ما قاله كونفوشيوس قبل 26 قرنا من الزمن.. إن النظام الحاكم يفقد وجوده إذا فقد ثقة المحكومين.
لكن هذا لا يعنى أن هذه النتيجة تلقائية ولا تختلف عن قانون «المادة تتمدد بالحرارة». المسألة عمليا أعقد من أن تكون ببساطة المعادلة الكونفوشية. ولعل عنصر الزمن هو الذى يردعنا عن تصور التلقائية فى النتائج. فلا نزال بانتظار أن نعرف الآلية التى يأخذها انهيار نظام فقد ثقة الناس.
هل تكفى الآلية الدستورية فى الحد الأدنى؟ أم أن الوضع سيتطلب آلية الثورة فى الحد الأقصى؟ أم نقول إن ما يحدث سيوافق قانون الوسط بين هذا وذاك.. وهو ما يصعب تحديده من الآن؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.