لوحات وجوه الفيوم كانت دائما تلح علىّ للكتابة عنها يجب تقديم التاريخ للقارئ فى شكل أدبى ممتع لتحقيق أقصى استفادة دراستى لتاريخ الفن انعكست بشكل كبير على كتاباتى وحياتى التنقل بين الأزمنة يمنحنى مرونة فى سرد النصوص يترسخ لدى القارئ مجموعة من الانطباعات الإيجابية عند مطالعة أدب الكاتبة والروائية رشا عدلى، حيث لديها قدرة على المزج فى نصوصها بين الماضى والحاضر بسلاسة شديدة، مع إحداث تداخل ما بين الألوان الفنية التى درستها، وبين النصوص الأدبية التى تبدعها. قدمت رشا عدلى مؤخرا سلسلة من الأعمال الروائية الناجحة، التى استطاعت فيها أن تثرى النصوص المكتوبة بخبرتها فى التشكيل والفنون البصرية، حيث تملك رصيدا ثريا من الأعمال الروائية المتميزة ك «شغف» التى ترشحت ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) فى عام 2018، و«آخر أيام الباشا» التى رُشحت لنفس الجائزة ضمن القائمة الطويلة فى عام 2020. . «أحب التنقل بين الأزمنة، وأؤمن بنظرية أثر الفراشة»، هكذا قالت عدلى فى حوار لها مع الشروق، كشفت من خلاله كواليس كتابة آخر أعمالها الروائية «أنت تشرق أنت تضىء، والتى أصدرت دار الشروق للنشر الطبعة المصرية منها. متى بدأتِ كتابة رواية «أنت تشرق أنت تضىء» وما هو منبت الفكرة؟ بدأتها فى عقلى من عدة سنوات، فالصور واللوحات الخاصة بوجوه الفيوم، كانت دائما تلح علىّ للكتابة عنها، وكنت أفعل ذلك كلما رأيتها أو قرأت عنها. اشتريت الكثير من الكتب، وتابعت أبحاث مشروع مهم تموله عدة مؤسسات فنية، للبحث فيما وراء أدق التفاصيل عنها، وهذه الأبحاث تجرى منذ عام 2013 حتى الآن، فى اعتقادى أن كل ذلك يؤسس لمشروع الرواية، إنما كتابتها الفعلية فكانت بعد منذ عام ونصف أو أكثر قليلا. أحدث رواياتك أعادت التذكير بأحد أهم الأعمال الفنية من العصر الرومانى هل يمكن أن تحدثينا عن ذلك؟ وجوه الفيوم هى أول رسم ذاتى رسم فى التاريخ، جرى رسمه بتقنية شمع العسل، واستعان فنانو هذه الحقبة باستخدام ألوان من مواد مبتكرة ونادرة أيضا، كاللون القرمزى فى رداء الضابط الرومانى الذى تم استخراجه من نبات الفوة، جميع ما يرتبط بهذه الوجوه فى اعتقادى يعتبر شيئا مبهرا وسابقا لعصره وأوانه، والفكرة التى رسمت أجلها امتزاج ثلاث حضارات معا فهى قد رسمت على الطرق الإغريقية لشخوص معظمها رومانى، حسب طقوس الدفن للحضارة المصرية، لذلك نجدها فى متاحف العالم موزعة فى أقسامه المختلفة القسم الإغريقى الرومانى المصرى. هناك الكثير من الأسرار بالطبع وراء هذه الوجوه وهذا ما أردت أن أكتبه فى الرواية وأقدمها للقارئ المصرى الذى يجهل الكثير عن هذه الوجوه وأهميتها، بالإضافة إلى أن الرواية بجانب وجوه الفيوم تثير عدة قضايا أخرى كسرقة الآثار والفساد، وتنتقل بنا بين عوالم ومدن مختلفة لنتعرف على ثقافات متعددة، وبالتأكيد بها جانب رومانسى، وبذلك أكون جمعت بين عدة محاور تعودت أن أكتب عنها فى أعمالى، فكما يهمنى الماضى والتاريخ يهمنى الحاضر أيضا. فى رأيك كيف يمكن أن يستفيد الأدب والتاريخ كل منهما من الآخر؟ يحدث ذلك عندما نوظف التاريخ بشكل يتيح لنا أن نقدمه للقارئ فى شكل أدبى ممتع ومثير، أن نزيل عنه جموده وعتمته ونمنحه المرونة ونضىء دهاليزه الممتعة حتى يشعر القارئ بأنه قام بمغامرة فريدة من نوعها، وهذا لن يحدث إلا بتقديم معلومات جديدة، وبإلقاء الضوء على شخصيات لم يلق لها بالا، نقدم نصا قابلا للتفكيك من نواحٍ متعددة ليسمح للقارئ بإعادة تجمعيه مرة أخرى بتأويلات ورؤى وآراء مختلفة ترجع للقارئ نفسه. وأرى أنه يجب الابتعاد عن إعادة تدوير التاريخ فنقدم المعلومة نفسها والحدث نفسه، والشخوص الهامة نفسها. إلى أى مدى نحتاج التركيز على الأعمال التى تتناول أبعادا تاريخية؟ الأمر يتعلق بما نستطيع أن نقدمه للقارئ وأن نضيفه للتاريخ نفسه، معظم الإصدارات الروائية أصبحت فى الرواية التاريخية ولكن المهم هو ما الذى قدمناه بكتابة رواية تاريخية، فى روايتى «آخر أيام الباشا»، حاولت تقديم رؤيا مغايرة لشخصية محمد على، شخصية غير التى درسناها فى كتب التاريخ المدرسية ومختلفة عما كتب عنه من قبل عدد من المؤرخين. بالطبع لم تكن كتابتى عن شخصية مهمة ومؤثرة فى التاريخ إلا نتاج كتب ووثائق وأبحاث مصرية وأجنبية تناولت كافة جوانب حياة هذا الرجل، وبالفعل هناك عدد من القراء بعد قراءة رواية «آخر أيام الباشا» غيروا وجهة نظرهم عنه واهتموا بالقراءة عنه ومعرفته بشكل أكبر وأوفر، وهذا تحديدا ما يمكن للأدب أن يقدمه للتاريخ فى مقابل ما يمنحه التاريخ للكاتب، عبر أفكار ملهمة يستطيع أن يصنع منها عملا ناجحا. كيف تستطيعين المزج بين الأسطورى والواقعى، الخيالى والحقيقى؟ الكاتب يستمد أفكاره الإبداعية وشخوصه بدون شك من الحياة من حوله، فطبيعى أن يمزج ما يراه بالخيال ليصنع نصه، ربما فى الكتابة التاريخية يكون التخيلى محكوما إلى حد ولكن هذا لا يمنعك أبدا من المزج بين الواقع والخيال حتى فى وصف أهم وأشهر الأحداث التاريخية، أستعمل تكنيكا أحبه كثيرا وهو التنقل بين الأزمنة ويمنحنى مرونة فى السرد. ما الأثر الذى تركه الفن التشكيلى على ذائقتك الإبداعية؟ دراستى لتاريخ الفن بالتأكيد كان لها تأثير ليس فقط على الكتابة ولكن على حياتى بشكل كبير فمن خلاله تعرفت على أهم وأفضل الأعمال التشكيلية، مما نمى الذائقة لدى وجعلها انتقائية وحساسة، كذلك البحث فى تاريخ اللوحات جعلنى عندما أنظر إلى لوحة فأنا لا أنظر لما رسمه الفنان بقدر ما أبحث فيما وراء الأشكال والشخوص والأشياء، لأصنع عالما مختلفا، كل ذلك بدون شك أثر على أسلوبى فى الكتابة فأنا أهتم برسم الشخصيات بدقة وتقديم ما وراءها والغوص فى تكوينها النفسى، كذلك الاهتمام بالتفاصيل أحب أن أجعل القارئ كما لو أنه يقف أمام لوحة.. لوحة حية فى حال مد يده يمكنه أن يلمس الكائنات والأشياء. هل تفضلين نمطا معينا فى السرد وبناء الرواية؟ أحب تقنية التنقل بين زمنين أو عدة أزمنة كما فى رواية قطار الليل إلى تل أبيب فهذه التقنية تتيح لى التنقل بين الماضى والحاضر؛ لأن فى أعمالى دائما أحاول أن أوضح أن ما نعيشه الآن مترتب بالتأكيد على شىء حدث فى الماضى، كما فى نظرية أثر الفراشة بأمكان حدث بسيط جدا، وضعيف جدا فيما بعد يكون له أثر كبير وتترتب عليه أحداث كبيرة جدا، كذلك أحب استخدام تقنية الفلاش باك وهى تقنية ربما يجدها البعض سهلة بالرغم أنها من أصعب أنواع الكتابة كما وصفها رولان بارت. عقب ترجمة روايتك «شغف» للإنجليزية.. فى رأيك ما هى أهمية الترجمة بالنسبة للمبدع.. وأين نقف فى مدى تطور الترجمة فى عالمنا العربى؟ الترجمة معناها أن الكاتب خرج من الحيز الضيق لمجتمعه إلى فضاء أوسع بكثير، وهذا بجانب أنه سوف يتيح له الشهرة ولكن الأهم من ذلك أنه سيستطيع أن يصل بتجربته لقراء من مختلف الجنسيات والثقافات، ليعرفهم على عالمه الخاص ومجتمعه فكما نعلم أن الوصول للعالمية لا يحدث إلا إذا توغل الكاتب فى بيئته. عندما تناولت قصة زينب البكرى مع نابليون فى رواية الأمر كان أشبه بأنى أزلت أطنانا من الغبار من فوق لوحة معلقة جدران التاريخ، فهذه الفتاة البسيطة التى لم يعرفها وذهبت قصتها معها، قلة من المهتمين بالتاريخ والباحثين من يعلمون بأمرها ولكن الآن وبعد كتابة الرواية وترجمتها للإنجليزية وقريبا للغات أخرى وتوزيعها فى جميع مكتبات العالم أصبح بإمكان هذا القارئ الإنجليزى أو الأمريكى أو الهندى يعلم بأمر زينب وهذا فى حد ذاته ما أردته وتمنيته أن يعلم الجميع بالظلم الذى وقع على هذه الفتاة. أتلقى بريدا إلكترونيا من قراء من جميع أنحاء العالم يستفسرون منى أكثر عن قصة هذه الفتاة ومدى الحقيقة فيها من الخيال وهذا يسعدنى جدا بالتأكيد. هل من الممكن أن تخبرينا عن قادم أعمالك؟ فى الواقع أنا مشغولة أكثر بدراسة تقنية «النيو آرت» وهو أسلوب من الفن والمعمار والتصميم بلغ ذروته فى بداية القرن العشرين ويتميز بتصميمات متجددة ومتدفقة كان له تأثير على جميع أشكال الحياة وقتها وسوف أحاول أن أستخدم هذا النوع وأمزج بينه وبين الكتابة فى عملى الجديد فكما وجدنا كيف تأثر الأدب بفن الركوكو والباروك والنيو باروك والحداثة وما بعدها. تقنية النيو آرت ستتيح لى ولوج عالم جديد من السرد.