«فاتت من الشباك دون طرق على الباب»: هكذا يصف دخول الحرب فى حياته سنة 2006. فجأة، وجد نفسه، هو الذى لم يرسم قط عن الحرب الأهلية اللبنانية، متورطا فى الرسم عن حرب أخرى أصبحت جزءا من حياته. أصبحت أيامه كلها مسكونة بصوت أزيز الطيران الإسرائيلى، ومشهد ألسنة اللهب المرتفعة فى الأفق، وانتظار موجة القصف القادمة. فرضت السياسة نفسها على رسمه، دون استئذان، دون سابق تدبير وتفكير: «لما تبطل حياتك طبيعية، أنت مجبور.» لكنه لم يرسم شعارات سياسية. رسم نفسه مرهقا من ليالى الأرق والقلق، رسم نفسه مع أصدقائه فى بارات بيروت التى كانت تستمر فيها الحياة، حكى قلقه على ابنه هل يبقى فى بيروت أم يطلع الجبل؟ صغيرا كان مازن كرباج يرسم طول الوقت، تشجعه أم فنانة تشكيلية وأخ رسام. «مثل كل الأطفال»، يضحك، «الفرق الوحيد إنى لم أوقف». ولد سنة 1975، مع بداية الحرب الأهلية، التى خيمت ظلالها على طفولته، لكنه لم يرسم عنها. «كل الفنانين يحسوا مجبورين يحكوا عنها.» بدأ يرسم كوميكس وهو فى الرابعة عشر، لكنه تردد فى أن يجعلها مهنته فدخل كلية فنون جميلة، صرح الفنون التشكيلية «الجادة»، ثم عمل فى مجال الإعلانات ليضمن احتياجات ابنه. اليوم ترك هذا العمل الذى زاوله لمدة 15عاما دون أن يحبه، فاستعاد طاقته كاملة للكوميكس. يرسم فى أى وقت وفى أى مكان. فى التاكسى، فى مقاه بعد الظهرية الهادئة وبارات الليل الصاخبة. يرتجل رسما يمليه عليه اللحظة. يحب فكرة «الرِسك» المقترنة بالارتجال.90% من الكوميكس الذى يرسمه مرتجل. يبدأ أول خانة، ويترك يده تمشى. «ما بعرف حتى كم صفحة هارسم». كذلك 95% من موسيقته. الترومبيت عشق مازن كرباج الآخر. تعلم أن يعزف عليها منذ أكثر من 15عاما، وأصبح عاشقا لموسيقى الجاز الارتجالية. اليوم يعزف «سولو» أو «ديو»، أو «تريو» فى بيروت ودمشق كما عزف فى ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وأحيانا يتداخل الاثنان، فيرسم نفسه عازفا للترومبيت فى مواجهة سيمفونية القصف الإسرائيلى. يفكر فى«مشاريع تدمج رسم «لايف» مع موسيقى. مجالان مختلفان يجد فى كل واحد منهما متعة خاصة. «الموسيقى مثل المسرح. تخلق لحظة العزف تواصلا حميما مع الجمهور.» فى نفس الوقت يستمر فى تأليف الكوميكس. يعمل حاليا على قصة مستوحاة من «رجال فى الشمس» لغسان كنفانى، الذى يحب رواياته بقدر ما يحب رسومات فنان فلسطينى آخر، ناجى العلى. الشاب الذى دأب على نشر ألبوماته الأولى على حسابه، والذى كان يفرح عندما يدرك تأثير النسخ المائة التى وزعها، له اليوم خانة ثابتة فى جريدة الأخبار اللبنانية. تحت عنوان «دفاتر مازن كرباج» يرسم نفسه مسكونا بصور الحرب على غزة، زائرا فى برلين، تائها فى ليالى بيروت. أصبحت خطوطه معروفة لكنه يؤكد أنه لا يجامل الجمهور. «بعمل الحاجة اللى تعجبنى. الجمهور الواسع مش هو الهدف.» يدرك ما يسميه «حدود الفن»: «ما فيه فنان قدر يوقف رصاصة. أقدر بس أطلع غضبى على الورقة».