بدء زراعة أكثر من مليون فدان أرز.. واستنباط 4 أصناف جديدة قليلة الاستهلاك للمياه    وزير الاتصالات: من مليار إلى 2 مليار دولار تكلفة الكابل البحري الواحد    أسعار الحج السياحي والجمعيات الأهلية 2024    سول وبكين تناقشان تفاصيل زيارة وزير الخارجية الكوري الجنوبي إلى الصين    شكري يشدد على ضرورة وقف إطلاق النار وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية لغزة    إعلام عبري: العدل الدولية ستصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وآخرين.. لهذا السبب    حسين لبيب يهنئ لاعبي الزمالك بالتأهل لنهائي الكونفدرالية ويعد بصرف مكافآت خاصة    مصرع 5 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    ملك أحمد زاهر تكشف عن مواصفات فتى أحلامها    فيديو.. عمرو أديب يستعرض رواتب المبرمجين في مصر مقارنة بمختلف دول العالم    سامي مغاوري يتحدث عن حبه للتمثيل منذ الصغر.. تفاصيل    محافظ بني سويف يلتقى وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    بالأسماء.. إصابة 12 في حادث انقلاب سيارة ميكروباص في البحيرة    انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    تريزيجيه يصنع في فوز طرابزون برباعية أمام غازي عنتاب    منة فضالي: اكتشفنا إصابة والدتي بالكانسر «صدفة»    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    محمد أبو هاشم: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب (فيديو)    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية مجانية ضمن مبادرة حياة كريمة    «الرقابة الصحية»: القطاع الخاص يقدم 60% من الخدمات الصحية حاليا    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    بايرن ميونخ يغري برشلونة بجوهرته لإنجاز صفقة تبادلية    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    بعد عامين من انطلاقه.. «محسب»: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع المصري    جذابة.. إطلالة ساحرة ل ياسمين عبد العزيز في صاحبة السعادة- وهذا سعرها    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    التغيرات المناخية وآثارها السلبية في العالم العربي.. ورشة عمل بمركز الفلك بالبحوث الإسلامية    تعرف على مواعيد امتحانات المرحلة الإعدادية في مدارس الأقصر    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    ننشر أقوال محمد الشيبي أمام لجنة الانضباط في شكوى الأهلي    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اليويفا يكشف النقاب عن حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في ذهاب نصف نهائي تشامبيونزليج    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسألة نفرتيتي: «الجميلة أتت» من تل العمارنة إلى برلين.. فهل تأتي يوما إلى القاهرة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 02 - 2023

110 أعوام مرت على اكتشاف تمثال رأس نفرتيتي في منطقة تل العمارنة في صعيد مصر وخروجها إلى ألمانيا في العام التالى، حيث تم اكتشافها يوم 6 ديسمبر عام 1912، إلى أن ظهرت فى ألمانيا بعد 10 سنوات في عام 1923 فى متحف برلين.
لكن عمر نفرتيتي الحقيقي هو 3400 عام حيث كانت تعيش الملكة مدينة في "إخيتاتون" مع زوجها الملك إخناتون وهى المدينة التي تدعى حاليا "تل العمارنة" بمحافظة المنيا جنوب مصر.
"نفرتيتي" تعني في اللغة الهيروغليفية، "الجميلة أتت" ولكن من أين أتت؟ وأين يفترض أن تكون؟
يضم القسم المصري في برلين بداخل متحف Neuesmuseum أكثر من 2500 قطعة أثرية مصرية وأكثر من 200 بردية، ومنذ اللحظة الأولى لدخوله يشعر الزائر بالمهابة، خاصة وأن أول قاعات المتحف مخصصة لشرح الميثولوجيا المصرية والمعتقدات الدينية الفرعونية، إلا أن نفرتيتي لها دائما وضع خاص.
خروج نفرتيتي من مصر:
بدأت قصة خروج تمثال نفرتيتي من مصر في عام 1912 عندما تم إخفاء ملامحها والتلاعب بالتقارير لتهريبها تحت إدارة فرنسية للآثار المصرية فى ذلك الوقت باعتبارها قطعة غير مميزة ومكررة، بتخطيط من عالم المصريات الألماني "لودفيج بورشارت"، بدعم مالي من جيمس سايمون، رئيس المعهد الألماني للدراسات الشرقية حينها.
