«الناس الطيبون.. من الصعب أن تجدهم. وفى مصر 80 مليونا وأكثر. أحد أكبر الأسواق فى الشرق الأوسط». تصدر هذا الشعار مصحوبا بصور عدد من المشاهير، منهم بطرس بطرس غالى وأحمد زويل وأم كلثوم وسعاد حسنى، كتيب الدعاية الذى وزعته وزارة الاستثمار فى مؤتمر المستثمر المصرى بهونج كونج أمس، والذى نظمته مؤسسة اليورومونى البريطانية بحضور وزيرى الاستثمار والاتصالات. لكن هل يكفى هذا لإثارة شهية المستثمرين فى أكثر اقتصادات العالم حرية فى أداء الأعمال على مدى العقد الماضى؟ «هناك تحول فى المنظور. على مدى 5 سنوات كنا نقوم بنفس عملية الترويج فى لندن. وهذا العام نقوم به فى هونج كونج لكى يكون لنا وجود أكبر فى آسيا، ونقدم القصة المصرية»، هكذا برر وزير الاستثمار محمود محيى الدين تغيير وجهة المؤتمر، الذى يعقد لأول مرة فى القارة الصفراء. ومع تطورات الأزمة المالية العالمية، انكمش الاقتصاد العالمى بقيادة الولاياتالمتحدة واقتصادات اليورو مما انعكس فى تراجع كبير فى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر منها. فقد واصل الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر التراجع فى الربع الأخير من 2009 ليصل إلى 895 مليون دولار فقط مقارنة ب2.4 مليار دولار فى نفس الفترة من العام الماضى، وب1.7 مليار دولار فى الربع الثالث من 2009. فى الوقت نفسه، حافظت الصين وبعض دول شرق آسيا على معدلات نمو مرتفعة. «هناك فوائض رأسمالية كبيرة فى آسيا والاستثمارات البينية كبيرة. لذلك بعض هذه الفوائض تتجه إلى أسواق ناشئة وتبحث عن أخرى»، يقول صامويل زافاتى، مستشار بنك الاستثمار المصرى سى أى كابيتال وممثله فى جنوب شرق آسيا. وينصح زافاتى بإستراتيجية تركز على 3 دول فى المنطقة تتميز باندفاع شركاتها وتشجيع حكومتها للاستثمار فى العالم النامى. «كوريا الجنوبية إذ إن الكوريين لهم وجود بالفعل فى مصر. وإندونيسيا لأن بينها وبين مصر تشابها كبيرا، ويمكن مشاركتها تجربة الشراكة بين القطاعين العام والخاص». أما الدولة الثالثة فهى الصين، التى قد تشكل مصر بالنسبة لها عنصر الاستقرار مقارنة بالمخاطر الكبيرة التى تأخذها فى أفريقيا، يضيف مستشار سى أى كابيتال. وبينما استقبلت منطقة شرق آسيا استثمارات أجنبية مباشرة تقدر ب186.9 مليار دولار فى 2008، وفقا للأونكتاد، فإن دولها استثمرت 136.1 مليارا فى نفس العام. واستقبلت مصر فى الفترة بين العام المالى 2004/2005 إلى الربع الأول من العام المالى الحالى استثمارات صينية لم تتجاوز 171.9 مليون دولار مقارنة ب142.6 مليار من اليابان، ولم ينلها حظ من 59.9 مليار دولار استثمرتهم شركات من هونج كونج فى الخارج، بحسب آخر تقارير البنك المركزى. ويقول الفريد وى جوجنج، وهو قيادى سابق ببنك دى بى اس، ومستشار حالى لعدد من المؤسسات المالية بهونج كونج، وأحد المستثمرين المحليين القليلين الذين حضروا المؤتمر، ل«الشروق»، إن مصر كانت «سلبية تجاه المنطقة». لكن ما الذى يمكن أن تقدمه مصر كحالة استثمارية للشركات الآسيوية خاصة من الصين وهونج كونج؟ «لماذا تترك الشركات الآسيوية هذه السوق الكبيرة هنا وتأتى إلى مصر؟» تساءل طارق السعدنى، مستشار وزير الاتصالات، ومجيبا عن سؤاله ب:«الفرصة». النمو المصرى «مصر واحدة من الدول القليلة التى حافظت على 5% نمو برغم الأزمة»، من هنا يبدأ وزير الاستثمار قبل أن يرسم تصورا لهذه الفرصة الاستثمارية المصرية فى علاقتها بخبرة آسيا نفسها. «نحاول دفع الاقتصاد اعتمادا على 5 مرتكزات: أولا الانضباط المالى ورأينا ما قدمه الانضباط المالى لاقتصادات آسيا النامية. ثانيا، النمو بالاعتماد على تطوير البنية الأساسية وهو ما نركز عليه الآن ليس فقط فيما يخص الطرق، ولكن أيضا الطاقة والطاقة المتجددة والاتصالات، العنصر الثالث هو التنمية البشرية وهى تأخذ أولوية فى حالة مصر. وأيضا هناك الأمن والاستقرار السياسى وهى نقطة تلاقى بين مصر وآسيا». ولا ينسى الوزير هنا أن يؤكد أن أرقام تأسيس الشركات التى تواصل الزيادة «دليل على الاستقرار وعلى عدم تاثر بيئة الأعمال بتطورات والجدل حول الإصلاحات السياسية». أما العنصر الأخير بحسب محيى الدين فهو «أننا غير مرتبكين فيما يتعلق بخطتنا للمستقبل بسبب ما رأيناه من نمو بسبب الاندماج فى السوق العالمية فى دول شرق آسيا. ويرشح وزير الاستثمار لجذب الاستثمار الآسيوى 4 قطاعات، بعضها نما فى متوسط ال5 سنوات الأخيرة بمعدلات تفوق معدل النمو العام، «هى مشروعات البنية الأساسية، والخدمات المالية والشركات المتوسطة والصغيرة وأخيرا قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. تمتع بالنمو واتصل بالشرق الأوسط «أهم الشركات العالمية فى الاتصالات جاءت لمصر بسبب نمو القطاع الذى يمثل 10% من إجمالى النمو الاقتصادى»، يقول وزير الاتصالات، طارق كامل. وقد تضاعف عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر فى عامين فقط إلى 20% من السكان. ويقول كامل إن المستهدف هو مضاعفة هذه النسبة مرة أخرى فى السنوات القليلة القادمة. «إثر الأزمة كان أقل كثيرا من المتوقع. لذا نحن ماضون فى خططنا لتطوير القطاع»، يضيف كامل. وتعول مصر فى هذا المجال على دفع صناعة التعهيد كما تستند إلى موقعها الجغرافى كمدخل لأفريقيا. «تعال واستمتع بالنمو فى مصر واخلق قيمة للاقتصاد، واستند إلينا للتواصل مع منطقة تمتد من المغرب إلى أفغانستان، وبتكلفة رخيصة»، خاطب وزير الاتصالات الحاضرين فى اليورومونى. كان كامل قد وقع أمس الأول اتفاقا للتعاون بين القرية الذكية والسايبر بورت فى هونج كونج، وهى مدينة ذكية حكومية لشركات تطوير تكنولوجيا المعلومات باستثمارات 2 مليار دولار. الميزة فى التنوع يتبنى ونستون فيرجير، وهو محلل بشركة كوشمان وويكفيلد للاستثمار العقارى بهونج كونج، وجهة نظر أخرى تؤكد أن ما يميز مصر، ومعها تركيا، هو أنهما «على العكس من دبى والخليج، وهى نماذج اقتصادية قائمة على عنصر اقتصادى واحد هو الخدمات المالية أو النفط، لديها اقتصاد متنوع. وفرص الاستثمار فى الاقتصاد الحقيقى وبالتالى الإنشاءات فيها كبيرة». ويتفق زافاتى مع ذلك قائلا: «لا يمكنك أن تعتمد على نوع واحد من النشاط ومصر اقتصاد لا يعتمد على قطاع بعينه». ويرجع المحللون الماليون عدم تأثر معدلات النمو المصرية كثيرا بالأزمة العالمية إلى هذا التنوع». ولا يسيطر قطاع بعينه على الناتج المحلى الإجمالى المصرى، الذى تتعدد روافده بين الصناعة ب16.2% منه والزراعة ووقناة السويس والسياحة والإنشاءات والاتصالات.