اليوم.. "خارجية النواب" تناقش موازنة التعاون الدولي للعام المالي 2024-2025    أسعار الذهب فى مصر اليوم الاثنين 20 مايو 2024    أسعار السمك اليوم الاثنين 20-5-2024 في محافظة قنا    رئيس الوزراء يتفقد تنفيذ المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق    المركزي الصيني يبقي على معدلات الفائدة الرئيسية للقروض دون تغيير    ما هي المسافات الآمنة للسكن بجوار خطوط الكهرباء؟    وزيرة البيئة: تدوير المخلفات يساعد الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه التغيرات المناخية    الاثنين 20 مايو 2024.. ارتفاع مؤشرات البورصة فى بداية تعاملات اليوم    تداول 15 ألف طن و818 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    ولي العهد السعودي يؤجل زيارته إلى اليابان للاطمئنان على صحة الملك سلمان    خبير في العلاقات الدولية: إسرائيل تستخدم سلاح الجوع لكسر صمود الشعب الفلسطيني    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    رغم الإصابة، الأهلي يحسم التجديد ل علي معلول    بعد 10 دقائق من بدء اللجان .. تداول امتحان الإنجليزى للإعدادية بالقليوبية على جروبات العش    في ذكرى وفاته.. سمير غانم «نجم» المتلقى الدولى للكاريكاتير 2024    أتزوج أم أجعل امى تحج؟.. وكيل وزارة الأوقاف يوضح    «رمد بورسعيد» يحصل على الاعتراف الدولي للمستشفيات الخضراء«GGHH»    لمرضى الضغط المرتفع.. احذر هذه الأطعمة خلال الموجة الحارة    11 بطولة تفصل جوارديولا عن عرش أليكس فيرجسون التاريخي    8 بطولات في 9 سنوات، مسيرة كلوب مع ليفربول    الهجرة: نتابع تطورات أوضاع الطلاب المصريين في قرغيزستان بعد الاشتباكات بالحرم الجامعي    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    اليوم.. محاكمة 13 متهمًا بتهمة قتل شقيقين واستعراض القوة ببولاق الدكرور    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. علي معلول يخضع لعملية جراحية في وتر أكيليس    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة: القلقشندى وموسوعته صبح الأعشى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 03 - 2010

كان عصر المماليك من أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية فى مصر، فى مجالات الفكر والثقافة والفنون والآداب، وصلت الحياة الفكرية فى مصر فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين إلى قمة نضجها وازدهارها، وعادت إلى البلاد أمجادها التى غابت عنها منذ عصور الحضارة المصرية القديمة، وكانت القاهرة وكبرى مدن الدلتا والصعيد مقصدا لطلاب العلم والباحثين عن المعرفة يفدون عليها من كل أنحاء العالم الإسلامى لينهلوا من علمائها ويدرسوا على أيديهم وفى أواخر عصر دولة المماليك البحرية وأوائل عصر دولة المماليك الجراكسة، أى فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين عاش فى مصر مجموعة من العلماء الأعلام.
وكان من بين هؤلاء الأعلام ثلاثة من أصحاب المؤلفات الفذة فى ذلك العصر وهم: أحمد بن عبدالوهاب النويرى المتوفى سنة 732 هجرية، وأحمد بن فضل الله العمرى المتوفى سنة 749 هجرية، وأحمد أبن على القلقشندى المتوفى سنة 821 هجرية.
ورغم تعدد مؤلفات الرجال الثلاثة فإن لكل منهم كتابا عمدة من بين كتبه ارتبط اسمه به وذاع صيته واشتهر بسببه، وهذه الكتب الثلاثة هى «نهاية الأرب فى فنون الأدب» للنويرى، و«مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار» لابن فضل الله العمرى، و«صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» للقلقشندى، وعن هذه المؤلفات الثلاثة يقول المؤرخ والمفكر المصرى الراحل محمد عبدالله عنان:
«إنه لمن التجاوز والتواضع أن نسمى هذه المؤلفات المدهشة كتبا، فهى فى الواقع موسوعات ضخمة شاسعة، لا تدل أسماؤها على حقيقة محتوياتها، ومن الصعب أن نصف مؤلفيها بأنهم كتاب أو أدباء من نوع معين، فهم فى الواقع علماء موسوعات (انسكلوبيديون)، امتازوا بالتمكن والتوسع فى كثير من علوم عصرهم، واستطاعوا بكثير من الجهد والجلد أن يجمعوا أشتاتها فى أسفار منظمة متصلة، وأن يجعلوا من هذا النوع من الكتابة، فنا خاصا، لا يستطيع أن يضطلع به سوى القليل من العلماء أو الكتاب الذين يتمتعون بمواهب خاصة، وقد وجدت فكرة الموسوعات العامة فى الأدب العربى قبل القرن الثامن، ولكنها لم تصل من قبل إلى مثل هذا التوسع فى النوع وهذا التبسط فى المادة».
وسوف نتوقف اليوم عند واحدة من هذه الموسوعات وهى كتاب «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» لشهاب الدين أحمد بن على القلقشندى.
ولد القلقشندى فى خمسينيات القرن الثامن الهجرى وتوفى فى سنة 821 هجرية فأدرك بذلك عصرين من عصور التاريخ المصرى، عصر دولة المماليك البحرية وعصر دولة المماليك الجراكسة، وبين مولد القلقشندى فى خمسينيات القرن الثامن ووفاته فى عشرينيات القرن التاسع للهجرة عاش الرجل حياة حافلة غنية مكنت له من تأليف موسوعته الكبيرة.