تلاعب بورشارت في التقارير لتسهيل خروج نفرتيتي إلى ألمانيا، في حين أن قانون حماية الآثار المصرية المعمول حينها، قد نصّ صراحة على مشاركة القطع الأثرية المستخرجة بين مصر والبعثة الألمانية كبديل لدفع تكلفة أعمال الحفر واكتشاف الآثار واستخراجها من الأرض، بشرط أن تكون حصة ألمانيا من القطع المصرية المكررة وليست القطع الفريدة، بحسب الدكتورة مونيكا حنا عميد كلية الآثار والتراث الثقافي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.
تقول "حنا" فى حديث ل"الشروق" إنها شارفت على الانتهاء من أبحاث أكاديمية موسّعة تكشف كيفية مغادرة رأس نفرتيتي من مصر، وظروف هذا النقل غير الشرعي، كما تصفه، مشيرة إلى أن البحث مدعم بوثائق وأدلة رسمية من الأرشيفات الوطنية والوثائق الحكومية والمراسلات بين مصر والجهات المختلفة للمطالبة بعودة التمثال إلى مصر، فضلا عن البحث والتحقق من الوثائق المملوكة لمتحف برلين باعتبارها من مزاعم الألمان ضد حقوق المصريين في استعادة نفرتيتي.
وتشير "حنا" وهي من ملوي بمحافظة المنيا، ذات المنطقة الجغرافية التي اكتشفت فيها نفرتيتي، لذلك تشعر أن نفرتيتي هي جدتها بالفعل بحكم التاريخ والجغرافيا، إلى أنها بصدد تدشين حملة ضخمة في الصحف الألمانية مدعومة بترسانة من الأبحاث الأكاديمية في سبيل استعادة الآثار المنهوبة من دول إفريقيا وتوجد في أوروبا، وتولى "حنا" أهمية كبيرة لرأس نفرتيتي وتضعها على قائمة أولويات هذه الحملة.
وأشارت إلى أن صحيفة دير شبيجل الألمانية حصلت على الحق الحصري في نشر تفاصيل هذه حملتها ونشر جميع الأبحاث الأكاديمية التي تقصت من خلالها الحقوق المصرية في رأس نفرتيتي وكيف تم تزوير الوثائق لتسهيل خروجها من مصر في هذا الوقت.
3 مطالبات مصرية رسمية:
أوضحت عميدة كلية الآثار والتراث الثقافي، أن مصر طالبت رسميا بإعادة التمثال 3 مرات، الأولى كانت في عهد الملك فؤاد عام 1933 كان بعثت الحكومة المصرية بخطاب لهتلر الذي رد قائلا "ما يخص ألمانيا سيبقى في ألمانيا" ، وكانت المطالبة الثانية في عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحينها رفض الحلفاء إعادتها بعد هزيمة ألمانيا، وقالوا للحكومة المصرية "يمكنكم التفاوض لاستعادة الرأس بعد تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا وليس من خلالنا".
وكان الطلب الرسمي الثالث من مصر في عام 2009 عندما طالب الدكتور زاهي حواس أمين المجلس الأعلى للآثار من متحف برلين استعارة نفرتيتي، لكن تم رفض طلبه بلباقة، بدعوى أن التمثال لا يمكن أن يتحرك من مكان إلى آخر من أجل الحفاظ على أمنه هذه القطعة الفريدة.
ولفتت إلى أن ألمانيا أعادت بالفعل عددًا من القطع الأثرية إلى مصر مؤخرًا في السنوات القليلة الماضية، لكن جميعها خرجت مؤخرًا بعد 2011، مشيرة إلى وجود اتجاه حكومي في مصر من مستويات عليا يدعم بقوة الحملات للمطالبة بنفرتيتي، وهو ما يمكن أن يشكل زخما وتعاطفا مع الحملة التي سنطلقها قريبًا في النصف الأول من عام 2023 بعد أن ننتهى من استكمال بعض الأوراق البحثية.
وثائق رسمية ألمانية تثير الجدل:
في عام 2009 نشرت مجلة شبيجل الألمانية، قصة صحفية معتمدة على وثائق رسمية ألمانية تمكنت من الحصول عليها، وتظهر هذه الوثائق بوضوح تعمد بورشارت إخفاء تمثال رأس نفرتيتي وطمس ملامحه المميزة في الصور الأولى له، حتى يتمكن من نقله إلى ألمانيا، وهو الأمر الذي أثار ضجة في ذلك الوقت، كما أجرت قناة الجزيرة مقابلة مع "ديتريش فيلدونج"، مدير متحف برلين في 2009 للتعليق على الأمر، والذي قال إنه نظراً لتفرد وشعبية تمثال نفرتيتي، فإنه الشائعات تنتشر حوله وبالتالي لا يمكن التأكد من مصداقية هذه الرواية أو دقتها من عدمه.
