الرئيس السيسي يُوجه الحكومة بتخصيص 5 مليارات جنيه لصندوق إعانات الطوارئ للعمال    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    الرئيس السيسي يوجّه بتحقيق الحماية القانونية الواجبة للعمال    لمن واجهوا عوائق في التحويلات.. الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من دفع الوديعة للمسجلين في مبادرة السيارات    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 15 فلسطينيا من الضفة بينهم سيدة    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    بعد صفعة جولر.. ريال مدريد يخطف صفقة ذهبية جديدة من برشلونة    قت.ل منهم اثنين.. عصابة تستدرج تاجر لسرقته فتحدث مفاجأة    الداخلية: سحب 1393 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    حملات تفتيشية على المخابز السياحية بالعاشر للتأكد بالوزن والأسعار    ضبط تاجر مخدرات بتهمة تصنيع وإعادة تدوير مخدر الحشيش في البحيرة    الأمن تكثف جهوده لكشف غموض مق.تل صغيرة بط.عنات نافذة في أسيوط    رئيس جامعة حلوان يكرم الطالب عبد الله أشرف    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بكلية طب قناة السويس    كوارث في عمليات الانقاذ.. قفزة في عدد ضحايا انهيار جزء من طريق سريع في الصين    وزير الخارجية السعودي يدعو لوقف القتال في السودان وتغليب مصلحة الشعب    وزير المالية: الخزانة تدعم مرتبات العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بنحو 3 مليارات جنيه    رئيس جهاز بني سويف الجديدة يتابع مع مسئولي "المقاولون العرب" مشروعات المرافق    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    سليمان: لا توجد مفاوضات مع بيراميدز بشأن الشناوي.. وسنلجأ للقضاء بعد أزمة بوطيب    الفشل الثالث.. رانجنيك يرفض عرض بايرن ويستمر مع النمسا    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    محامي بلحاج: انتهاء أزمة مستحقات الزمالك واللاعب.. والمجلس السابق السبب    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    وزير الري: ضرورة التزام الفلاحين بزراعة الأرز فقط في المناطق المقررة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    مفتي الجمهورية ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان فقيد دولة الإمارات    احذروا الطقس خلال الأيام القادمة.. ماذا سيحدث في الأسبوع الأخير من برمودة؟    إلغاء رحلات وتحويل مسارات في دبي بسبب الحالة الجوية بالإمارات    في إطار المعاملة بالمثل.. إيران تفرض عقوبات على شركات ومسؤولين أمريكيين لدعمهم لإسرائيل    حادث غرق في إسرائيل.. إنقاذ 6 طلاب ابتلعتهم أمواج البحر الميت واستمرار البحث عن مفقودين    عزة أبواليزيد: مهرجان بردية يسعى لاستقطاب الشباب لميادين الإبداع |صور    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    100 مبدع يُوثق انجاز المرأة الأدبي في معرض أبو ظبي للكتاب    على طريقة نصر وبهاء .. هل تنجح إسعاد يونس في لم شمل العوضي وياسمين عبدالعزيز؟    بعثة أوروبية تتوجه إلى لبنان بدعم بقيمة مليار يورو لوقف تدفق اللاجئين    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    محافظ الجيزة يستجيب لحالة مريضة تعاني مشكلة صحية وتحتاج جراحة|شاهد    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    نشاط الرئيس السيسي وأخبار الشأن المحلي يتصدران اهتمامات صحف القاهرة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    هدى الإتربي تتألق في أحدث جلسة تصوير.. والجمهور: "أبيض على الأبيض" (صور)    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طلقات تحذيرية لحملة البرادعى
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 03 - 2010

بعد أن أطلق الدكتور محمد البرادعى حملته من أجل التغيير،وأعلن تشكيل جبهة وطنية لذلك، وحدد مطالب التغيير وأهدافه، جاءه الرد الرسمى من النظام على لسان الرئيس مبارك وأقطاب الحزب الوطنى. من ناحيته حصر الرئيس قضية التغيير فى مسألة ترشيح البرادعى نفسه فى انتخابات الرئاسة المقبلة داعيا إياه للترشح فى إطار حزبى أو كمرشح مستقل، وهما خياران يعرف الجميع أنهما شبه مستحيلين بحكم نص المادة 76 من الدستور بعد تعديلها، وثانيا بسبب القبضة الأمنية المٌحكمة على العملية السياسية بقوة قانون الطوارئ.
تزامن ذلك مع تصريحات للسيد جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب لطلبة الجامعات بالأقصر أن انتخابات الرئاسة محصورة فى الأحزاب وأن خوض الانتخابات لأى مرشح مستقل هو استثناء، واستبعد أى تعديلات للدستور واصفا التعديلات الدستورية الأخيرة التى شملت المادة 76 المعيبة بأنها كانت «محطة مهمة فى التاريخ المصرى». وتبع ذلك تصريحات للدكتور على الدين هلال أمين الإعلام فى الحزب الوطنى بأن تعديل بعض مواد الدستور الذى طالب به بيان الجبهة الوطنية للتغيير التى أعلنها البرادعى أخيرا غير مطروح على أجندة الحزب الوطنى، وأن أمام البرادعى فترة سنة حتى شهر أغسطس القادم قبل انتخابات الرئاسة القادمة لكى ينضم لأحد الأحزاب القائمة حتى يتأهل لانتخابات الرئاسة فى 2011.
