بينما تقاطر قادة العالم من رؤساء الدول والحكومات ومجالس إدارات كبرى المؤسسات والشركات العالمية العملاقة للمشاركة في "المنتدى الاقتصادي العالمي" المنعقد في دافوس هذا الأسبوع، وإذ يواصل الجنود الأوكرانيون قتالهم المرير دفاعاً عن أراضيهم وبقية أوروبا من الغزو الروسي، تتعالى الدعوات بين قادة العالم الغربي بضرورة ممارسة أقصى قدر من الضغوط على سويسرا التي تحظر تقديم دعم عسكري مهم وحيوي للجيش الأوكراني. ورغم الالتماسات المتكررة، لم تستجب حكومة برن للمطالب الألمانية الخاصة بإرسال ذخائر منظومة الدفاع الجوي المُصنّعة في سويسرا، التي يحتاج إليها الأوكرانيون بصورة ماسة لإنقاذهم من هجمات جوية شرسة تشنها القوات الروسية. تقول مجلة "ديفنيس نيوز" الأميركية، إن ألمانيا زودت كييف بمدفعية صاروخية ذاتية الإطلاق مضادة للطائرات والصواريخ من طراز "جيبارد"، التي برهنت على تفوقها وفعاليتها في التصدي للمسيّرات والصواريخ العابرة الروسية التي تستخدمها موسكو لقصف شبكات محطات توليد الطاقة الكهربائية وغيرها من البنية التحتية الحيوية في المدن الأوكرانية. كما أثبتت منظومة "جيبارد" الألمانية فعاليتها في حماية القوات البرية الأوكرانية أثناء هجومها المضاد الذي شنته في خاركيف في سبتمبر الماضي. وتعتزم برلين إمداد كييف بسبع قطع مدفعية مضادة للطائرات من طراز "جيبارد"، الأمر الذي يمكنها من حماية مزيد من مواقع البنية التحتية الحيوية أو تهيئة التشكيلات العسكرية لمزيد من الانتشار على الخطوط الأمامية في جبهات المواجهة. غير أن تلك القطع الألمانية الإضافية لن تجدي نفعاً ما لم تتمكن أوكرانيا من توفير الذخائر اللازمة لتشغيلها، فالمخزون لدى أوكرانيا ضئيل، وقد ينفد في القريب العاجل. من جانبها، تقوم شركة "راينميتال" الألمانية ببناء مصنع جديد لها لإنتاج ذخائر عيار 35 مم يمكن استخدامها في منظومة "جيبارد"، لكن الإنتاج لن يبدأ إلا في يونيو المقبل. في حال تعطل "جيبارد" عن العمل بدون ذخائر، فإن الأوكرانيين سيصبحون أكثر عرضة للهجمات الروسية، وربما ستلجأ كييف إلى نشر المزيد من منظومات الصواريخ أرض – جو الأكثر كلفة، كما أن بعضها في سبيله إلى النفاد فعلياً. يقول معدو تقرير "ديفينس نيوز" إن هناك أنباء سارة وهي أن سويسرا بوسعها تقديم العون في هذا الإطار. لكن الأنباء السيئة: "حكومة برن ترفض الإقدام على ذلك، استناداً إلى التزامها بالحياد العسكري". فسويسرا التي تُصنِّع النسبة الغالبة من ذخيرة منظومة "جيبارد" الألمانية، رفضت مراراً المطالب الألمانية بالسماح لها بإرسال تلك الذخيرة- التي صُدرت إلى ألمانيا منذ عقود مضت- إلى كييف. كما رفضت سويسرا مطالب أخرى بتحويل أسلحة من إسبانيا والدنمارك إلى أوكرانيا. ورغم الحياد العسكري طويل الأمد الذي تلتزم به سويسرا، فإن البلاد تُعد من المصدرين المهمين للعتاد العسكري. وبينما تبدي سويسرا التزامها بحظر تصدير أسلحة لمناطق حرب، فإنها في مناسبات وآونة