حسن صابر، الطبيب والباحث في علم المصريات والذي يعيش في برلين، يقول ل"الشروق"، إن الكثير من الشعب الألمانى يعتقدون بالفعل أن الملكة نفرتيتي تعتبر أيقونة برلين وهي تحظى بالتقدير الشديد من جانب الألمان.
يؤكد صابر أن هذه الرواية معروفة ومنشورة منذ سنوات لكن لا أحد يهتم بالمطالبة بعودة الرأس، كما أن هناك اعتبارات أخرى سياسية ربما لا تسمح لمصر بالمطالبة بها، على الأقل فى الوقت الحالى، فضلا عن التعنت الشديد من جانب إدارة المتحف في النقاش حول هذه المطالبات أو إمكانية تلبيتها.
مقترحات جادة لاستعادة الآثار المصرية من أوروبا:
يقترح صابر في حديثه ل"الشروق" أن يتم تدشين مؤتمر عالمي لمناقشة قضية استرداد الآثار من دول الغرب، بالتنسيق مع مختلف الجهات والمتاحف التي تحتضن الكثير من الآثار المصرية: "لا نريد استعادة كل الآثار، نريد فقط فتح نقاش بين المتخصصين في الآثار والتراث الثقافي، وخبراء القانون الدولي والسياسيين لفتح نقاش جدى حول هذه القضية من جميع جوانبها للتوصل إلى حل عادل.
بجانب تمثال نفرتيتي يجب أيضا فتح نقاشات حول استعادة "حجر رشيد" الذي اكتشفته فرنسا وسرقته ثم استولى عليه الجيش البريطاني عندما هزموا الجيش الفرنسي في معركة أبو قير البحرية عام 1789، ولهذا بقيت هذه القطعة حاليًا في المتحف البريطاني والمصريون أنفسهم محرومون منها، يقول صابر.
ويشير إلى أن هناك اتهامات من قبل بعض الدوائر الألمانية لمصر بعدم قدرتها على حماية الآثار مثلما تفعل ألمانيا، كما يدعون أن المصريين غير معنيين بالحفاظ على التراث أو الاهتمام بآثارهم وحضارتهم، لكن المشهد العظيم للمواطنين المصريين وهم يحيطون بالمتحف المصري لحمايته أثناء ثورة 25 يناير ينفي هذه الادعاءات.
كما يأمل صابر في أن يرد متحف برلين نفرتيتي إلى مصر على أن يضع تمثال آخر يحاكيها "نسخة طبق الأصل" ويُكتب تحته "لقد أعدنا نفرتيتي طواعية إلى المكان الذي تنتمي إليه، نعتذر عن ذلك، ونحن فخورون جدًا بأن نفرتيتي كانت جزءًا من متحفنا"، مؤكدا أن هذا سيجعل المتحف يحظى باحترام كبير من جميع زواره وسيكون لديه قصة جيدة ليرويها للعالم، سيكسب المتحف الكثير من التعاطف وحتى سيكسب من الناحية التسويقية، بسبب بيع فكرة إعادة الرأس لمصر مقابل ذلك الاحترام الهائل والمزيد من الزوار والحصول على قصة يرويها، سيكون ذلك فعلا أخلاقيا بالأساس تجاه "نفرتيتي" إذا كانوا معجبين بها ويحترمونها حقا.
قاعة رمزية لنفرتيتي بالمتحف المصري الكبير؟
منذ فترة قصيرة ظهرت دعوات من قبل أكاديميين ونشطاء أثريين على مواقع التواصل الاجتماعي، لإنشاء قاعة فارغة لتمثال نفرتيتي في المتحف المصري الكبير، كرسالة احتجاج سلمية تبعث برسالة رمزية لوجود نفرتيتي في برلين وليس في مصر.
أوضح باحث المصريات وسيم السيسي في حديث هاتفي ل"الشروق"، إنه كان أحد المشاركين في هذه المطالبات، لكن صاحب الفكرة الأصلي هو صديق له يدعى المهندس زاهر، وهو قارئ جيد ومهتم بقضايا الآثار والتراث.
ويشير السيسي إلى أنه أعجب شخصيا بهذا المقترح، وعرض هذه الأفكار بالفعل في وسائل إعلام وقنوات فضائية، إلا أنها لم تلق صدى كبيرا، بالرغم من جديتها، لافتا إلى أنه لم يتلق رد رسمي من الحكومة بعد، ولا يعرف إذا كان سيتم تخصيص هذه القاعة الفارغة أم لا، لكن المؤكد أنه إذا حدث ذلك سيكون فى مصلحة مصر بالتأكيد في سبيل استعادة هذه القطعة الآثرية الفريدة.
