استطاع فيلم «نبى» للمخرج جاك أوديار أن يحصد تسع جوائز سيزار الفرنسية من بينها جائزة أفضل فيلم، وأفضل ممثل شاب وأفضل ممثل لهذا العام وقد حصل على كليهما الممثل المغربى الأصل طاهر رحيم الذى يلعب دور «مالك» السجين العربى المسلم الساذج الذى يتحول إلى مجرم قاتل. ولتنضم إلى قائمة جوائزه من العام الماضى والتى حصل عليها فى مهرجان كان السينمائى الدولى بعد أن فاز بالجائزة الكبرى وجائزة أفضل فيلم أجنبى من البافتا. وتدور قصة الفيلم حول حياة هذا السجين العربى الذى لا يعرف القراءة والكتابة وتحوله ظروفه إلى قاتل لا يرحم بعد أن يدخل السجن فيحاول التأقلم مع المساجين الذين لا يجد معهم مفرا إلا بالتعامل بوحشية حتى يستطيع البقاء، وبالفعل ينجح فى ذلك وتصبح له عصابته الخاصة ويترك براءته التى لم يعد لها مكان الآن فى حياته بعد أن انقلبت رأسا على عقب خلال الست سنوات مدة عقوبته فى أحد السجون الفرنسية. كما يصور الفيلم كيف يكون السجن عالما صغيرا داخل عالم كبير يؤثر بشكل أو بآخر على العالم الكبير من خلال أفراده الذين يقودون عصابتهم حتى من وراء القضبان. ويركز العمل أيضا على العرب والمسلمين بشكل مختلف عن الأفلام السينمائية الأخرى التى قدمت العرب كجزء منفصل عن العالم الغربى وظهر ذلك من خلال البطل العربى المسلم الذى قدم على أنه جزء من الحياة والمجتمع الفرنسى هذا إلى جانب رأى مأمور السجن فى السجناء المسلمين بأنهم أكثر انضباطا عن السجناء الآخرين. ولكن كان هناك أيضا بعض العنصرية ضد المسلمين من بعض السجناء زملائهم الذين كانوا يصفوهم «بالحقراء » أو «الكلاب القذرة» التى تنبح من أجل أن يقدم لهم الآخرون المساعدة. وروى رحيم بطل الفيلم كيفية استعداده لتقديم دور السجين قائلا: «كان يجب أن أقدم شخصية مختلفة عنى فى كل شىء وهو ما كان فى غاية الصعوبة، فلم أجد أمامى سوى دراسة الشخصية فبحثت كثيرا فى الوثائق التى تتحدث عن السجون إلى جانب الأفلام التى تناولت الحياة داخل السجون وشكل البيئة التى يعيش فيها المساجين من قبل فى السينما.. وبالتأكيد لم يكن الأمر سهلا». وأضاف «أعتقد أن جزءا من نجاح دورى كان بسبب أننى سجنت نفسى فى فكرة.. تصبح لغزا يحاول المشاهد فى النهاية حله وأعتقد كل هذه التحليلات لشخصية «مالك» من قبل النقاد والجمهور هى مجرد محاولات لحل هذا اللغز الذى حقق هدفنا فى النهاية وهو شغل الجميع بهذه القضايا المختلفة التى يتحدث عنها الفيلم». وقال المخرج أوديار «لم أجد أفضل من رحيم لتقديم الدور فبمجرد أن تعرفت عليه بالمصادفة عن طريق صديق لى كان يعمل معه قررت أن يكون هو بطل فيلمى الجديد، وبالفعل استطعنا سويا تقديم شكل جديد لشخصية رجل المافيا». وأثار الفيلم الكثير من الجدل بسبب صورة السجون الفرنسية التى قدمت فى الفيلم وإن كانت من وحى الخيال إلا أنها اقتربت من الحقيقة بشكل كبير وهو ما ذكرته جريدة نيويورك تايمز، مؤكدة أنه على الرغم من أن فرنسا هى مهد حركة حقوق الإنسان الحديثة إلا أن سجونها مكتظة وقذرة وترتفع بها معدلات الانتحار وتعرضت لانتقادات من قبل المجلس الأوروبى لأنها تعتبر الأسوأ فى القارة. ووصف الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى هذه السجون الفرنسية بأنها «عار وطنى». حيث اقترحت بعد عرض الفيلم تشريعات جديدة لإصلاح السجون فى فرنسا وهو ما عرفه البعض ب«تأثير النبى». وعلق أوديار بقوله «لم أكن أنوى أن أكون مصلحا اجتماعيا من خلال الفيلم ولكنى من أنصار صناعة أفلام حول مواقف الحياة الفعلية، فالسينما يجب أن تعكس مضمون الواقع الاجتماعى وهو ما أسعى إليه دائما». وأضاف «الفيلم كله من الخيال فلم نر السجون الفرنسية ولكننا عندما طلبنا ذلك وجدنا الطريق مسدودا أمامنا فشعرنا أن هناك شيئا لا يريدونا أن نراه لذا توقفنا عن محاولة الدخول هناك وبدأنا فى استعمال خيالنا واستطعنا بمساعدة بعض المسجونين السابقين واعتبرناهم مستشارين للعمل داخل السجن فى الفيلم». وعن أسباب اختياره لممثل عربى للقيام بدور البطولة أكد قائلا: «الانطباع الذى يتركه وجود عربى فى فيلم فرنسى يختلف تماما عنه فى الأفلام الأمريكية، فالشاشة الفرنسية أصبحت تخلو من الأبطال والشخصيات العربية وهذا يدل على وضع العرب فى المجتمع الفرنسى، حيث إن معظمهم يكونون من شمال أفريقيا وليسوا مندمجين جيدا فى المجتمع الفرنسى بالشكل المفروض وهذا هو ما أسعى لتغييره وأعتبره هدفا بالنسبة لى ولكنى لا أتصور أن فيلمى هذا قد يحدث فارقا بالنسبة للعرب المهاجرين والمقيمين فى الخارج ولكنه تعبير عما أحلم به وأتمنى أن يتحقق وأعتقد أننى قمت بدورى من خلال تقديم شخصية «مالك» العربية التى تظهر كرجل جيد يتميز بفضائل كثيرة حتى وإن كان ذلك فى البداية إلى أن يضطر للتغيير ليحافظ على حياته». وحول إذا كان ينوى أوديار أن يقدم فيلما هوليوديا صرح قائلا: «لا أفكر فى ذلك، فالفيلم الفرنسى كاف بالنسبة لى الآن». ويذكر أن الفيلم حصل أيضا على جائزة أفضل ممثل مساعد للممثل نيلز اريستروب وجائزة أفضل سيناريو للكاتب عبدالرءوف دفرى ونيكولا بوفايلى وتوماس بيدغان، كما حصل على جائزة المونتاج والصورة وأخيرا جائزة الديكور.