هذه التصريحات وما سيلحق بها فى المستقبل القريب تحمل مجموعة من الرسائل من النظام الحاكم إلى الدكتور البرادعى وحملته من أجل التغيير والى مؤيديه، منها:
أولا: أن النظام يرفض فكرة أى تعديلات للدستور، وبخاصة المواد 76، و77، و88 التى تضمن انفتاح ونزاهة انتخاب رئيس الجمهورية ومحدودية فترة شغل المنصب.
ثانيا: أن النظام يرفض الإشراف القضائى الكامل والشامل على العملية الانتخابية لضمان الشفافية ولدرء شبهة التزوير والتلاعب بالنتائج.
ثالثا: رفض أى تعديل دستورى يكفل حق الترشح للرئاسة دون قيود تعسفية، مثل القيود الملتوية التى أضافها تعديل المادة 76 من الدستور لأغراض أصبحت معروفة لجميع المصريين المتابعين للشأن السياسى.
واستكمالا للتحصّن ضد الدعوة للتغيير كانت اللاءات التى تمسك بها الدكتور مفيد شهاب الدين، وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية، عند نظر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حالة مصر فى منتصف شهر فبراير: لا لتعديل الدستور، ولا لتقييد عمل المحاكم العسكرية والاستثنائية، ولا لإلغاء حالة الطوارئ لحين صدور قانون مكافحة الإرهاب (مما يعنى أن الانتخابات الرئاسية القادمة قد تجرى فى ظل قانون الطوارئ)، ولا لحزمة من القوانين يقال إنها تمس السياسة العامة، ولا لتعديل قوانين العقوبات للتقليل من حالات الحكم بالإعدام، ولا لحضور مراقبين دوليين الانتخابات والاكتفاء بممثلى منظمات المجتمع المدنى ومندوبى المرشحين، وهى الآلية التى أثبتت الانتخابات الماضية أن قوات الأمن قادرة على تحجيمها، أو تعطيلها والسيطرة عليها.
ورغم أن بعض أنصار الحزب الوطنى الذين اشتهروا بأعمال البلطجة أذاقوا بعض مؤيدى البرادعى الذين حاولوا تنظيم مؤتمر لدعمه فى الفيوم أخيرا لونا من ألوان الاعتراض الخشن فأصابوا سبعة منهم بجروح حسبما نشرته الصحف، فإن الحراك السياسى والشعبى الذى أطلقته دعوة البرادعى للتغيير يتصاعد ويتمدد. أحزاب المعارضة المستضعفة الوفد والتجمع والناصرى والجبهة الديمقراطية تستعد، إذا اتفقت، لعقد اجتماع مشترك يوم 13 مارس لوضع مشروع تعديلات دستورية بمعاونة نخبة من فقهاء القانون الدستورى. وشباب شبكات التواصل الإلكترونى الداعمين لترشيح البرادعى يتزايدون. وحملات جمع التوكيلات أو التفويض للبرادعى تكتسب زخما واسعا ومتصاعدا. خطوط المعركة المقبلة تتشكل بسرعة وتتحدد: شعب مطحون يتوق للتغيير فى مواجهة نظام سلطوى يتمسك بالبقاء رغم إرادة الشعب.. والمعركة بالطبع غير متكافئة، فالنظام يملك العصا الغليظة والقدرة على تكسير العظام تحت ستار الحفاظ على الأمن والشرعية الدستورية، والشعب لا يملك إلا الأمل والإصرار والمقاومة السلمية. لكن هذه المقاومة قد تصل فى مرحلة ما إلى المظاهرات الصاخبة والإضراب العام والاعتصام والعصيان المدنى. وبالرغم من عدم تكافؤ عناصر المعركة ووسائلها فإن تاريخ القرن العشرين حافل بالمفاجآت التى تتجاوز كل الحسابات..
ويخطئ من يستهين بعزيمة الشعب إذا جمع شجاعته واجتمعت كلمته.
وتصاعد الزخم الشعبى والسياسى والإعلامى لحملة البرادعى فى مواجهة الحزب الحاكم ومؤسساته قد يؤدى إلى حالة مواجهة بين شعب ونظام. هذه المواجهة بما تحمله من اضطرابات محتملة قد تهز الصورة السائدة لاستقرار النظام بالسيطرة على الشعب والحركة السياسية بقوة قوانين الطوارئ. واهتزاز صورة الدولة القوية المسيطرة التى يدعمها الشعب من خلال الواجهات السياسية والدستورية المزيفة هى أخطر ما يخشاه النظام، أكثر من عواقب تردى جميع الأوضاع فى البلاد، ومن نقمة الشعب المهدد بالقوة الأمنية المفرطة، ومن معارضة الأحزاب السياسية الضعيفة. ذلك لأن هناك خارج الحدود من ينظر بقلق وشك إلى استقرار مصر وقدرة النظام الحالى على المحافظة على هذا الاستقرار بتفويض حقيقى حر وديمقراطى من أغلبية الشعب، وليس بسطوة قوانين الطوارئ والمحاكم العسكرية. وأظن أن هناك من الدول الغربية التى يهم نظام الحكم رضاها أكثر من أى اعتبار داخلى أو خارجى آخر من بدأ يشك فى مصداقية حجج النظام بأن التمسك بقوانين الطوارئ السارية منذ 28 عاما هو لردع الإرهاب، لا لإرباك المعارضة السياسية المشروعة، وهو ما يذكّرنا بالفزّاعة التى كان الرئيس السادات يستخدمها مع الغرب بأن ممارسة أى ضغوط على مصر إنما يقوى من شوكة التيار الشيوعى ويهدد بالعودة إلى سياسات الاشتراكية الناصرية.