فيما أوضح المهندس زاهر صاحب المبادرة في حديث هاتفي ل"الشروق" أن إنشاء قاعات فارغة أو حتى وضع مجرد لافتات بالمتحف المصري الكبير تحمل أسماء القطع المصرية الشهيرة التى يفترض أن تكون فى مصر، سيبعث برسالة قوية إلى دول الغرب ما يسهم فى إمكانية استعادة هذه القطع وعلى رأسها تمثال نفرتيتي وحجر رشيد وسقف معبد دندرة.
أضاف: حتى إذا لم نسترد هذه القطع، سيعرف جميع الزوار الأجانب من خلال هذه اللافتات أو القاعات الرمزية أن هذه الآثار تخص مصر في الأساس، وعندما يزورون المتاحف الأخرى سيعرفون أن هذه القطع مكانها مصر، وبالتالى سنستفيد بشكل آخر، على الأقل استفادة معنوية.
مؤرخ ألماني: لا نملك وثيقة واحدة تثبت ملكيتنا لنفرتيتي!
أولفيرت أولدفورتل، عالم الآثار الكلاسيكية والمؤرخ الألماني قال في حديث خاص ل"الشروق" إنه لا توجد حتى وثيقة واحدة تقول "إن تمثال نفرتيتي حق لألمانيا أو برلين أو فريق التنقيب الألماني بقيادة لودفيج بورشارت" لكن يقول مستدركا: ما لدى ألمانيا هو إطار قانوني لإثبات الملكية، وهذا الإطار القانوني يسمى "قانون القسمة" الذي يعني ببساطة أن نصف الاكتشافات الأثرية تذهب إلى البعثة التي تساعد فى عمليات الحفر والاكتشاف والنصف الآخر يذهب إلى مصر التي كانت في ذلك الوقت تحت الاحتلال البريطاني وكان يشرف على عملية القسمة إدارة فرنسية.
ويتعجب أولدفورتل قائلا: لا أعرف لماذا وافقت الإدارة الفرنسية على تقسيم الاكتشافات الأثرية بدون اختيار تمثال فريد مثل رأس نفرتيتي لصالح مصر، ولا أحد يعرف كيف يمكن التفريط في قطعة كهذه.
شرعية قانون القسمة على المحك:
يؤكد "أولدفورتل" أن مسألة الاتفاقيات بين مصر وألمانيا في ذلك الوقت لتقسيم الآثار المكتشفة، فيما عرف بقانون القسمة وقتها، يحتل الصدارة اليوم في النقاشات العامة والأكاديمية، كما يتم طرح التساؤلات عما إذا كانت هناك أطُر قانونية مناسبة تغلف عملية القسمة بين الجانبين، وما إذا كانت هذه القوانين والإجراءات المتبعة حينها قد تم إجراؤها بحرية كاملة من قبل الطرفين.
وأضاف: الأمر معقد جدا، فقد حكم البريطانيون مصر ما بين أعوام (1882-1922). لذلك كان في يد البريطانيين حقوق إصدار التصاريح والقوانين التجارية والاستيراد والتصدير، ما جعل الأمور أكثر صعوبة كما أن هيئة حماية الآثار المصرية آنذاك كانت تحت سيطرة الفرنسيين حتى نهاية النظام الملكي في مصر المصري 1952. لذلك فإن الفترة من 1882 إلى 1952 ، لم يكن هناك أي طرف مصري خالص من المعنيين باكتشاف وتقسيم الآثار، ولم يكن شعب مصر ممثلا أو يوجد لديهم ممثلين منتخبين في الحكومة يشرفون على هذه العمليات.
تجاوز الجدل القانوني إلى سؤال الأخلاق:
وأشار عالم الآثار الألماني إلى أن المناقشات حول رد الآثار للدول المالكة أصليا لها، تتجاوز حاليا الجدال حول أصل هذه القطع ورد الحقوق، حيث أن الأسئلة المطروحة اليوم لا تعنى ب"هل كان الأمر قانونيًا أم لا؟" لكنها تدور حول سؤال "هل من الصحيح أخلاقياً الاحتفاظ بهذه المقنيات والآثار بغض النظر عن ظروف خروجها أو ملكيتها القانونية"، وهذا يعتبر نقلة نوعية تأخذ النقاش بعيدًا عن الجدل القانوني والسياسي والوثائق الرسمية، وتنقله إلى مساحات مساءلة النفس والتعامل ثقافيا وأخلاقيا تجاه هذه القضية بالأساس، ما يحتم على الدول الغربية مراجعة ذاتها حول أخلاقية الاحتفاظ بآثار تملكها حضارات لدول أخرى.