ولد القاضى شهاب الدين أحمد بن على القلقشندى بقرية قلقشندة إحدى قرى القليوبية فى سنة 759 ه، وكان ينتمى إلى أسرة من أصول عربية من تلك الأسرات التى هاجرت إلى مصر واستقرت بها ضمن عديد من الهجرات العربية إلى مصر، وقد درس القلقشندى بالقاهرة والإسكندرية على يد كبار علماء عصره، وتخصص فى الفقه الشافعى والأدب وعلوم اللغة والبلاغة، وتولى بعض الوظائف الإدارية فى الدولة، وقد لفتت براعته فى الإنشاء نظر بعض رجال البلاط إليه، فرشح للعمل فى ديوان الإنشاء وكان من أهم دواوين الدولة فى ذلك العصر، وترقى فى العمل فى الديوان ووصل فيه إلى أرفع المناصب، وقد بدأ عمله فى الديوان فى سنة 791ه فى زمن السلطان الظاهر برقوق واستمر يعمل فى الديوان لأكثر من عشر سنوات.
وكان عمل القلقشندى فى ديوان الإنشاء وراء تأليفه لموسوعته الضخمة «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا»، فقد أتاح له العمل فى الديوان التعرف على كل تفاصيل النظم السياسية والإدارية لسلطنة المماليك عن قرب.
ويبدو أن تأليف القلقشندى لموسوعته كان بناء على طلب من أحد كبار المسئولين فى الدولة وربما كان السلطان نفسه، وذلك بعد أن وضع مقامة صغيرة عن صناعة الإنشاء، حيث يقول القلقشندى فى مقدمته لكتاب صبح الأعشى فى صناعة الإنشا:
«وكان فى حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، عند استقرارى فى كتابة الإنشاء بالأبواب الشريفة السلطانية، عظم الله تعالى شأنها، ورفع قدرها، وأعز سلطانها، أنشأت مقامة بنيتها على أنه لابد للإنسان من حرفة يتعلق بها، ومعيشة يتمسك بسببها، وأن الكتابة هى الصناعة التى لا يليق بطالب العلم من المكاسب سواها، ولا يجوز له العدول عنها إلى ما عداها، ونبهت إلى ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد، وما ينبغى أن يسلكه من الجواد، وضمنتها من أصول الصنعة ما أربت به على المطولات وزادت، وأودعتها من قوانين الكتابة ما استولت به على جميع مقاصدها أو كادت....»
ويمضى القلقشندى فى مقدمته قائلا: «إلا إنها قد وقعت موقع الوحى والإشارة، ومالت إلى الإيجاز، فاكتفت بالتلويح عن واسع العبارة، فعز بذلك مطلبها، وفات على المجتبى ببعد التساؤل أطيبها، فأشار من رأيه مقرون بالصواب، ومشورته عرية عن الارتياب، أن أتبعتها بمصنف مبسوط، يشتمل على أصولها وقواعدها، ويتكفل بحل رموزها وذكر شواهدها، ليكون كالشرح عليها، والبيان لما أجملته، والتيمة لما لم يسقه الفكر إليها، فامتثلت أمره بالسمع والطاعة، ولم أتلكأ وإن لم أكن من أهل هذه الصناعة، فشرعت فى ذلك بعد أن استخرت الله تعالى وما خاب من استخار، وراجعت أهل المشورة وما ندم من استشار».
ورغم أن الهدف من تأليف القلقشندى لموسوعته «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» يبدو هدفا تعليميا بحتا، حيث قصد بها أن تكون كتابا جامعا للمعارف اللازمة لكتاب ديوان الإنشاء، فإنها جاءت عملا موسوعيا فذا، فكتاب صبح الأعشى يجمع بين التاريخ، والجغرافيا، والنظم السياسية، ونظم الإدارة، والتنظيمات المالية والاقتصادية، فضلا عما فيه من مواد ذات علاقة وثيقة بالأدب واللغة والخطوط، وقد قسم القلقشندى كتابه إلى عشر مقالات استوعبت عند طباعتها فى أوائل القرن الماضى أربعة عشر مجلدا من القطع المتوسط.
وقد جمع القلقشندى فى كتابه كل ما أتى به السابقون عليه من كتاب ديوان الإنشاء فى مؤلفاتهم عن الكتابة الديوانية منذ عهد البعثة النبوية حتى القرن التاسع الهجرى، ولكنه أضاف على هذا الكثير من خبراته وابتكاراته، كما ضمن القلقشندى كتابه نصوص مئات من الوثائق التى صدرت فى عصور الدولة الإسلامية المختلفة والتى فقدت أصولها فحفظ لنا بذلك قسما كبيرا من تاريخنا الضائع، كما عرفنا من خلال موسوعته تلك الكثير من المعلومات عن العلاقات الخارجية لمصر وصلاتها بغيرها من الممالك الإسلامية، وصلاتها أيضا بالدول الأوروبية.
وقد استغرق تأليف هذا العمل الموسوعى عشر سنوات من القلقشندى حتى يتمه، ومع ذلك لم يكن مؤلفه الوحيد، بل وصلتنا من أعماله عدة مؤلفات أخرى فى التاريخ والأدب وأنساب القبائل العربية.
لقد أثرى الرجل المكتبة العربية فى مصر فى عصره وخلدته أعماله عبر القرون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.