تناول الشاعر ورجل الفكر الكبير أدونيس في كتابه الصادر بعنوان "الكتاب الخطاب الحجاب" أمورا عديدة في الفكر والحياة العربيين بما عرف عنه من نظر عميق غير تقليدي. ورأى انه لا يمكن للإنسان العربي في هذا العصر أن ينجز ويتقدم إذا بقي فكره وبحثه محصورين في إطار ما هو مسموح له به لأن الإنجاز لا يكون بالتوصل إلى ما نعلم بل إلى ما لا نعلمه. وفي رأي أدونيس أن مفهوم التسامح الحالي إنما هو تمويه يسهم في خلق كونية زائفة لأنه ينطوي ضمنا على تمييز وعلى أعلى وأدنى وأن المطلوب هو الديمقراطية والمساواة. وأدونيس أو علي احمد سعيد الشاعر السوري الأصل المقيم في فرنسا والذي رشح باستمرار لجائزة نوبل صاحب أثر كبير في تطور الشعر العربي وقد صفه البعض مرارا بما كان قد وصف به المتنبي في عصره وهو أنه -أي أدونيس- في عصرنا العربي هذا مالئ الدنيا وشاغل الناس. وقال أدونيس في فصل من فصول القسم الأول من الكتاب تاريخيا أدت ثقافة التكفير إلى ثقافة الامتناع عن التفكير أو إلى ما يمكن أن نسميه بثقافة الاجتناب. اجتناب الأساسي في كل شيء: في الدين.. في الفلسفة.. في العلم.. في الشعر.. في السياسة.. في الطبيعة وفي ما وراءها. لا مجال للإنسان في التفكير والمساءلة والكتابة إلا في ما حلل وما حلل ليس إلا جزءا يسيرا من جسد العالم. هكذا لا يعود الجسد نفسه إلا مجرد مادة للنبذ والإقصاء والحجب. الكتاب الذي صدر عن دار الآداب في بيروت ورد في 206 صفحات متوسطة القطع وبلوحة غلاف للشاعر. وجاء الكتاب في ثلاثة أقسام حمل كل منها عنوانا رئيسيا انقسم إلى عناوين فرعية. أما العناوين الرئيسية فهي النص والحقيقة والسياسة والحقيقة وشذرات. يضيف الشاعر في القسم الأول وتحت عنوان هو تفكير/تكفير فيقول في الرؤية الدينية أن النص الديني مكان الحقيقة وبيتها. لا اعترض على هذه الرؤية إذا اقتصرت على الحقيقة الدينية حصرا وعلى المؤمنين بها حصرا وعلى النص الديني حصرا. "لكنني اعترض عندما يصبح النص الديني معيارا في النظر إلى النصوص غير الدينية وعندما تصبح حقيقته هي كذلك معيارا تقاس به الحقائق الأخرى أو تفرض في مؤسسة ثقافية - اجتماعية - سياسية تطالب غير المؤمنين أن يلتزموا بها وألا يفكروا بطرق تؤدي إلى حقائق أخرى غير دينية. يقول والتكفير لا يسلب الإنسان حريته وحدها وإنما يسلبه كذلك إنسانيته. المكفرون يدمرون باسم النص الديني ما أعطاه الخالق للإنسان تمييزا له عن سائر المخلوقات: العقل والحرية والإرادة. ويمكن أن يقال انطلاقا من ذلك أن الذين يكفرون الآخرين يعطون لأنفسهم حقوقا لم يعطها الخالق لمرسليه وأنبيائه (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). فإذا كان الأنبياء لا يقدرون أن "يهدوا" فبأي قوة او حق يعطي الإنسان لنفسه الحق بهداية غيره أو بالأحرى الحق بتكفيره". وقال أدونيس أن الموروث التأويلي الديني وبخاصة الإسلامي يعلمنا أن القائل برأيه في الدين مخطئ وإن أصاب. فلا معرفة في الدين إلا بالنقل... النقل آلة وليس للآلة حاضر لأنها منذ أن تحضر تصبح ماضيا. أنها حاضر بلا حضور. زمنها تكراري. هكذا تسيطر على الحركة وتلجمها... ذلك أن المعرفة انجاز دائم بينما الآلة نظام مغلق. وفي مجال آخر وتحت عنوان حوار/تسامح تحدث أدونيس عن حركة الحوار بين الأديان أو بين الحضارات فقال أن لفظة التسامح تتخذ اليوم شكل المفتاح الأول لبناء هذا الحوار. وتشير هذه الكلمة بدلالتها العامة السائدة إلى مخطئ وإلى مصيب يتناسى الخطأ. ويعني ذلك أن المصيب يتسامح عن شخص هو دونه أو ليس مساويا له أو منحرف عن الصراط المستقيم. تبعا لذلك يشير مفهوم التسامح إلى أن المتسامح يستند إلى كونه أكثر معرفة ممن يتسامح معه وإلى انه يصدر عن حقيقة هي وحدها الحقيقة خصوصا في المجال الديني". ورأى أنه في ما يتعلق بالمجال الإثني أو العرقي يشير التسامح إلى أكثرية تهيمن وأقلية تقبل هذه الهيمنة... وفي هذا تبدو الأكثرية كأنها نواة المجتمع وبنيته الأساسية المهيمنة. وتبدو الأقلية هنا كأنها هامشه وملحقه. ولا تكون العلاقات هنا بين بشر متساوين بل بين أعلى وأدنى أو تبدو في أحسن حال علاقات بين محقين ومخطئين. وقال: هكذا يكشف مفهوم التسامح في المجتمع عن خلل في بنيته الاجتماعية - المدنية. يكشف كذلك عن خلل في نظامه الأخلاقي المعرفي. إنه يضمر القول بالتمييز بين البشر وتقويمهم على أساس هذا التمييز... التسامح باختصار إنما هو حجاب على المساواة يجب تمزيقه... هكذا يبدو لي أن التسامح خصوصا كما يمارس اليوم نوع من التمويه عدا عن انه يسهم في خلق كونية زائفة... ثمة خطأ أصلي في مفهوم التسامح. المسألة إذن ليست في الاستمرار بتحويل هذا الخطأ إلى صواب بل بإزالته ولا نزيله إلا بإرساء الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع. فالمساواة لا التسامح هي الخصوصية الأولى للديمقراطية ممثلة في الحرية والحق...