يضيف أولدرفورتل: على المرء ببساطة أن يفكر في أبحاث الدكتورة بنديكت سافوي (برلين) وفلوين سار (سانت لويس، السنغال) وهى الأوراق البحثية الهامة التى ناقشت ضرورة إعادة القطع الأثية الإفريقية لأصحابها، وهو ما علق عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بذاته وأقر به، حيث لاقت هذه الأبحاث قبولا واسعًا واهتماما متزايدا في دول إفريقيا وأوروبا.
وعن مطالبة مصر برأس نفرتيتي من ألمانيا أوضح أن آخر المطالبات المصرية لاستعادة نفرتيتي كانت من قبل الدكتور زاهى حواس عالم المصريات، في صيف عام 2022، والذي كان يشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في هذه الفترة.
وعن رأيه الشخصي في فكرة إعادة تمثال نفرتيتي إلى مصر قال: أنا شخصياً أتحير كثيرا بشأن هذه الفكرة، أحب نفرتيتي كثيرا بشكل شخصي وأعتقد إنها خير ممثل للثقافة والتراث المصري العظيم، وبالتالي فأنا اعتبرها سفيرة مصر في برلين، لكن هذا لا يمنعنى من القول بوضوح أن الإجراءات والقوانين المعمول بها عند تقسيم الاكتشافات الأثرية حينها كانت استعمارية بحتة ومثلت أسوأ الممارسات بالفعل.
أضاف: في ذات الوقت لا أريد أن أعيش في عالم يوجد فيه الفن الفرنسي في فرنسا فقط أو الفن المكسيكي في المكسيك والسنغالى في السنغال فقط، لكني لا أعرف على وجه التحديد كيف أعالج الظلم التاريخي دون أن أصطدم بظلم آخر ثقافي.
وعن إمكانيات إعارة نفرتيتي لمصر أو قطع أثرية أخرى في الوقت الحالى، يؤكد "أولدفورتل" أن فكرة جعل الآثار والقطع الفنية الهامة تدور حول العالم لكى يشاهدها أكبر عدد ممكن من البشر هي فكرة جميلة ومثالية حقا، لكنها ليست حكيمة على الدوام، خاصة عند الأخذ في الاعتبار هشاشة بعض القطع الأثرية، فضلا عن أن عمليات النقل دائمًا ما تكون مهمة صعبة للغاية ومكلفة أيضا في العصر الحالي.
"حواس" يدشن حملة المليون توقيع للمطالبة ب 3 قطع آثرية فريدة:
في عام 2002 تولى الدكتور زاهي حواس منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ووضع خطة للمطالبة بثلاث قطع فريدة ومهمة للغاية في 3 متاحف عالمية مختلفة، الأولى هى رأس نفرتيتي في متحف برلين والثانية حجر رشيد في المتحف البريطاني والثالثة هى القبة السماوية في متحف اللوفر الفرنسي.
وأشار حواس في حديث ل"الشروق" إلى أنه سبق له إرسال 3 رسائل إلى المتاحف الثلاثة بهدف استعارة هذه القطع الفريدة لعرضها في المتحف المصري الكبير، والذي كان من المقرر افتتاحه في عام 2015 وذلك قبل ثورة 25 يناير عام 2011 لكن الطلبات الثلاث رُفضت.
وحينها ردت إدارة متحف برلين بأنها تخشى حدوث مظاهرات أو مطالب شعبية من المصريين لعدم إعادة نفرتيتي إلى ألمانيا، لكن حواس قال للصحف في ذلك الوقت إن مصر دولة ولسنا "قراصنة الكاريبي" ما يعنى أننا دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وتحترم وتلتزم بمعاهداتها واتفاقياتها مع الدول الأخرى، وإذا تم التوقيع على استعارتها ثم إعادتها فلا شك أنها ستعود مرة أخرى.
وأشار إلى أنه شكّل بنفسه فريقا متخصصًا من الباحثين الأجانب في عهده قبل عام 2011 لمعرفة كيفية خروج هذه القطع الأثرية الفريدة من مصر، وجمع الأدلة الموضوعية التي تثبت خروجها بشكل غير قانوني بالمخالفة للقواعد والمواثيق المعمول بها في هذا الصدد لكن الظروف السياسية فى مصر حالت دون ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.