منذ ثمانية أشهر تقريبا ضجت صحف الحكومة بتسريبات إخبارية سارة ومقالات متفائلة مفادها أن إدارة أوباما قد تخلت عن سياسة سلفه البغيضة بمساءلة مصر عن التقدم فى تحقيق الإصلاحات الخاصة بنشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وضمانات الحريات الفردية والشفافية السياسية، مما كان يعده النظام تدخلا وقحا فى شئون مصر الداخلية التى ينفرد بها.
لكن ما يبدو من تصريحات وتسريبات أخيرة تلمّح أن واشنطن ليست فقط مهتمة بتوسيع مناخ الحرية السياسية بشكل لا يقتصر على حرية الحركة للحزب الوطنى وقمع خصومه وعلى ظهور عملية سياسية أكثر شمولا وتنافسية، بل إنها بدأت تشعر بالقلق على استقرار مصر وتأثيراته على المنطقة بسبب تكلس العملية السياسية، ومظاهر التدهور فى جميع مناحى الحياة، وإصرار النظام على احتكار السلطة والدفع نحو التوريث. ولواشنطن إشارات ورسائل مبطنة يفهمها النظام الحاكم جيدا ويدرك مغزاها، ومنها لقاء الرئيس باراك أوباما ببعض الناشطين المصريين فى مجال حقوق الإنسان الشهر الماضى، وتواتر تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مع تصريحات السفيرة الأمريكية فى القاهرة حول الرغبة فى وجود منافسة سياسية حقيقية فى الانتخابات وتوسيع دائرة المشاركة.
وهناك أيضا زيادة فى اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية بمستقبل مصر السياسى، والزيارة المرتقبة لنائب الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن للقاهرة واحتمالات إثارة الأوضاع السياسية المصرية أثناءها. استقرار مصر فى نظر الولايات المتحدة واعتدالها يحاصران الغليان المتصاعد ضد استفزازات إسرائيل وجموحها، ويشدد الضغط على حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية، ويدعم سياسات محمود عباس الاستسلامية، ويعزز الاحتواء الإقليمى لإيران وسوريا الذى لم يثبت نجاحه حتى الآن، ويهادن الانتشار العسكرى الأمريكى فى المنطقة. لذلك فإن استقرار مصر على سياساتها الحالية يصب فى مصلحة الأمن القومى الأمريكى فى الشرق الأوسط، والولايات المتحدة لم تعد واثقة من أن النظام الحالى بأساليبه التى لا تخرج عن الحكم بالتزوير، أو بالترهيب قادر على الحفاظ على مصالحه ومصالحها فى وجه تيار التغيير. وبالتالى يصبح أمام الولايات المتحدة أحد خيارين: إما أن تضغط على النظام للانفتاح على تيار التغيير بكل ما يحمله هذا من مخاطر، وإما أن تسحب دعمها له تدريجيا فى شكل رسائل تحذيرية متتالية. وأغلب الظن أن الولايات المتحدة قادرة على احتواء أى خطوات انتقامية قد يفكر النظام فى اتخاذها ضد المصالح الأمريكية، فمعادلة المصالح المتبادلة ليست متكافئة تماما.
النظام لاشك يشعر بقلق شديد أمام ظاهرة البرادعى الداعية للتغيير، وخياراته ضيقة وصعبة: إما الاستمرار فى سياسات التخويف والقمع لتحجيم حركة البرادعى ومنعها من الانتشار ثم عزله فى دائرة البحث عن وسيلة للترشح فى انتخابات رئاسية لا فرصة له فيها، وبذلك تلتف على حركة المطالبة بالتغيير. أو تقديم تنازل وهمى قبل الانتخابات الرئاسية بإلغاء حالة الطوارئ مظهريا مع الاستمرار فى ممارستها بوسائل القبضة الحديدية فى قفاز من حرير. وقد يلجأ النظام إلى تحييد حركة البرادعى بإعلان مجموعة من الإصلاحات الهامشية التى لا تمس جوهر النظام، وخداع الشعب بها من خلال صحف ووسائل الإعلام الرسمية الطنانة. خيار حركة البرادعى الوحيد فى مواجهة ذلك هو توحيد صفوف الشعب فى حركة شاملة، من الإسكندرية إلى أسوان، لدفع موجة التغيير، وبعث الأمل، دون تراجع أو تنازل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.