أخرى قامت بتخفيف تلك المعايير، من أجل دعم صناعة الدفاع السويسرية. ويقول معدو التقرير إن الحكومة السويسرية قررت في 2016 السماح بتحويل أسلحة معينة إلى المملكة العربية السعودية ودول شرق أوسطية أخرى أثناء حربها مع ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، وقالت حينذاك إن تلك الأسلحة سوف تُستخدم "للدفاع العسكري المشروع عن النفس"، و"لحماية بنية تحتية مدنية". وتقول المجلة "هنا.. هل يبدو الأمر مألوفاً؟ فإن ذلك بالضبط ما ستُستخدم فيه ذخيرة الدفاع الجوي السويسري في أوكرانيا، حتى أنها ستُستخدم كذلك ضد نفس المسيّرات التي تصنعها إيران". لذا إذا أرادت سويسرا، فإن بوسعها تقديم نفس الاستثناء لأوكرانيا. ورأى بعض السياسيين السويسريين أن حكومة برن قد لا تحتاج كذلك إلى إجراء تغييرات تشريعية في قوانين البلاد المنظمة لمبيعات الأسلحة، بمعنى أن الأمر لن يكلفها سوى إصدار قرار إداري من الحكومة. ودعا معدو التقرير القادة الأميركيين والأوروبيين التشديد على مضيفيهم السويسريين في منتدى دافوس، الذي يختتم أعماله بعد غد، بأن موقف برن المتردد والمتخاذل بشأن تحويل ذخيرة مدافع "جيبارد" الألمانية سيكبد الأوكرانيين أرواحهم كما أنه سيلقي بتداعيات وخيمة على سويسرا نفسها. ومن بين تلك التداعيات، صدور قرارات بالتوقف عن شراء الأسلحة السويسرية، مثلما اقترح بذلك بعض السياسيين في ألمانيا، التي تعد من أبرز عملاء السلاح السويسري. وفي الواقع، فإن تقليص الاعتماد على الأسلحة السويسرية ربما يمثل قضية مهمة، ولاسيما إذا برزت مخاطر أن تحظر حكومة برن تسليم قطع غيار أو ذخائر لدول حلف "الناتو" في أي نزاع مستقبلي. ودعت المجلة المسؤولين الأميركيين إلى تذكير نظرائهم السويسرين إلى أن واشنطن تخطط لتسليم منظومات أسلحة متطورة إلى سويسرا، من بينها نظام الدفاع الجوي الصاروخي "باتريوت". وهي نفس المنظومة التي وعدت أميركا بتقديمها إلى أوكرانيا في المستقبل القريب. وتلك المنظومة من التسليحات المطلوبة بشدة لحماية الحلفاء والقوات الأميركية المنتشرة أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادي (الإندو-باسيفيك). وتختتم " ديفنس نيوز " تقريرها بالقول "إذا واصلت برن رفضها السماح بتزويد كييف بذخائر الدفاع الجوي، فإنه يتعين على واشنطن إعادة التفكير مجدداً بشأن الأولويات المستقبلية لمبيعات الأسلحة إلى سويسرا، ولاسيما بالنسبة لمنظومات التسليح المطلوبة في بقاع أخرى من دول لديها الرغبة في تقاسم العبء الأمني" مع حلفائها. وتشدد على أن أوكرانيا تدافع عن نفسها في حرب عدوانية يتعمد فيها الكرملين استهداف المدنيين. وفي حال انتصرت روسيا، فإن ذلك يعني انهياراً لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي عزز السلم والأمن في أوروبا، بما فيها سويسرا. وفي ضوء ذلك، فإن "قرار سويسرا بمنع وصول المساعدة إلى أوكرانيا لا يعد حياداً، بل هو أمر أكثر سوءاً من ذلك"، على حد تعبير المجلة.